من الظواهر السائدة في المشهد الثقافي المحلي ، ظاهرة التجييل أو المجايلة بتقسيم الإبداع والمبدعين ، على وجه الخصوص ، إلى فرق ومجموعات توضع كل مجموعة تحت مسمى "جيل كذا وجيل كذا" . وغالبا ما يكون وراء هذا النزوع إلى التجييل دافع المقارنة بين نتاج جيل معين ونتاج جيل آخر كما يحدث في المقارنة بين جيلي الثمانينات والتسعينات , مع ميل كفة ميزان المقارنة لصالح جيل الثمانينات في المقارنة، الذي يراه الكثيرون أكثر جدية وانهجاسا بالمسألة والفعل الثقافي رغم الصعوبات التي واجهها . أما جيل التسعينات فالفكرة السائدة عنه أنه لم يسجل حضورا ملحوظا ومتميزا في المشهد الثقافي ، ولم يشكل رافدا مثريا للحركة الثقافية ، كما أن أفراده يركضون خلف أضواء الشهرة والوجاهة. (اليوم) تطرح هذه الظاهرة/القضية للنقاش بين أسماء من الجيلين وأسماء أخرى يصعب إدخالها في خانة أي من الجيلين. موجهة أسئلة عن مدى منطقية هذه المقارنة بين الجيلين؟ وهل صحيح أن جيل التسعينات باهت الحضور في المشهد الثقافي وأنه جيل لم يخلق رموزه ولم يقدم فعلا وانتاجا ابداعيا متميزا ومتجاوزا لما انتجه جيل الثمانينات, وهل جيل التسعينات يفتقر بالفعل إلى الجدية ويستهويه الركض وراء الشهرة, وما مردود هذه المقارنة أو الظاهرة على الحركة الثقافية سلبيا أم إيجابيا؟ التأطير والقولبة ينتقد القاص عبدالحفيط الشمري فكرة التجييل بمفهومها الضيق موضحا ان الفن الابداعي لايمكن ان ينضوي تحت هذه المسميات اوينساق وراء هذا التفيؤ. يشير الشمري الى ان الفن الابداعي يظل سياقا عاملا يرفض هذا التأطير والقولبة وعندما يأتي هذا التساؤل وتوضع المقارنة بين الادباء من جيل الثمانينات والتسعينات فان ذلك العمل الابداعي من قصة وشعر ارتبط بحالة من التحول الذي احدثته موجة الحداثة في القصيدة اذ شكل هذا النموذج فكرا اخذ البعض يتعاطاه حتى تكونت هذه المشهدية التي تؤطر تجربتنا المحلية بمفهوم ما يعرف بالحداثة لتنساق فنون اخرى مثل القصة والفن التشكيلي وبعض نماذج المسرح في هذا الاطار والتي قامت في ظل التجربة الشعرية حتى اضحت للاسف على حد تعبير الشمري في القصة القصيرة على وجه التحديد نبتة ظل بجوار القصيدة التي يتعاطاها المبدعون من شعراء وكتاب ويتلقاها القارئ والمتابع وبالتالي تنحصر القضية في القصيدة ومن قدمها الينا. ويقول الشمري انه من المهم ان نأخذ جميع التجارب الابداعية في سياق عام منذ تجربة ابراهيم الناصر الحميدان من القصة والرواية الى محمد حسن علوان كونه اصغر كاتب رواية في المملكة من الممكن ان نأخذ من قبل الحميدان ومن بعد علوان. ويضيف: انما اردت ان اورد هذين المثالين بمعنى انني لا احصرهما بتجربة انما توجه ابداعي في القصة والرواية وهذا المعنى يقرب لنا فكرة الغاء التصنيم او تجسيد الرمز في العمل الابداعي تحديدا والذي يؤدي الى ظلم للمبدعين الآخرين وقد يفضي هذا التساهل للتفيئة والتجييل وان نقدم من لا يستحق ونعظم من ليس له قدر وربما تنحدر الامور بنا حتى يصبح المبدع لدينا في طابور واحد من يقف اولا ابراهيم الناصر ام تركي الحمد ام غازي القصيبي. مؤكدا ان المفترض ان يكون للعمل الابداعي مساحة يعمل كل مبدع في منطقة معينة. الغاء الذات ويقول الشاعر جاسم الصحيح إنّ الصورة المثاليّة التي يجب أن تكون عليها الأجيال الثقافية المتعاقبة هي أن يكون هناك تواصل إبداعي