سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التنسيق مع مصر حول الدعوة السعودية الى المصالحة نوقش خلال زيارة مبارك الرياض في 13 الجاري . مبادرة الملك عبدالله تعزز الموقع التفاوضي مع أوباما وتلويحه بنفاد عرض السلام ينتظر البديل
أجمع الوسط السياسي اللبناني على اعتبار المصالحة التي أُجريت أول من امس في قمة الكويت بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد، وبين الرئيس المصري حسني مبارك والأسد، ثم بين مبارك وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، خطوة إيجابية يمكن ان يستفيد منها لبنان، لأنها تؤدي الى إراحة الأجواء السياسية فيه، بمقدار ما يشكل جانب من التأزم فيه انعكاساً للخلافات العربية منذ 3 سنوات حتى الآن. وفي انتظار اتضاح المسار السياسي الذي يمكن ان ترسمه المصالحات الشخصية بين الزعماء العرب، فإن الوسط السياسي اللبناني الغارق في معظمه في حال الاستقطاب القائمة على الصعيد العربي فوجئ بدوره بالاختراق الذي قام به العاهل السعودي، بالمعنى الإيجابي، بعد ان كان الترقب يسود هذا الوسط، لما ستؤول إليه العلاقات العربية ? العربية من تدهور إثر الخلاف على عقد قمة الدوحة غير المكتملة النصاب يوم الجمعة الماضي. وعلى رغم أن الأنباء الواردة من الكويت أمس لم تنبئ بأن حصول المصالحة انعكس على مواضيع الخلاف السياسي وبالتالي قرارات القمة، فإن معظم الوسط السياسي اللبناني رأى ان عودة التواصل الشخصي، وخصوصاً بين خادم الحرمين الشريفين وبين الرئيس الأسد، يساعد في خفض التوتر بين حلفاء الجانبين وأصدقائهما في لبنان، أو على الأقل هذا ما يأمله هذا الوسط... ويقول احد الوزراء اللبنانيين انه على رغم ان خطوة العاهل السعودي"كانت مفاجأة سارة، فإن من يعرفه يدرك ان ما قام به ليس مستغرباً، فهو يتمتع بشعور قومي عربي وإنساني تضامني وقناعات بديهية مع القضية الفلسطينية تتسم بعفوية وتلقائية غير قابلتين للمساومة، خصوصاً بعد مشاهد المجازر التي تعرضت لها غزة والوحشية التي مارستها إسرائيل تجاه شعب غزة إضافة الى التردد الدولي في الضغط لوقف النار إزاء المحاولات العربية بقيادة السعودية في مجلس الأمن والذي كان تواطؤاً مع إسرائيل..."وذكر الوزير نفسه ان الجانب الشخصي وطريقة تفكير العاهل السعودي لعبا دوراً في صوغ موقفه بدليل حديثه في كلمته عن ان"الحياة لا تطيب من دون الكرامة"ووصفه قادة إسرائيل بأنهم"عصابة إجرامية لا مكان في قلوبها للرحمة...". أما على الصعيد السياسي فقد تعددت القراءات بين أوساط المعارضة وأوساط قوى 14 آذار. ورأت أوساط قوى 8 آذار وعمودها الفقري"حزب الله"ان"صمود حركة"حماس"، الحليفة يعد انتصاراً لخط الممانعة في مواجهة إسرائيل بعد 20 يوماً من العمليات الوحشية والهمجية، وهذا الانتصار هو الذي دفع بخط الاعتدال الى التقارب مع خط الممانعة الذي تجلى في قمة الدوحة". ورأت أوساط المعارضة اللبنانية ان"ثمة تبدلاً سعودياً في الموقف ينضم الى نَفَس الخطاب السوري خصوصاً لجهة قول خادم الحرمين الشريفين ان المبادرة العربية للسلام لن تبقى على الطاولة الى الأبد... في وقت اعتبرها الرئيس الأسد ميتة...". لكن مصدراً وزارياً من الأكثرية، لديه قراءة سياسية مختلفة لمبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وفق العناصر الآتية: 1- ان العاهل السعودي تخطى مواقف سابقة له كان اتخذها حتى الأمس القريب، اتسمت برفض الاستجابة الى جهود بعض الوسطاء لمصالحته مع القيادة السورية، إذ اشترط ان تكف دمشق عن سياستها المتبعة في لبنان وعن تدخلها في شؤونه وأن تتوقف عن تغطية التمدد الإيراني في المنطقة ودعمه، وكانت آخر الوساطات قبل زهاء الشهر... ورجّح المصدر الوزاري ان يكون الجانب السعودي شعر بمدى استضعاف الولاياتالمتحدة الأميركية والغرب للدول العربية، الى حد إجازتها لإسرائيل القيام بما قامت به في غزة، وذلك نتيجة الانقسام العربي. ورأى المصدر الوزاري ان"خادم الحرمين الشريفين قرر تجاوز الخلافات العربية عل رغم مرارته الشخصية من بعض الممارسات نظراً الى حاجة المنطقة الى استعادة المبادرة إزاء السياسات الغربية والأميركية، عشية تسلم الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما مهماته في البيت الأبيض، بحيث يعطي وزناً للدول العربية وموقفها ولا يستضعفها بسبب الانقسامات بين قادتها". وأضاف المصدر:"في ما قاله الملك عبدالله هناك تفوّق على الذات لأنه يتضمن نقداً ذاتياً. فهو سبق ان قال في قمة الرياض عام 2007 إزاء الوضع العربي المزري ان"اللوم الحقيقي يقع علينا نحن قادة الأمة فرفضنا الأخذ بأسباب الوحدة جعل الأمة تفقد الثقة في صدقيتنا..."