الأحد 15/3/2009: طبيعة عسكرية الأشجار تماثيل أغصان وأوراق، والعصافير كائنات محنطة، والهواء حبيس القصب. وهاتيك البنات الجميلات، حركة الجنس البشري، الى الوأد بطريقة معاصرة. ولا مساقط للماء في صورة فوتوغرافية. وحده الشجر العالي في فضائه يتحرك أبعد من مجال النظر. إنها طبيعة الناس الجافين، لا يريدون ان يرتووا. الاثنين 16/3/2009: "مدخل"سركيس مذكرات فؤاد بطرس يقرأها كثيرون صدرت عن دار النهار في بيروت، فهذا السياسي اللبناني، العارف جوهر وطنه، يقدم سيرة شخص ومرحلة، ولكن، أيضاً، يقارب لغة جيل المؤسسين لدولة لم تغرب بعد، وفي آثارها القليلة الباقية قوة منعت عن لبنان أسباب الزوال الكثيرة، المحلية والإقليمية والدولية. قراء المذكرات يدخلون إليها عبر كلمة/ مدخل كتبها المفكر والكاتب اللبناني خليل رامز سركيس، أحد مجايلي بطرس وعارفيه والابن البار للنادي الحداثوي الذي عبّر عن نفسه لفترة خصبة مديدة من خلال"الندوة اللبنانية". "مدخل"سركيس علامة قلق على لبنان وإشارة الى ضرورة قراءة متأنية للمذكرات تعبر بالقارئ الى المناخ الوطني/ الأصل. فضلاً عن ان لغة خليل رامز سركيس هي العربية/ اللبنانية النادرة، لغة توحد جوهَرَي الكلم والفكر. وهنا مقطع من"المدخل": "فؤاد بطرس هو، في جو مذكراته، كتاب برأسه. لبناني أصيل يتذكَّر، فيُذكِّر. يعتمد، في الأكثر، صيغة المثنّى. روح دستوره أنا والإنسان الآخر، وإلا فلا آخر ولا أنا. كلا الاثنين سرُّ معيّةٍ هي المرقاة إلى صيغة الجمع، فصيغة منتهى الجموع تفاعلاً متكامل العناصر على مستوى الإنسان أفراداً وجماعات ? أو هذا في مرتجى الكينونة والمصير. نحن هنا، عند مدخل المذكرات البطرسية، في حضرة المرجع الثقة والعهد اليقين. الى مثيل ذلك ? وما أندره!- نحتاج، بغية التنسيق، لا التوفيق، بين المتناقضات في مؤتلف يصون، ما أمكن، وحدة الوطن، سلامه، سلامته نصّاً وشخصاً .... هكذا قرأتُ فرافقت، بين سطور المذكرات، منجزات رجل دولة اعتنق لبنان، وعاصر نصف قرن من تاريخنا الحديث، فشارك في مراحل منه حاسمة مشارَكة مسؤولة توخّى بها، وهو القاضي السابق، ما لعله يكشف الحقيقة، أو ما يعتقد انه الحقيقة، رجاء ان ينصف أهلها، ليس يخفى على فطنته عمق الفجوة، أو الفجوات، ما بين الحقيقة والواقع في بلد صعب المراس جُبل سوادُه على المخالفة والتحدي في ما قد يقال له"صراع الأضداد". فأدرك صاحب المذكّرات ان الصراحة الصحيحة هي تلك التي قلّما تستر عريها وعُري سواها. وأدرك، أيضاً، ان قوة لبنان ليست في ضعفه كما قد يُظن، بل هي، من خلال جدليّة التنوّع والتعدد، في ما لا يفتأ يثير بلبنان الأمس واليوم والغد كثيراً من أزمات التعطيل والتخريب ومن معجزات الحيوية والصبر والاحتمال. ولقد تعلّم فؤاد بطرس فعلّم ان السياسة، التي لا تبني المستقبل إلا على الماضي، سياسة بلا مستقبل، وأن السياسة