فيما بينها من أجل أن يبدأ الجيل اللاحق من حيث انتهى الجيل السابق مستفيدا من كلّ تجاربه وخبراته دون اللجوء إلى إعادة تصنيع المنتج الثقافي ذاته ... و يشير الصحيح الى ان هذه هي الصورة المثالية ويمكن القول أنّ نزعة التمرّد في الفنّ تدفع كلّ جيل جديد للسعي وراء تجاوز هذه الصورة المثالية للدخول فيما سمّاه الناقد هارولد بلوم بالرومانس العائلي بحيث يحاول كلّ جيل بناء شخصيّة مستقلّة عن شخصية الجيل السابق له فيعمد إلى مقاطعته في بعض الأحيان أو إلى تهميشه في أحيان أخرى (قلقا من التأثّر ) به على رأي الناقد ذاته. ويضيف الصحيح قائلا: ونحن هنا لن نتحدّث عمّا يجب أن يكون عليه الوضع ولن نقارنه بما هو كائن لأنّ الفنّ لا يمكن تحجيمه داخل إطار من الواجبات والمستحبات ، ولكن نريد أن نتلمَّس ما حدث بالفعل من مدى التواصل ومدى القطيعة بين الجيلين الثقافيين السابقين. ولا بدّ أن نعترف في البداية بأنّ جيل الثمانينات هو جيل شعر التفعيلة بامتياز إضافةَ إلى ما تبقّى من إضارة في العمود الشعري ، بينما جيل التسعينات في مجمله هو جيل القصيدة النثرية إضافةً إلى فيضان الشعر الشعبي والعودة الجادّة إلى القصيدة العمودية. وقد استطاع كلّ جيل أن يمهر عقده الزمني بأختام مواهبه ويترك له بصمة خاصة على جسد ذلك العقد الذي ينتمي إليه. إلا أنني في حالة المقارنة بعيدا عن هذه العناوين العامة ، أستطيع أن أزعم بأنّ شعرية الجيل (التسعينيّ) كانت أعمق من شعرية الجيل (الثمانينيّ) بصورة إجمالية وليست مقارنة شاعر بشاعر وذلك بسبب نموّ الوعي الشعري مع نموّ الحياة وانفتاح الشعراء الشباب على الثقافة بصورة أشمل وأعمّ . ولا بدّ هنا قبل الانتقال إلى النقطة الثانية أن أوضّح قصدي من قولي أنّ الجيل التسعيني أعمق شعرية من الجيل الثمانيني وهو أنّ الأخير استطاع أن يتناول همومه الخاصة بأسلوب فنّي أعمق مما تناول الجيل السابق همومه الخاصة .. لأنني أؤمن أنّ لكلّ جيل هموما أشبه بالعلامة الفارقة على ورقة الهويّة. ننتقل الآن إلى مسألة الحضور الثقافي على الخارطة الوطنية الكبرى.. وأنا هنا أعتقد أن الجيل التسعيني مظلوم في هذا الجانب فقد كانت فترة التسعينات من أسوأ الفترات التي مرّت بها الأمة بعد غزو الكويت وما أعقبه من تبعات سوداء أثّرت على الثقافة عموما تأثيرا سلبيا وقطعت العلاقات التي كانت تتجلّى في المنتديات الثقافية على مستوى الوطن العربي ك(المربد) وغيره. ولا أخفيك أنني دائما ما أُسأل عن شعراء الثمانينات عندما أذهب للمشاركة في المحافل العربية التي تمّ عقدها في نهاية التسعينات وبداية الألفين. أما من جهة الاتهامات المصوّبة باتجاه الجيل (التسعينيّ) مثل انعدام الجدية في التناول الثقافي والركض وراء الشهرة .. فهذه اتهامات خطيرة تلغي وجوده تماما من خارطة الثقافة ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال إدانته بهذه الاتهامات. وبوصفي أحد الذين ينتمون لهذا الجيل فإنني أنكر هذه التهم إنكارا تاما إذء لا يمكن مقابلة ذلك النزيف الشعوري/اللغوي/الإبداعي الممتد عبر أنهار من الحبر والجمر تمّ نزفها من جيل كامل على مدى عشر سنوات.. لا يمكن لكلّ ذلك أن يُقابل باللامبالاة عبر اتهامات لا تقف على أرض صلبة مثل السعي وراء الشهرة وغيرها . إنّ مقارنة من هذا النوع الذي يلغي الآخر مرفوضة تمام الرفض لأنّ مردودها السلبي