لكنه أضاف هذه المرة لوم القيادات جميعاً حين قال:"باسم الدم المسفوح والكرامة والإباء أناشدكم ونفسي أن نكون أكبر من جراحنا..."، وقال انه لا يستثني احداً في مسؤولية"قادة الأمة عن الوهن الذي أصاب وحدتنا...". 2- ان الجانب السعودي تناغم في موقفه مما تعرضت له غزة مع نبض الشارع العربي، ليس مسايرة بل اقتناعاً بذلك. فهو كان طالب برفع الحصار عن الفلسطينيين في قمة 2007. ويقول المصدر الوزاري ان الرفض السعودي للتأييد الأميركي والغربي الأعمى للسياسة الإسرائيلية عبّر عنه الملك عبدالله في كلمته في الكويت، بالإشارة الى"القتلة ومن يناصرهم..."، لكنه كان أخذ موقفاً ضد السياسة الأميركية في المنطقة في قمة الرياض عام 2007، من دون وجود غليان في الشارع العربي في حينها، عندما فاجأ المسؤولين الأميركيين وأشار الى الاحتلال الأميركي للعراق على رغم ان الوجود العسكري الأميركي يحظى بشرعية من مجلس الأمن، فلدى المسؤولين السعوديين الكثير من الانتقادات والريبة والاختلافات مع واشنطن على رغم صداقتهم معها. 3- ان التلويح في الكويت بأن المبادرة العربية للسلام لن تبقى على الطاولة الى الأبد، ليس مستجداً لدى الرياض. وهو لم يأت نتيجة دعوة قمة الدوحة الى تعليق المبادرة، بل هو استمرار لمواقف سعودية عدة صدرت هذه السنة، أشارت الى ان المبادرة لن تبقى على الطاولة. وآخر هذه المواقف ما أعلنه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في نيويورك في السابع من الشهر الجاري بعد ان أخرت الدول الغربية وواشنطن صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1860 لوقف النار الفوري في غزة، والذي كانت الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية وضعت مسودته. وهدد الفيصل في حينها"بإدارة ظهورنا للسلام"إذا واصلت هذه الدول التغاضي عن العدوان على غزة، وحمّل إسرائيل مسؤولية التدهور واتهمها بمخالفة اتفاق التهدئة، مؤكداً ان الجانب الفلسطيني التزم بها. ويضيف المصدر الوزاري:"وعليه فإن الموقف السعودي في الكويت لم يأت نتيجة لما صدر عن قمة الدوحة بل هو بدأ بالتعبير عن نفسه قبلها بأشهر ثم قبلها ب11 يوماً في مجلس الأمن". ورأى المصدر ان الاكتفاء بالتلويح بالعودة عن المبادرة في الظرف الراهن أكثر منطقية من إعلان نعيها كما جاء على لسان الرئيس الأسد لأن على العرب ان يتفقوا على صوغ بديل منها في استراتيجية كاملة قبل إعلان موتها، لأن لا يجوز ترك الساحة الدولية من دون طرح الخيار الذي يراه العرب في شأن السلام، وإلا فإن إلغاء المبادرة من دون تحديد البدائل قد يسمح باستفراد الفلسطينيين مجدداً أو باستفراد سورية أو غيرها ونعود الى نغمة التفرد من كل فريق عربي في العلاقة مع إسرائيل... 4- ان من تداعيات، مبادرة العاهل السعودي بإعلانه"اننا تجاوزنا مرحلة الخلاف"، فتحه الباب امام استعادة المجموعة العربية المبادرة في الإمساك بزمام شؤونها العربية، الأمر الذي يشكل همّاً دائماً إزاء الانتقادات للعجز العربي الذي يدفع دولاً مثل إيران الى ملء الفراغ بحيث تفقد المجموعة العربية وزنها الإقليمي والدولي. وهو ما عبّر عنه الملك عبدالله في كلمته أول من امس بالإشارة الى ان"الخلافات العربية عونٌ للعدو الإسرائيلي الغادر ولكل من يريد شق الصف العربي لتحقيق أهدافه الإقليمية على حساب وحدتنا وعزتنا وآمالنا...". وهو ما كان عبّر عنه في قمة الرياض بالدعوة الى وحدة الموقف"وعندها لن نسمح لقوى من خارج المنطقة ان ترسم مستقبل المنطقة ولن يرتفع على أرض العرب سوى علم العروبة". على صعيد آخر قالت مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع ل"الحياة"ان مبادرة خادم الحرمين الشريفين بالدعوة الى المصالحة كانت نتيجة تنسيق وتواصل منذ أيام بين القيادتين السعودية والمصرية وأن الرئيس مبارك كان على علم بالتوجه الذي طرحه الجانب السعودي. وأكدت المصادر ان التنسيق حول الأمر بدأ منذ زيارة الرئيس مبارك للرياض يوم الثلثاء 13 الجاري حيث ناقش الجانبان الفكرة التي تمت بلورتها في اليومين اللاحقين لهذا الاجتماع، والاتفاق عليها قبل عقد قمة الدوحة. نشر في العدد: 16728 ت.م: 21-01-2009 ص: 12 ط: الرياض