لاحظ خبراء عالميون وإقليميون أن المنطقة العربية بدأت تعيد النظر في الاستثمارات المرصودة لتطوير قطاع الطاقة والتنقيب عن النفط، نتيجة شح السيولة وتراجع أسعار النفط بفعل أزمة المال العالمية التي امتدت آثارها الى كل القطاعات الاقتصادية حول العالم. وأكدت تقارير عالمية وإقليمية، أن الدول المنتجة للنفط خصوصاً دول الخليج،"بدأت تواجه صعوبات في الاستمرار في جذب استثمارات كافية لإنتاج إمدادات جديدة". وأشار تقرير للشركة العربية للاستثمارات البترولية"أبيكورب"، الى"تراجع استثمارات الطاقة في الدول العربية بنسبة 19 في المئة من 650 بليون دولار إلى 450 بليوناً". واعتبر أن دول الخليج"تواجه تحديات خاصة لأن معظمها شهد بدرجة أو بأخرى عجزاً في إمدادات الغاز"، ما يضيف جانباً آخر من عدم وضوح مستقبل الاستثمارات في المنطقة". وأعلنت"أوابك"، أن في مواجهة نمو عالمي منهار وائتمان نادر ومرتفع التكاليف وأسعار نفط متراجعة،"لن تبلغ الاستثمارات المتعلقة بالطاقة للفترة الممتدة من العام الحالية وحتى عام 2013 في الوطن العربي، المبالغ المتوقعة التي كانت تقارب 650 بليون دولار". ولفتت إلى أن"69 في المئة من هذه الاستثمارات تتركز في دول الخليج، وما يتجاوز نصفها بقليل يتركز في السعودية وقطروالإمارات". وعزا التقرير التراجع الى"وقف أو تأجيل العمل لمدة تتجاوز خمس سنوات في عدد كبير من المشاريع المخطط لها، وتحديداً مشاريع المرحلة الثانية من صناعة النفط والغاز"التكرير والتسويق"، لذا ستكون المتطلبات الرأسمالية الخاصة بها في حدود 450 بليون دولار، أي أقل 19 في المئة من التوقعات السابقة". ولم تخف وكالة الطاقة العالمية مخاوفها من انعكاس تقاعس منتجي النفط عن استغلال الطاقة الإنتاجية واستكشاف مكامن جديدة، على حجم المعروض من النفط، والتأثير على الأسعار في السنوات المقبلة، عندما يعود الطلب إلى مستوى أكبر بعد تجاوز أزمة المال والركود العالميين. وقدرت مؤسسة"بروليدز"العالمية حجم الاستثمارات التي رصدتها منطقة الخليج لتطوير قطاع الطاقة خلال السنوات الست المقبلة لزيادة الطاقة الإنتاجية 10 ملايين برميل يومياً، بنحو 300 بليون دولار. وتجاوزت عائدات صادرات النفط العام الماضي 600 بليون دولار نتيجة الارتفاع القياسي في أسعار النفط، في مقابل 381 بليوناً في 2007. ولعبت دول مجلس التعاون الخليجي دوراً حيوياً في صناعة النفط العالمية، إذ بلغ إنتاج النفط في دول المجلس 18 في المئة من الإنتاج العالمي ونحو 39 في المئة من الصادرات ، ونسبة مماثلة من الاحتياطات المؤكدة في العالم خلال 2007 . ويبلغ الإنتاج النفطي في السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، والدولة الوحيدة التي تتمتع بطاقة إنتاج إضافية مهمة، نحو 12 مليون برميل في اليوم. وأوضح تقرير لمؤسسة"المزايا القابضة"صدر امس، أن الارتفاع الكبير في أسعار النفط"أدى إلى زيادة فائض الحساب الجاري لدول مجلس التعاون الخليجي إلى أعلى مستوى على الإطلاق، إذ يقدر ارتفاعه من 215 بليون دولار عام 2007 إلى 332 بليوناً عام 2008، ما يمثل 31 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة ب 27.5 في المئة عام 2007. وكانت السعودية تخطط لرفع طاقاتها الإنتاجية بما يزيد على 1.6 مليون برميل يومياً، وبحلول 2015 سترفع المشاريع الجاري تنفيذها في المملكة الطاقة الإنتاجية الإضافية بواقع 5.2 مليون برميل يومياً. أما قطر، فكانت تخطط لرفع طاقاتها الإنتاجية بحلول 2010 الى 1.4 مليون برميل يومياً من الطاقة الإضافية، والإمارات الى 1.9 مليون برميل يومياً بحلول 2013. وكانت المشاريع قيد التنفيذ في الكويت، تهدف إلى رفع الطاقة الإضافية بنحو مليون برميل يومياً بحلول 2011 ، عدا المشاريع المتوقعة في الحقول الشمالية في البلاد التي لا تزال في انتظار الموافقات. أما عُمان، التي تسجل تناقصاً في إنتاج حقولها، فتأمل في تحقيق طاقة إنتاجية إضافية بواقع 460 ألف برميل يومياً بحلول 2012. وتتوقع البحرين التي وصل إنتاجها النفطي إلى ذروته زيادة طاقتها الإنتاجية الإضافية 35 ألف برميل يومياً فقط بحلول 2015. واعتبر تقرير"المزايا"، أن ل"إلغاء أو تأجيل 19 في المئة من مشاريع الطاقة في المنطقة، الأثر المنسحب على قطاعات اقتصادية حيوية، خصوصاً في قطاع العقارات والبنية التحتية والنقل وغيرها، التي تشهد أصلاً ظروفاً صعبة، نتيجة إلغاء المشاريع التطويرية وتأجيل بعضها الآخر". وأشار إلى أن أسعار النفط المتدنية الآن"لا تساعد على ضمان أمن الطلب العالمي على الطاقة في المستقبل، باعتبار أن ظروف الأسواق العالمية للطاقة لا تساعد الدول المنتجة للنفط ومن لديها الاحتياطات في الاستثمار الكافي وتطوير التكنولوجيا من اجل إنتاج المزيد والتحسين والزيادة لتلبية الاحتياجات العالمية". ولفت إلى"تأجيل مشروع نفط الشمال في الكويت، المقدرة استثماراته ب 14 بليون دولار، وتأجيل مشروع المصفاة الرابعة المقدرة كلفتها ب 18 بليون دولار، وإلغاء مشروع"داو كيميكال"البالغة كلفته 9 بلايين دولار. أما الإمارات فألغت بعض مشاريع التنقيب". وأظهرت إحصاءات غير رسمية، أن 40 مشروعاً نفطياً في دول"أوبك"من أصل 150 ، كانت الدول المنتجة تنوي تنفيذها هذه السنة، تأجل تنفيذها أو أُلغيت كلياً، كما أُخضعت بقية المشاريع إلى مراجعة لجدواها الاقتصادية بهدف التخفيف من النفقات بعد هبوط أسعار البترول إلى أقل من 40 دولاراً للبرميل. وعلى رغم تأجيل او الغاء بعض المشاريع في المنطقة، غير ان البيانات تشير، إلى ارتفاع الاستثمارات الصافية خلال السنة الحالية مقارنة بالصيف الماضي إلى 204 بليون دولار، مقارنة بنحو 188 بليوناً خلال حزيران يونيو الماضي. نشر في العدد: 16782 ت.م: 16-03-2009 ص: 22 ط: الرياض عنوان: استثمارات الطاقة في الدول العربية تقلصت 200 بليون دولار