كبير ، ولكنّ المقارنة العادلة التي تعترف للجيلين بالإسهام الرائع في بناء الثقافة مع الاعتراف لصاحب الفضل بفضله .. هذه المقارنة مطلوبة من أجل زيادة التنافس الذي يعود -في نهاية المطاف- على الثقافة بالروعة والجمال. (حق التفرد) ويقول الشاعر احمد قران ان المقارنة بين الأجيال هي ظاهرة اجتماعية عامة تدخل فيها الجوانب الأخلاقية كما السياسية كما الثقافية , وهي نوع من محاسبة الذات والآخر , محاسبة الآخر لما قدمه من عطاء , ومحاسبة الآخر لما قدمه مقارنة بما قدم الآخر / السابق , ولهذا ظهرت المناهج العلمية / الدراسات المقارنة , المشكل هنا ليس في عملية المقارنة وإنما في إعطاء جيل حق التميز دون جيل , إعطاء الجيل السابق حق التفرد وغمط الأجيال اللاحقة حقها , لو أخذنا بهذا المفهوم لما كان هناك محمود درويش ونزار قباني والسياب وادونيس ولما كان هناك إحسان عباس , ولما كان هناك محمد الجابري وكثيرون , لكل زمن دولة ورجال , ومقولة (ما ترك الأولون للآخرين شيئا) هي مقولة ممقوتة مناقضة للواقع , وإلا لما كان وصل الإنسان الحديث إلى القمر ولما اخترع الإنسان الحديثة الطائرة والذرة والجوال و ( الريبوت ) الإنسان الآلي , ولما وصل العلم إلى الاستنساخ , علينا أن نؤمن أن المعرفة عملية تراكمية , وان كل ما يقدمه الإنسان إضافة إلى النتاج الإنساني , ومن هنا ننطلق إلى آفاق العطاء دون أن يكون هناك تغييب لجيل سابق وإبراز لجيل لاحق أو العكس , القضية أن جيل الثمانينات تهيأت له ظروف إعلامية وثقافية ودعني أقل نقدية أكثر من ظروفنا , فصاحب ظهور شعراء على سبيل المثال ظهور نقاد متميزين كانوا يبحثون عن ذواتهم , ويرغبون في الوصول إلى الطرف الآخر وذلك لم يتأت إلى من خلال الساحة الثقافية السعودية , فظهرت الأسماء الشعرية مواكبة للأسماء النقدية الفاعلة , فكل طرف خدم الطرف الآخر ولهذا برزت الأسماء في الثمانينات , لكن الآن هناك أسماء شعرية متميزة مع غياب شبه كامل للنقاد , بمعنى أن هناك شعراء ولكن ليس هناك نقاد , إلا بعض الأسماء التي تخصصت في اتجاه شعري واحد وبالتأكيد هذا لم يعطها حضورا فاعلا , وإلا بماذا تفسر أن الشعراء السعوديين من جيل الثمانينات يكتب عنهم نقاد وشعراء عرب بارزون ومشهورون من خارج المملكة ؟ الا تعتقد أن هناك تفسيرات كبيرة لهذه الظاهرة ؟ لعلي أقول غياب أو عدم وجود ناقد يعتد بقراءاته النقدية أو التعالي على العطاءات الشعرية , أو الانشغال بحضور المؤتمرات الخارجية , أو الكتابات الصحفية التي (توكل عيش) , فالناقد حينما يكتب مقالا صحفيا لإحدى الصحف وتعطيه مقابل ذلك مبلغا يعينه على الحياة أفضل له من أن يكتب دراسة نقدية عن شعر احمد قران الزهراني أو غيره من الشعراء 0 أما ما يخص جيل التسعينات وانه يفتقر بالفعل إلى الجدية ويستهويه الركض وراء الشهرة , فليس هناك من لا يسعى إلى الشهرة لأنها الطريق الذي يقوده بالتالي إلى الناس , لكن الإنسان السوي يجب عليه أن يعطي في ذات الوقت الذي يسعى فيه إلى الشهرة حتى يقدم نفسه بالشكل السليم وحتى لا يصدم الناس بعطائه , لان المقارنة هنا ستكون واضحة وجلية , أما الجدية فاعتقد أن الأسماء الشعرية في التسعينات أكثر جدية وفاعلية من الجيل السابق , والدليل على ذلك أن الشعراء في التسعينات أصدروا مجموعات شعرية تفوق ما أصدره جيل الثمانينات كما ونوعا , لكن غياب