ظلّت الفنانة الراحلة سلوى القطريب متروكةً على مدى عقدين تقريباً قبل أن ترحل.. وفجأة استفاق الوسط الفني اللبناني على أغانيها وعلى قيمتها الفنِّية. كأنه كان ينبغي ان تموت حتى يعرف من يلزم أن يعرف وهو لا يعرف أنها كانت الفنانة الراقية في نوعية أغانيها، ومستوى أدائها، وأسلوبها الفني، وحتى في أغلب مسرحياتها الغنائية الموقعة بقلم ونوتات وإخراج الفنان روميو لحود، إذا كان الاطلاق في الفنون خطيئة. وهو كذلك... ولذلك نقول أغلب المسرحيات التي عرضت على مسارح البلد. انتبهت المغنية كارول سماحة إلى أغنية «خذني معك على درب بعيدة» فطلبت إعادة تسجيلها وكان لها من روميو لحود ما أرادت. أغنية جميلة منحتها كارول من صوتها حساسية درامية عاطفية، غير أن اللافت هو شيوع خبر عن ان المغنية أليسا تنوي أيضاً إعادة تسجيل الأغنية نفسها. وفي هذه المرحلة بالذات، ما يعني أن ثمة تضارباً سيحصل حُكماً لدى الجمهور إذا تجسّدت النية فعلاً. لكن الواقع كان في مكان آخر، فقد طرحت أليسا في الاذاعات تسجيلاً لأغنية سلوى القطريب «قالولي العيد بعيوني» منقولة عن إحدى المناسبات الحية مع أن أليسا تتحاشى التسجيلات الحية عادة، إلاّ أنها في هذه الأغنية أجادت، حتى يمكن القول أن حالة الشجن التي اختزنها صوتها وبثّها في الأغنية كانت استثنائية وتشكل اضافة على أداء سلوى نفسه، من دون أن يكون هذا الكلام مقارنة بين الصوتين، فأي صوت جديد إذاً قرّر إعادة تقديم أغنية قديمة، ينبغي أن يُنشدها بأسلوبه هو ليعطيها حياة جديدة. وهذا ما حصل مع أليسا. على أنّ أغنية «أخذوا الريح» التي أدّتها صباح، لا تزال بعض وسائل الإعلام، الإذاعية وأحياناً التلفزيونية، تنسبها الى صوت سلوى القطريب.. ربما لأن روميو لحود هو كاتبها وملحنها، ويبدو بعض هذه الوسائل «راكباً رأسه» في الاعلان عند إذاعة الأغنية بصوت احد المغنِّين الشباب، بأنها لسلوى القطريب وهو ما لا يُعرف ما إذا إيجابياً لسلوى أم سلبياً. فلا صباح في حاجة الى أن تذكر الناس بأنّ «أخذوا الريح» لها، ولا سلوى القطريب في حاجة إلى أن تضيف إليها أغنية لصباح! إلاّ أن الأمر الجميل، هو مشروع إعادة تجسيد مسرحية «بنت الجبل» لسلوى وروميو لحود في أحد المهرجانات الغنائية القريبة زمنياً، في الصيف، ببطولة ابنتها ألين لحود... الصبية الناجحة غناءً وتمثيلاً، والتي وقَفَت بطلة في مسرحيّتين غنائيّتين الأولى مع إلياس الرحباني، والثانية مع عبد الحليم كركلا، فغنَّت ومثَّلت وبرعت في الأدوار التي أُعطيت لها براعةً لفتت الانتباه جدياً إلى مواهبها المتنوِّعة. وخلال أربع سنوات كحدّ أقصى كان إسم ألين بين الأسماء البارزة التي تحترف الغناء والتمثيل في آن معاً في لبنان من دون أن يُؤثر أحدهما على الآخر أو يطغى عليه. وقد تأتي «بنت الجبل» لتكرِّس ألين وريثة فنية متكاملة لوالدتها الراحلة هي أيضاً، غنَّت في بطولات مسرحية استعراضية، ومثَّلت في مسلسلات تلفزيونية عُنيت بالتاريخ الفني فقدمت عدداً من الموشحات والأدوار فيها. وجسَّدت شخصيات من هذا التاريخ العريق بميزات صوتية رائعة.. في ثمانينات القرن الماضي. وكمثل ما كانت سلوى متروكةً، فإن الفنان روميو لحود أيضاً كان متروكاً على مدى عقدين تقريباً، رغم ما كان ولا يزال في هذا الفنان المُرهف المتدفق فنَّاً، وذوقاً، من الإمكانات التي اصطدمت بواقع لجان المهرجانات الفنية الموزعة على أيام الصيف اللبناني، منذ سنوات، وبقدرة قادر اختفى من الساحة الفنية. وقد مر في مراحل صعبة، مادياً ومعنوياً، وإنسانياً بفقدان زوجة ألكسندرا شقيقة سلوى القطريب الكبرى، ولم يَنحَنِ، وقد أمكنه تجاوز الأزمات، والعودة مجدداً إلى حيث ينبغي أن يكون فناناً كاتباً ومُلحِّناً ومخرجاً.. سلوى القطريب عائدة مع كارول سماحة وأليسا وألين لحّود... وطبعاً بتدبير جيد من روميو لحود. ما يعني أن أغاني زمان.. القريبة في الزمان كانت استمراراً لأغاني زمان.. القديم التي نتذكّرها بآهات حبّ.. بعض هذا الحنان والاحترام الطيبين كان ينقص سلوى في حياتها.