لا يدور الحديث، هنا، حول الحجاب من الناحية الشرعية، فذلك أمر متروك لأهل الاختصاص، ولا يدور، كذلك، حول تقويمه اجتماعياً، وأخلاقياً، فذلك شأن يتعلق بالمحجبات أنفسهن، وحريتهن في ارتداء ما يلائم قناعاتهن. ولكن الحديث يدور حول"الدراما المحجّبة"التي بدأ حضورها يزداد شيئاً فشيئاً، خصوصاً في الوسط الدرامي المصري بعدما قررت فنانات التحجب فخسرت السينما والتلفزيون وجوهاً معروفة، ولكن، هناك محاولات لإعادتها إلى الشاشة في شكل يتناسب مع"اللوك"الجديد! المقصود، إذاً، ب"الدراما المحجّبة"تلك التي يكتب نصها كي يتناسب مع مقام وطبيعة الفنانة المحجبة، ولعل آخر الأخبار في هذا السياق يقول ان الفنانة المصرية حنان الترك عادت إلى الفن بعدما كتب لها ياسر عبدالرحمن سيناريو بعنوان"هانم بنت باشا"سيتولى إخراجه المخرج السينمائي سعيد حامد، وستظهر فيه الترك محجبة بعد غياب دام نحو ثلاث سنوات. مهما حاول المرء أن يجمِّل هذا الخبر، وكيفما قرأه، فإنه لا يمكن أن يراوغ في الاستنتاج ان الدراما التلفزيونية باتت تطوّع، و"يلوى عنقها"كي تتناسب مع قناعات الفنانة المحجبة. والواقع أن مثل هذه الكتابة يلجم خيال كاتب السيناريو، ويبعده عن متطلبات الحبكة الدرامية، فالكاتب هنا يكون منشغلاً بمشاعر الفنانة المحجبة لا بضرورات الكتابة الدرامية، ويكون حريصاً على"الزي المحجب"لا على تصاعد الفعل الدرامي. وحتى"الدوبلير"لا ينفع، فظهوره يحيل إلى"الأصل المحجّب"، وعندئذ، ستكثر الأقاويل وهذا ما لا تقبله"الفنانة المحجبة"! من البديهي التذكير هنا ان الممثل، والممثلة طبعاً، يجسد مختلف الأدوار، الشرير منها والخير، وقد يكون عبداً في عمل ما، وسيداً في آخر، وخلاصة القول: تتعدد أدوار الممثل بتعدد أدوار الإنسان في هذه الحياة... وثمة أدوار كثيرة ظهرت فيها فنانات جسدن دور"المرأة المحجبة"، خصوصاً في المسلسلات الدينية وبعض المسلسلات التراثية، وكان ذلك لضرورات فنية بحتة فرضها البناء الدرامي للسيناريو، أما أن نهدم هذا البناء ونصوغه وفقا لمشيئة هذه الفنانة أو تلك، فذلك يستدعي إشارات استفهام كثيرة، ولعل ابسط نقد في هذا المقام هو أن السيناريو مسبق الصنع، ومكتوب وفق قوالب جاهزة لا تتيح أي مجال للمغامرة، والتجريب، وعندما يقفل هذان البابان: المغامرة والتجريب أمام كتّاب الدراما، سنكون إزاء نصوص سقيمة وساذجة... فكيف للمشاهد أن يقتنع بعمل تظهر فيه الممثلةُ محجبةً خلال ثلاثين حلقة حتى وهي وحيدة في منزلها، مثلاً! مرة أخرى نقول ان للممثلة المحجبة الحق في الإيمان بقناعات تراها صائبة. لكن ليس لها الحق في أن تحجب الدراما، وإذا كانت الدراما مرآة للحياة، فإن هذه الحياة رحبة وواسعة على نحو لا يمكن تنميطه أو تحديده.