تعتبر المرحلة الراهنة من المراحل الأشد ضراوة على الكتاب في الأردن، فقد شهدت الساحة المحلية مصادرة كتب ومحاكمة كتّاب، بخاصة الأعمال الأدبية الشابة، وتلك الظاهرة التي تسمى"أدب الشباب"متهمة ببحثها عن الشهرة بمسّ التابوات، وبتقاضيها تمويلاً خارجياً للإساءة الى المعتقدات والقيم الثابتة، في حين يرى البعض أن أدب الشباب قائم على المبدأ التجريبي، المتأثر بمعظمه بالآداب الغربية. في مقاله الأخير المعنون ب"مثقّفو التمويل الأجنبي"المنشور في ملحق"الرأي"الثقافي يقول الشاعر حكمت نوايسة:"يطلع علينا بين الحين والآخر، بعض الكتب التي تدّعي الشعر، وتأخذ من الشبق الجنسي مرقى لها، علّها تصيب من الشهرة مجالا، ولعلّ في بعض التجارب التي نجحت في جلب الشهرة ما يشجّع على أن يبدأ شاعر تجربته الشعرية، والإبحار في أودية الشبق، لكي يحقّق شهرة لم يستطع شعراء كثيرون تحقيقها في عقود من تجاربهم الشعرية، والشاعر الذي ليس لديه قضيّة كبيرة ليس لديه ما يمنعه أن يكون مدّاحاً كسّاباً ببذل ماء وجهه، أو أن يكون زنديقاً أو متزندقاً ليكون في مصاف المشهورين، والشهرة إغراء في كلّ حال". ويؤيده الرأي الشاعر حيدر محمود في مقالة عنوانها"ما بني على باطل"وفيها يتهم الكتاب الشباب بأنهم يسعون وراء الشهرة ويتقاضون تمويلاً خارجياً ويقول:"لقد زاد تجاوز الخطوط الحمراء عن حده، لدى بعض الكتّاب والشعراء المستعجلين عندنا، ظناً منهم أنهم بهذا التجاوز، سيصلون بسرعة إلى"المجد والشهرة والنجومية"... ولن يصلوا أبداً... لأن"ما بني على باطل فهو باطل". وهناك ثوابت من القيم والتقاليد والأخلاق وغيرها، لا يسمح الناس بشطبها لا من كتاب ولا من شاعر ولا من"عبقري زمانه". وهنالك رأي آخر يقول إن زمن الخيانات والهزائم كان لا بد من أن يُخرج إبداعاً مختلفاً يعبر تعبيراً معقداً مغرقاً في رمزيته كما تقتضي هذه المرحلة، بحيث يصبح الهم الجمعي هماً ذاتياً يغوص بذاتيته الغارقة في هموم وقضايا كثيرة هي بالمحصلة هموم وإشكاليات جامعة. وحول ما أثير وما يثار يقول الشاعر يوسف عبدالعزيز إنه لا يؤمن بمسألة الأجيال الشعرية، فليس هناك جيل شعري شاب أو جيل شعري هرم، بل هناك جيل واحد يكتب الشعر، الشعر الذي ينتمي إلى الفن والذي يحتوي في باطنه على الطاقة الكامنة التي تشع إلى الأبد. ويبين عبدالعزيز أن قد تجرى هناك بعض عمليات الاحتيال الشعرية ومعارك دون كيشوتية ليس فقط على أيدي الشعراء الشباب وإنما أيضاً على أيدي شعراء"ذاع صيتهم". الشاعر الشاب محمد عريقات الذي أصدر مجموعته الشعرية الثانية قبل أشهر، يستغرب الهجوم على أدب الشباب واتهامه بأنه يتقاضى تمويلاً خارجياً للإساءة الى الدين، ويقول إن"الذين يتهموننا جزافاً واعتباطاً لا يقدرون أنفسهم ومعنى أن يكون الواحد فيهم شاعراً أو مثقفاً، فمن المؤسف أن نكون ما زلنا في هذا اللغط الذي يرجع بحضارتنا وتقدمنا إلى الوراء، خصوصاً ونحن في هذه الفترة التي تدور بها عجلة الانفتاح والتقدم بسرعة كبيرة، فالإبداع أو الموهبة لا تقتصر على فئة عمرية محددة لكي نقول: شعراء كبار أو شباب. فهنالك تجارب شابة استطاعت أن تثبت مكانتها في الساحة الأدبية، في حين هناك تجارب هرمة لم تراوح مكانها إلا إذا وقف وراءها بعض الجهات الرسمية والحكومية من باب التلميع. أما ما يقال: إن أدب الشباب يمس التابوات المحرمة، فأقول لا يوجد شيء ممنوع في هذا العالم أمام ثورة المعلومات فكيف نريد أن نضع حواجز أمام الكتابة الإبداعية؟ ولا يجوز أن نترك الرقابة تجلس على قلب المبدع لتحد من إبداعه، وأؤكد أن الشعر بالتحديد لا يقف عند ضوء أحمر". الشاعر الشاب محمد معايطه اصدر قبل أشهر مجموعته الأولى، يؤكد"أن ليس من حق احد اتهام الأدب الشاب بتقاضيه دعماً خارجياً، وإنما يجوز نقده نقداً أدبياً بعيداً من التجريح والشخصنة. فمن يقرر إن كان هذا الأدب يمس بالحياء العام؟ وعلى أية أسس نريد أن نكتب وما هي التعليمات التي يجب أن يتفضل بها علينا أدباؤنا الكبار حتى نكتب كما يريدون هم لا كما نريد نحن؟". نشر في العدد: 16747 ت.م: 09-02-2009 ص: 33 ط: الرياض