هناك مثال مشهور لديفيد هيوم حول العلاقة بين صياح الديك وشروق الشمس، إذ أظهرت البحوث أنه يمكن تحديد الإيقاعات الداخلية لصياح الديك من خلال شروق الشمس، وهكذا يمكن الاستنتاج بأن صياحه يمكن أن يسبق الشروق مستدلاً بالإيقاعات الحسية. وقد ثبت أن العديد من الخلايا البصرية للقشرة الدماغية متطابقة نوعياً مع اتجاهات معينة، فقد لوحظ أن قردة وقططاً استجابت عندما عرض أمامها خط له اتجاه معين! ولكن الكائن البشري يتميز عن بقية المخلوقات بأنه الوحيد الذي يستطيع أن يقرر ما هو دال وما هو غير ذلك. وقد اقترح يونغ عام 1929 وتبعه بولي عام 1961"ان التطور هو من صنع عوامل تزامنية"، حيث تتجلى الظواهر التزامنية في اللحظات النادرة، ويحدث عندئذ انسجام بين النفسية والمادة مولداً طاقة روحية خلاقة تصعد بقوة الحياة الى مستويات رفيعة من الوعي الذاتي، حيث تتداخل الطاقة الحيوية مع المادة كوحدتي وجود، وذلك بهدف تجاوز العقبات وتحقيق إنجازات عبقريه للجنس البشري. إن الكثير من الغموض المحيط بوجودنا مرتبط أساساً بعجزنا عن فهم"الزمان"، فلا نعرف على وجه التحديد كيف يتعامل الدماغ مع الزمن، وكيف يدركه، والذي نعرفه علمياً هو أن استشعارنا للزمن أضعف من تحسسنا للمكان بحوالى 300 مليون مرة لا أعرف كيفية حساب هذا الرقم المذهل. ونحن لا نفهم ما الذي يجعلنا أسرى الاتجاه الواحد للمسار الزمني؟ ولماذا لا نستطيع التجول في الزمان مثلما نفعل بحرية في المكان؟ والطريف في موضوع الإبحار عبر الزمن أنه إذا ما قدر لك بمعجزة ما أن تسافر الى المستقبل فانك، طبقاً لقوانين الفيزياء، لن تستطيع عندئذ العودة الى الماضي إلا إذا استطعت تجاوز سرعة الضوء وهذا مستحيل، وستبقى معلقاً هناك وحيداً ومحبطاً وغير قادر على نقل انطباعاتك المدهشة عن عالم المستقبل! يقودنا هذا الأمر الى كشف النقاب عما يحدث داخل الثقوب السوداء، حيث يتباطأ الزمن هناك الى حد التوقف، وقد بين العالم الفيزيائي الفذ ستيفن هاوكنغ في كتابه الشهير"قصة موجزة للزمن"عام 1989، أن الثقب الأسود هو نقطة شاذة من ناحية قوانين الفيزياء الكونية. حيث تسقط هناك قوانين عالمنا المعروفة ولا تصلح للتطبيق. وقد تبين أنه يمكن باستخدام فيزياء الكم بث الضوء من الثقب الأسود، حيث يظهر في برهة زمنية متناهية الصغر زوج من الجسيمات الفائقة الصغر: جسيم مادي وجسيم ضوئي، ومن ثم يندثران معاً بفعل الاندماج سريعاً في الفراغ! ويستطرد هاوكنغ قائلاً أنه يمكن تصور قوانين الطبيعة نتاجاً لما يسمى بالتنظيم الذاتي للمادة. في الفيلم الملحمي الأخير للمخرج الصيني العالمي جون وو"البيرق الأحمر"يؤدي كأس شاي لذيذ قدمته امرأة حسناء لقائد ديكتاتور الى خسارة المعركة الفاصلة بفعل تأخره ساعات معدودة عن البدء بالمعركة نظراً الى تغير مسار الرياح لمصلحة أعدائه الجنوبيين! لنتذكر هنا بمرارة القصص الغرامية للمشير عبدالحكيم عامر والتي ساهمت بشكل غير مباشر في نكسة حزيران عام 1967. هكذا يعتبر الزمن عنصراً حاسماً خفياً في مجريات الحرب والحياة والموت، وفي الواقع فقد أهملنا كعرب الزمن كعامل استراتيجي في معظم معاركنا الحربية والحضارية ولجأنا الى القدرية واللامبالاة والأساطير فيما أستغل أعداؤنا بمكر هذا العنصر تحديداً في كل صراعاتهم ومواجهاتهم وشؤون حياتهم. يبدو الزمن كعامل حاسم غامض وغير مرئي وقادر بهدوء على إحداث رعب ميتافيزيقي في كينونتنا الوجودية، انه يتسلل بصمت ليسرق أعمارنا ويقلب دورة الزمن بعزم ومن دون أن تستطيع كل القدرات التقنية المتقدمة أن تضع حداً لتأثيره وإيقاعه الثابت. إن المفارقة المدهشة في فهم الزمان تكمن في محدودية عمر الإنسان كفرد على كوكب الأرض، لنقل قرناً على أبعد تقدير، فيما سيذهب للموت ويقضي دهوراً وأزماناً سحيقة وقد تحلل وأصبح هيكلاً عظمياً وجمجمة، وربما لا يتعرف الى قبره إنسان قادم في مقبل الأيام بعد أن تختفي ذريته، ومع ذلك تجد هذا الإنسان يقضي جزءاً كبيراً من هذا"الحيز الزماني"المحدود في النكد والادعاء وجمع المال وسفاسف الأمور ومقارعة الحياة وكأنه سيعيش الى الأبد! مهند النابلسي - بريد إلكتروني