السليمة ترثُ السلف وتستعير الخلف، أو يصبح لبنانُ شبه سلعة في سوق السياسة الدولية، أو الإقليمية، أو المحلية، وفي لعبة تداخل المصالح وتشابكها في ما أمسى امراً مألوفاً لدى أقطاب العصر. حيال هذا الأمر، ينبغي التذكير بأن فؤاد بطرس طالما نبّه الى ان سياسة لبنان الخارجية قلما يمكن فصلها عن سياسة لبنان الداخلية خوف ان تضطرب أحواله، فتتفاقم ازماته، فلا تلبث الشياطين ان تخرج من عنق الزجاجة وكأن لا خلاص. فؤاد بطرس متشائم في مذكراته وفي أغلب حالاته ومواقفه؟ ربما. لكنه لم يبق متفرداً بالتشاؤم الوطني بعدما أخذ الأكثرون يجارونه، وخصوصاً في"سعادة"هذه الأيام. فلمسوا انه بنى مجمل أعماله على اساس الواقع لا على غيبيات الأسطورة، فعوّل على العقل والقلب معاً، ونبذ دواعي الغرائز والأهواء". الثلثاء 17/3/2009: ملتقيات الشعر العربي قراءات الشعر العربي وشؤونه، في دبي قبل أيام ثم في القاهرة، وبعد أيام في الكويت. لكن لغة شعرنا الحديث تكاد تبدو واحدة، في قصيدة النثر أو في قصيدة التفعيلة، فقليل الشعراء الذين وصلت تجربتهم الى مستوى لغة"خاصة"وپ"مميزة"، حتى إذا قرأت قصيدة مغفلة تعرف كاتبها من"لغته". لغة موحدة، كأن شعراءها يعملون في مؤسسة وزّعت عليهم كتاباً للأسلوب فاعتمدوه. من هنا هذه"العمومية"في شعرنا العربي الراهن ومن هنا مسؤولية الشعراء في أزمة انتشار القصيدة. مسؤولية لا تعفيهم منها وجوه لأزمة الشعر في العالم ناتجة عن تعدد الفنون وتطور أساليب التعبير، ولنقل"تكنولوجيا التعبير". تحضر أمسية شعرية فتفرق شاعراً عن آخر بالمعاني لا باللغة..."اللغة"الخاصة هي محل الفقد والنقص ومحل الأزمة. ولا حجة للشاعر في عدم ابتداع لغته الخاصة، إذا كان يحظى في الأصل بملكة الشعر. لا حجة لأن اللغة العربية غنية ومرنة وعميقة ومتسعة الى درجة يبدو شعراؤنا محظوظين قياساً على شعراء يكتبون بلغات أخرى فقيرة. قرأت هذا النص للشاعر السويدي ماغنوس وليام اولسون المعبر عن فرحه بشعرية لغته، وهي لغة طفلة قياساً على لغتنا، أقدم اللغات الحية ورد النص في كتاب"أنتولوجيا الشعر السويدي"الصادر عن دار المدى بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة في السويد: "تكاد اللغة السويدية لا تلائم الفلسفة، فهي فقيرة من حيث المفاهيم وغير دقيقة. وعلى من يتوق الى التمايز الحاد والوصف السديد والدقة الإيمائية ان يطلب ذلك في الفرنسية أو الألمانية بين اللغات الأوروبية. أما من يريد مخاطبة القلب والتعبير عن المشاعر والأحلام وكل الدرجات اللونية المنزلقة لحياة الروح، فإنه يكاد لا يجد لساناً أفصح من السويدي. إنها لغة النبرات والتناغم. محكية تبدو لسامعها أغنية ترجح فيها كفة الإيقاع والسرعة وتقطيع العبارات على كفة المعنى الدلالي. وبمصطلحات نفسلسانية يمكن القول ان السِّمْيوتيكي فيها يغلب على الرمزي. ان حرية هذه