الدراسات النقدية التي تنشر عن عطائهم في الصحف قليلة , وستبدي لك الأيام أن هذا الجيل تحمل عزوف النقاد و تحمل عقوق الصحافة والمؤسسات الثقافية , وكان له حضوره العربي أكثر من حضوره المحلي لهذه الأسباب , وأنا هنا حينما أتحدث عن النقاد لا ارغب منهم أن يطبلوا لهذه العطاءات الإبداعية بل لاكتشاف مكامن الضعف والقوة فيها لان ذلك يصب في النهاية في مصلحة المثقف والثقافة السعودية 0 في تصوري أن المقارنة هي سنة الحياة في كل المجالات وهي بالتأكيد ايجابية أكثر من كونها سلبية. اهانة الأدب ويذهب القاص طاهر الزارعي الى ان (المجايلة) تعد من الظواهر السائدة في المشهد الثقافي المحلي والعربي الا اننا لابد ان نتحفظ قليلا حيال المقارنة بين جيلين يتقاسمان الابداع ربما يكون الابداع نفسه.. فمن الصعوبة بمكان ان نقارن بين ادب وآخر كلما انتهت عشر سنوات لتحل محلها اخرى فالادب كمنتج ثقافي لا يمكن بأية حالة من الحالات ان يعيش بمعزل عن آليات التطور الفني والشكلي واللغوي في الشعر والقصة والرواية. فهناك على الدوام حركة ادبية ثقافية متسارعة تسعى الى التجديد والحداثة في الشكل والمضمون واللغة.. والتي من شأنها الرفع من قيمة العمل المقدم للمتلقي. وكل جيل تحكمه ظروف محيطة به والنصوص تبنى على معايير سابقة بامكانها ان تتطور في مراحل التجديد اللاحقة. فكل جيل يحاول ان يطور من تلك الآليات بما يتناسب مع روح الادب ومدى قابليته للمتلقي. ويرفض الزارعي الاتهامات التي تدعي ان جيل التسعينات لم يقدم فعلا ثقافيا وانتاجا ابداعيا وانه باهت الحضور في مشهدنا الثقافي موضحا ان من الخطأ ان نعمم ذلك على كل كتاب هذا الجيل فمنهم حريص على ان يتابع التطور الفني وتقديم بعض التجارب الجادة والفريدة والتي تعتبر امتدادا لما قدمه الادباء السابقون لكن بشكل مختلف نوعا ما يخدم الفن ولا ينقص من قيمته. وهناك فئة نقف ضدها لانها تفتقر لجدية الطرح في اعمالها بل تسمح لنفسها باهانة الادب من خلال ما تقدمه من كتابات غير جادة والتي لا تصب في قالب ادبي ناضج. ويرى الزارعي ان ميزة كتاب بعض هذا الجيل (جيل التسعينات) هو السعي وراء اللقب بسرعة فائقة (كاتب - قاص - شاعر - راو) وقد اتاحت بعض وسائل النشر كالجرائد والمجلات والحديثة منها كالمنتديات الادبية والثقافية نشر تلك الاعمال الهابطة, اضافة الى تجاهل نقاد هذا العصر لهذه الكتابات وعدم الالتفات اليها بحركة نقدية عميقة ومن هنا جاء افتقار بعض كتاب هذا الجيل الى جدية الطرح والركض خلف الاضواء وهذا بطبيعة الحال ظاهرة سلبية على ادبنا المحلي تحتاج الى الرصد والمتابعة. فليس من الضروري تقديم الكم بقدر ما يقدم من نوعية جادة سليمة ترسخ في اذهاننا لسنوات اخرى. صيغ تعميمية ويقول القاص جعفر البحراني: لا أجد أي منطقية للمقارنة بين الجيلين خصوصا وإننا نعرف أن لكل مجتهد نصيبا، فلعل ثمانينيا بقي يراوح في مكانه بتقنيات واعدة وبسيطة فيما سبقه تسعيني محترف يمتلك من التقنيات وآليات العطاء الإبداعي إضافة إلى غزارة إنتاجه ما يؤهله لأن يحتوي الساحة. وأرى أنه من الظلم أن تطلق مجموعة من التوصيفات الغير منطقية والتي ترمى جزافا وبصيغ تعميمية على جيل بأكمله وكأن كل الأجيال السابقة أفضل من الأجيال اللاحقة. ويرى ان كل مبدع في كل جيل يبحث عن الانتشار ويسعى إليه وهو حق لكل مبدع ، كما أن كل مبدع في كل جيل يتطلع