بعد معرضين ناجحين نظمهما المتحف البريطاني خلال العام الماضي، وهما:"الأمبراطور الأول: جيش الصين الطيني"و"هدريان: الأمبراطورية والصراع"، افتتح أخيراً معرض جديد تحت عنوان"الشاه عباس: إعادة بناء ايران"ليغطي تاريخ ايران الحديث ابتداء من القرن السابع عشر. إستمر حكم الشاه عباس من 1587 الى 1629، وجاء في أعقاب مرحلة من الحروب الداخلية والصراعات الخارجية. وبعدما تمكن من تحقيق الأمن الداخلي والحماية الخارجية، وجه الشاه عباس أنظاره الى تعزيز الاقتصاد وتنمية الأقاليم ونسج شبكة من العلاقات لتربط آسيا بأوروبا. ايران تلك هي هدف هذا المعرض الذي عمد المتحف البريطاني الى استعارة الكثير من معروضاته مباشرة من ايران. والهدف من ذلك إظهار صورة مختلفة عن تلك الدولة مقارنة بما هو عليه وضعها الحالي المرتبط بالاشكالات على المستوى الدولي. وغالبية التحف المعروضة لم يسبق لها ان غادرت ايران وهي تتضمن نسخاً من القرآن الكريم والمنمنمات ولوحات حروفية والبورسلين والمنسوجات الحريرية والسجاد والأواني المعدنية المتنوعة. وبما ان الشاه عباس لم يكتف فقط برعاية الفنون، وإنما اشرف على حملة واسعة لبناء المساجد والأضرحة والقصور والمباني المدينية المختلفة، فإن المعرض تضمن صوراً مكبرة لأهم المنشآت التاريخية، خصوصاً في مدينة أصفهان التي عرفت في ذلك الوقت بأنها"نصف العالم". ويركز المعرض المستمر حتى أواخر حزيران يونيو، على أربع مناطق اساسية شهدت نهضة كبرى في ظل الشاه عباس وهي: أصفهان التي كانت عاصمة للشاه ابتداء من عام 1598، ولذلك حظيت باهتمام عمراني خاص، وأردبيل التي كانت مركزاً لحركة صوفية تلقت دعماً قوياً من الشاه، ومشهد حيث ضريح الإمام الرضا، وقد تحولت الى مقصد للزوار من أنحاء مختلفة من العالم الاسلامي، وأخيراً قم التي أصبحت مركزاً للدراسات الدينية والفقهية. وساعدت الطريقة التي نظمت فيها ادارة المتحف هذا المعرض كثيراً في إبراز الجوانب الجمالية بأسلوب تعليمي يهدف الى نقل الزائر خطوة خطوة في رحاب الفنون الاسلامية التي اتخذت اتجاهات متجددة في عصر الشاه عباس. ولا تتوقف الرحلة عند تلك الفترة الزمنية، بل تسعى الى تبيان أثرها في ايران القرن الحادي والعشرين. ويلفت ان منظمي المعرض استعانوا بأفلام الفيديو والشاشات العملاقة لإكمال التحف المعروضة، وهكذا باتت المباني الأثرية التاريخية في ايران الإطار العام الذي يهيمن على أجواء المعرض، فتمازجت الألوان والخطوط الهندسية والأعمال الفنية في معلم واحد يشكل جانباً من الحضارة الايرانية كما وضع خطوطها الشاه عباس في القرن السابع عشر، وما زالت مستمرة في شكل أو في آخر حتى يومنا هذا. نشر في العدد: 16794 ت.م: 28-03-2009 ص: 39 ط: الرياض