كنت أراجع ردود الفعل في إسرائيل وبين الإسرائيليين في الولاياتالمتحدة على الثورات الشعبية العربية، وحاولت أن أدخل في الحيثيات والمعطيات، وأن أختار من كلام منمق يجذب القارئ ثم وجدت أن أفضل تعليق، وما يفهمه كل قارئ، أن أقول: مفيش فايدة. الثورات العربية قامت طلباً للحرية والكرامة والعيش الكريم. ولكل شعب عربي ثائر ما يشترك فيه مع الشعوب الثائرة الأخرى، ثم له خصوصياته، أو أسبابه المحلية الإضافية للثورة. إلا أن ما يشترك فيه الجميع، ومعهم المسلمون في العالم كله، هو كره إسرائيل، ولأسباب واضحة كشمس الظهيرة، فهي دولة فاشستية محتلة تقتل وتدمر وتبني المستوطنات وترفض السلام حتى بعد أن قبل الفلسطينيون دولة في 22 في المئة من أرضهم. هذا سبب أن نرى إجماعاً بين المتنافسين على الرئاسة المصرية من الإسلامي إلى العلماني على مهاجمة إسرائيل وجرائمها، وأن نجد الموقف نفسه في المملكة العربية السعودية وإيران، رغم حدة الخلاف السياسي بينهما. وأن يتنازع فريقا 14 آذار و8 آذار في لبنان على كل شيء ويتفقا على إسرائيل. موقع إسرائيلي أميركي نشط جداً نشر مقالاً عن تحول ربيع العرب إلى خريف عدم الرضا، وشرح بإسهاب سياسة الرئيس «بشير» الأسد، وموقع آخر هاجم مقالاً للأمير تركي الفيصل نشرته «نيويورك تايمز» وهدد فيه بأن تخسر الولاياتالمتحدة بلاده إذا استعملت الفيتو ضد مشروع الدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة، ونشر الموقع مع الحملة على الأمير تركي صورة أخيه الأمير خالد الفيصل. ومجلة لعصابة الشر طالبت بوقف المعونة الأميركية لمصر، وهي معونة لإسرائيل وثمن بقاء مصر في معاهدة السلام فمن دونها يستحيل أن تتلقى مصر دولاراً من المساعدات، فيما يسرق الإسرائيليون الخبز عن طاولة عشاء دافع الضرائب الأميركي بتواطؤ من مجلس الكونغرس الذي اشتراه اللوبي. بل إن العصابة من الوقاحة أن تطالب بوقف الإخوان المسلمين في مصر، وأسأل أين يريدونهم أن يقفوا؟ وتطلب «تحرير» الثورة في ليبيا من الإسلاميين في القيادة، وأسأل مرة أخرى هل كانوا يتوقعون أن يكون قادة ليبيا من طائفة السفارديم اليهودية؟ وربما ما كنت أشرت إلى الغوغاء من عصابة إسرائيل في أميركا، لولا أن إنكار السبب الإسرائيلي في الثورات العربية على كل صعيد من الكونغرس والميديا التقليدية حتى مواقع المتطرفين. ربما كانت «وول ستريت جورنال» أهم صحيفة اقتصادية في العالم، بحكم وجودها في نيويورك، مع أنني أفضل «فاينانشال تايمز» اللندنية عليها، فهذه موضوعية معتدلة، في حين أن الأولى لها مثل سمعة مالكها روبرت ميردوخ السيئة، وصفحة الرأي فيها ليكودية خالصة. في صفحة الرأي هذه قرأت لليكودي اسمه جوزف جوف اعترافاً بأنه أخطأ بالترحيب بالثورات العربية معتقداً أنها تطالب بالحرية والديموقراطية، فقد اكتشف من الهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة أن الطغاة يبقون في الحكم رغم الفقر واليأس والقمع لأنهم يغذون الشعوب كره «الآخر». وأجد هذا الكلام غريباً فالشعوب ثارت على الطغاة لأنها لا تصدقهم، وهي بالتأكيد لم «تبلع» مزاعم «الآخر» لأن إسرائيل دولة إرهاب وقتل وتدمير وجرائمها لا تحتاج إلى من يتحدث عنها، فهي تتحدث عن نفسها، والشارع المصري تحديداً أكثر الشوارع السياسية العربية وعياً، ولا أحد يمكن أن يخدعه. أسوأ من جوزف جوف وفي الجريدة نفسها فؤاد عجمي، فالأول يحكي «بأصله» كما نقول في لبنان، أما الثاني فشيعي من أرنون في جنوب لبنان الذي احتلته إسرائيل يوماً واجتاحته يوماً آخر وقتلت من أهله من استطاعت قتله. فؤاد عجمي يتحدث عن شماتة العرب بالولاياتالمتحدة بعد إرهاب 11/9/2001، ولكن لا يتحدث عن سببها، واقتناع العرب والمسلمين كافة بأن السياسة الخارجية تعمل لمصلحة إسرائيل، وعلى حساب المصالح الأميركية نفسها بفضل اللوبي والمحافظين الجدد الذين انضم إليهم أستاذ جامعي يصرّ أن يكون «عجمياً» كاسمه، فهو يلاحظ أن الإيرانيين تعاطفوا مع الأميركيين بعد الإرهاب، ويستشهد بمن على شاكلته، أو المؤرخ الليكودي برنار لويس في قوله إن في إيران شعباً مع أميركا وحكومة ضدها، وفي الدول العربية حكومات مع أميركا وشعوباً ضدها. يعني يريد حلفاً مع شيعة إيران ضد السنّة العرب. أريد أن أزيد من حسرة جماعة إسرائيل فأقول ما أعرف شخصياً، وهو أن كره هذه الدولة الكريهة مشترك أو المشترك الوحيد بين الشعوب والحكام قبل الثورات العربية واليوم وغداً. وقد سمعت الرئيس حسني مبارك يقول بعد أن أغلقت آلة التسجيل «ولاد الكلب اليهود دول»، وهي ليست إهانة عنصرية كما يبدو من الكلمات، وإنما عبارة يستعملها كل مصري في وصف من لا يحب، وقد تشمل الجيران. [email protected]