للشهرة وهو حق آخر أيضا، ولهذا نعيد القول أن لكل مجتهد نصيبا' فإذا توقف مبدع سابق وانطلق مبدع لاحق فليس من الضرورة أن يكون السبب هو التطلع للانتشار والشهرة بقدر ما يكون الدافع الذاتي للإبداع والعطاء هو وراء ذلك. ويؤكد البحراني ان هذه المقارنة أولا غير منصفة وثانيا لا تستند إلى أي حقيقة وهي غير منطقية كما أنها ليست نابعة من دراسة ميدانية للساحة الثقافية طوال العقدين المنصرمين، وبالتالي فإني لا أجد أي مردود أو أي فائدة لهذه المقارنة ولا أرى أنها ستخدم الساحة الثقافية. ويشير القاص جعفر أن الساحة الثقافية كغيرها من حقول وساحات وميادين المعرفة تخضع لنظام التراكم، ولهذا فأقول أن الساحة اليوم مدينة بشكل أو آخر للمثقفين والمبدعين السابقين على الدوام. الجهد الفردي و يقول القاص سمير الضامر في نظري أنه ليس من الجدوى بمكان أن نتطرق في تقييم المشهد الثقافي على طريقة الأجيال لاسيما الجيلين اللذين حددتهما (الثمانينيات - التسعينيات) , ولو أردت أن أذكر مبررات عدم الجدوى في ذلك فهي كالتالي: أن المدة الزمنية في التقييم وبلوغها عقدا كاملا (عشر سنوات) غير كافية بسبب : أن بعض المثقفين الذين بدأوا مشروعاتهم الكتابية قبل الثمانينيات لم يخرجوا للمشهد الثقافي ؛ إما بسبب عدم اكتمال أدواتهم وآلياتهم الثقافية والمعرفية ,أو لأنه لم يتح لهم إخراج ماكتبوه إلا في التسعينيات أو ربما في الألفين ! وهذا هو الأغلب , كما أن الذين أتيحت لهم الفرصة وخرجوا وأصبحوا محسوبين على الجيل الثمانيني أو التسعيني فليس معنى هذا أنهم أقدر وأجود إبداعياً وفنياً على من تأخر ظهورهم , وبذلك فلو عُقدت المقارنة فإنها ستكون غير مكتملة في إظهار الصورة الحقيقية للمشهد الثقافي وهذا أيضاً من نقص الموضوعية التي نتوخاها لإبراز نتيجة شبه مكتملة لمشهدنا الثقافي , وللخروج من هذه الإشكالية أن يكون طرح الموضوع بدلاً عن فكرة الأجيال أن تكون حسب الجنس الأدبي الذي برز فيه مجموعة من الكتاب كالروائيين والقصاصين والمسرحيين والتشكيليين والنقاد والشعراء ... وبهم تشكلت صورة إبداعية عن هذا الجنس الثقافي . وعن التساؤل حول جيل التسعينات هل يفتقر بالفعل إلى الجدية ويستهويه الركض وراء الشهرة يرد الضامر بعدة تساؤلات اخرى ابتدأها بماهية الأسماء التي تمثل جيل التسعينيات ؟ ثم هل خروجهم في هذه الفترة الزمنية جعل منهم أصحاب مدرسة أو رؤية فكرية أو فنية لما يمارسونه من العمل الثقافي .. ورأى من وجهة نظره الشخصية أن المشهد الثقافي في المملكة العربية السعودية هو قائم على أسماء ذات جهد فردي لم يكن للمجايلة دور في بروزه ؛ بمعنى أن عبدالله الغذامي / الفرد هو الأبرز نقدياً , وعبده خال / الفرد هو الأبرز روائياً , وهكذا , أما مسألة الركض وراء الشهرة فهذا ليس من شأني إذ أردت أن أوصِّف المشهد الثقافي لأنها مكفولة بالنيات التي لسنا مطلعين عليها ولاتهمنا بالدرجة الأولى موضوعياً وأخلاقياً . واشار الى ان مردود هذه المقارنة أو الظاهرة على الحركة الثقافية سلبيا أم إيجابيا هو النقص في إبراز صورة واضحة للمشهد الثقافي , والدليل أننا نتأمل الكثير من الكتاب والمثقفين اليوم ونجد أنهم يمارسون العمل الثقافي منذ أكثر من أربعين سنة ولا يزالون يحتكرون المساحات والأمكنة الثقافية حتى لاتتمكن الأجيال الجديدة من أخذ دورها !! سمير الضامر طاهر الزارعي