بعد ان انتهى وقع المفاجأة التي أعقبت إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرته للمصالحة بين القادة العرب، بدأ طرح الأسئلة بعقل بارد حول مدى استعداد الفرقاء المعنيين بهذه المبادرة الى التجاوب معها. وأول الأسئلة في هذا الصدد تناول موقف إيران من هذه المصالحة، وهل ستتمكن دمشق حليف طهران الرئيس من الاستجابة للمبادرة إذا كانت إيران تخشى من سحب البساط العربي من تحت قدميها؟ فالمصالحة لا بد ان تحصل على أسس سياسية وتؤدي الى حد أدنى من التوافق بين الدول التي اختلفت على عدد من القضايا طوال السنوات الثلاث الماضية، مما أدى الى حصول ما يشبه القطيعة بينها، وخصوصاً بين كل من مصر والمملكة العربية السعودية من جهة وسورية من جهة ثانية. لقد عجز القادة العرب ووزراء خارجيتهم عن التوافق على صوغ القرار النهائي في شأن الحرب الإسرائيلية على غزة، وفي شأن مبادرة السلام العربية في قمة الكويت. وبدا أن الأسئلة التي أعقبت الصدمة حول مدى الاستعداد للتجاوب مع مبادرة العاهل السعودي من جانب محور الممانعة الذي تمثل بقمّة من حضر في الدوحة، التي حضرتها إيران، فيما لم تتم دعوتها الى الكويت، كانت أسئلة صائبة تختصر لب المشكلة. فطهران شريك أساسي وأول للقيادة السورية، فضلاً عن الدول الأخرى مثل قطر وعُمان... ولا يمكنها بالتالي الانطلاق في رحلة المصالحة من دون التشاور معها. وإذ يبرر مسؤولون عرب كثر عدم انتهاء قمة الكويت الى تكريس نوع من التوافق ينسجم مع حصول المصالحة الشخصية بين القادة بدعوة من خادم الحرمين الشريفين، بوقع المفاجأة والصدمة التي تركتها مبادرة الملك عبدالله، فإن بعض هؤلاء يأمل بتكرار المحاولة لرأب الصدع، لعلّ تفاهماً مصرياً - سعودياً - سورياً يحصل قريباً، لأن الفرصة عن إنهاء الخلافات التي وفرها إعلان الملك عبدالله قد لا تتكرر في المدى المنظور إذا أهدرت هذه المرة بعد ان تم هدر فرصة قمة الرياض عام 2007. وواقع الحال ان المبادرة جاءت في ظل آفاق مرحلة جديدة تتكوّن من عناصر عدة. إضافة الى انها تتوخى توحيد الموقف العربي عشية تسلم الرئيس الأميركي باراك أوباما مهماته ليقيم الأخير وزناً للعرب بدلاً من ان يهمل قضاياهم وفي طليعتها حقوق الفلسطينيين، وبدلاً من ان يتفاوض على هذه القضايا ومن ضمنها النظام الإقليمي مع إيرانوتركيا فقط. كما انها جاءت في ظل تكشّف الحرب على غزة عن 4 حروب. فإسرائيل خاضتها لإنهاء"حماس"وفشلت وهذا كان واضحاً منذ اليوم الأول، والأخيرة خاضتها للبقاء وانتزاع الاعتراف بمحورية دورها وربحت، وإيران وسورية خاضتاها من اجل انتزاع الموقع الأقوى في رعاية الورقة الفلسطينية وفشلتا في ذلك، إذ أن محاولاتهما لإخراج المبادرات مع تركياوفرنسا وغيرهما لم تنجح. أما الحرب الرابعة فكانت حرب مصر التي أخذت طابعاً دفاعياً من اجل تأكيد مصر على حقها في رعاية الحل في غزة بحكم الموقع الجغرافي، وهو ما نجحت في إنجازه على رغم الهجوم الذي تعرضت له، فكانت المبادرة المصرية أساس الاتصالات التي أجرتها أنقرة، وكذلك فرنسا والدول الأوروبية، وتمكنت من ترتيب وقف النار بالتعاون مع هاتين الجهتين، فيما أعطي الجانب المصري حصرية مواصلة العمل على المعالجات في غزة عبر دعم مساعيه من اجل المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية. فالدور المصري في هذا المجال صدر في قرار لمجلس الأمن وحظي بتأييد السعودية وسائر الدول العربية، ما عدا سورية وقطر وبعض الدول التي حضرت قمة الدوحة، فيما لا تمانع"حماس"أن تواصل القاهرة رعايتها للحوار مع حركة"فتح"وسائر الفصائل ومع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يحظى بدوره بالتأييد الدولي، بدليل اتصال أوباما به معتبراً إياه الشريك في السلام. من الطبيعي ألا تكون طهران مرتاحة الى الوجهة التي تتم في كنفها المصالحة، لكن المشكلة تصبح أكثر استفحالاً إذا كانت دمشق ستستمر في الاعتقاد أنها لا تحتاج الى المصالحة مع السعودية ومصر من اجل التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة، وأنها تراهن على خط التفاوض المباشر مع أوباما ولا تقيم وزناً لدور العرب الآخرين... نشر في العدد: 16730 ت.م: 23-01-2009 ص: 15 ط: الرياض