اللغة لا تكمن في النحو أو الإعراب، فالسويدية، شكلياً، لغة رتيبة. لذلك فإن ارتفاعها الى سُدُم الشعر يجب ان يتم عبر سبل غير شكلية. عبر الصوت والرنين والنَّظم. تخطف القصيدة السويدية، كتحليق السنونو، امام طرفك. ولأنها لا يمكن استيعابها او اعادة تركيبها فهي توقظ التوق والحزنَ والألمَ أو الحب. تفتح لحظة القلب. وكل البوابات: تلك المؤدية الى الذاكرة، والمؤدية الى الآخر، الى الأمل والمستقبل، والبوابة المؤدية الى الحقيقة نفسها احياناً. حين تتحول اللغة السويدية، الرنانة المغنّية المغمغمة، لفظاً الى شعر، تنفتح بوابات القلب كلها على مصاريعها. هناك، في القصيدة، في الرنة، في الصوت، يُدرك المرء فجأة لمَ خلق الله هذه اللغة النائية متّحدة بعالم من التناقضات الشديدة: من صحراء ثلجية وخضرة متفجّرة، من أشهُر من ليل أزلي وأخرى من شمس لا تغربُ أبداً". الخميس 19/3/2009: حدود عمود من حجارة سبعة لا تهدمه عاصفة هناك عند الحدود بين ترابين أبيض وأحمر للطبيعة قسمتها الغامضة: دوالي العنب الهشة في جانب وأشجار السنديان المعمرة في الجانب الآخر، وعند صخور الأعالي مخبأ الضباع وأعشاش الحمام لم نسمع بأي معركة. الجمعة 20/3/2009: المرض الإسرائيلي ليست جديدة شهادات جنود إسرائيليين عن قتل مدنيين في الحرب الأخيرة على غزة وقولهم ان"جيش الدفاع"ساقط أخلاقياً، فمثل هذه الشهادات نجده في يقظات ضمائر جنود وسياسيين منذ نشوء الدولة العبرية. كم هو سيئ الحظ هذا المشرق العربي. حضاراته ميدان صراع، اليونان وإيران، ثم محل قسوة الرومان وأيضاً نظام مواطنتهم الواسع، وصراع العرب المسلمين والروم، ثم ذلك العيش تحت وطأة سلطة قلقة تناوب عليها الترك السلاجقة وعسكر آخرون من الأطراف وعبيد محررون، وتخللته احتلالات صليبية فسيطرة عثمانية سرعان ما تراخت ولم تنسحب إلا بعد انهيار الاجتماع. وحين ولدت الدول العربية المستقلة لم تستطع توليد عصب جديد نتيجة منازعات تاريخ مهتز. والحال ان الماضي لا ينقضي في المشرق، ومحطاته الساخنة كأنها حدثت في الأمس القريب. آن للشخصية الإسرائيلية المنفوخة ان تتواضع في منطقتنا وتنظر الى حقيقتها في المرآة: أزمة جديدة تضاف الى ازمات عريقة. ولن تسعف معنويات الإسرائيلي عروض مآسي يهود أوروبا بأيدي النازيين ومؤيديهم، فهذه تنفع في تأكيد الديموقراطية الإنسانوية الأوروبية لكنها لا تعزّز أي معنى إيجابي للوجود الإسرائيلي في المشرق، لأن هذا الوجود بالنسبة الى اهل المنطقة زيادة كمية على أزماتهم لا إضافة نوعية. الوجود الإسرائيلي المضاف لا يتمتع بالألق الحضاري الذي يدعيه، ولن يجد الإسرائيليون شفاء في بلادنا بل ينقلون إلينا أمراضهم وفي مقدمها العزلة واحتقار الآخر: انظر الى تلامذتهم النجباء المتطرفين الإسلاميين. منحوتة لديفيد سميث 1950 نشر في العدد: 16787 ت.م: 21-03-2009 ص: 28 ط: الرياض