دمّرت الغارات الإسرائيلية التي استهدفت الشريط الحدودي بين الأراضي المصرية وقطاع غزة عشرات الأنفاق الممتدة بين الجانبين، والتي يعتبرها بعضهم"رئة"القطاع الذي يئن من وطأة حصار شديد منذ سيطرت"حماس"عليه بالقوة في حزيران يونيو 2007، ويعتبرها آخرون وسيلة لإثراء"مليارديرات الحروب". وأنفاق رفح ليست ظاهرة جديدة، لكنها ظلت"محاطة بالسرية"كإحدى وسائل المقاومة العسكرية خلال سنوات وجود القوات الإسرائيلية في القطاع، إذ كان هدفها الوحيد تهريب السلاح إلى"المقاومين"، وبعد"الحسم العسكري"في غزة والحصار الإسرائيلي الجائر على القطاع، استخدم الغزيون الأنفاق أيضاً"وسيلة لمقاومة الحصار"، بحسب المستشار السياسي لرئيس الوزراء الفلسطيني المقال أحمد يوسف. وكان يوسف قال ل"الحياة"قبل العدوان الإسرائيلي على القطاع إن"الحصار سبب التوسع في حفر الأنفاق"، مؤكداً أنها لم تعد تستخدم في تهريب الأسلحة التي"يصنع الخفيف منها في القطاع بينما يجد الثقيل طريقه عبر البحر". راجع ص 10 ويربط قطاع غزة بالأراضي المصرية معبران: رفح المخصص لتنقل الأفراد، وكرم أبو سالم المخصص لإدخال البضائع والمساعدات الإنسانية والغذائية. ومع اعتياد إسرائيل على إغلاق معبر كرم أبو سالم، وكذلك معبر رفح بسبب عدم توافر شروط تشغيله بعد سيطرة"حماس"على القطاع، برزت عمليات تزويد سكان القطاع بالمستلزمات الحياتية عبر أنفاق رفح، حتى باتت المنطقة الحدودية عائمة على شبكة من الأنفاق. وأوحى ذلك بأن السلطات المصرية ربما تتغاضى عنها وإن اضطرت إلى هدم بعضها تحت ضغط إسرائيلي وأميركي، واشترت مصر أخيراً نظام رادار أميركياً لرصد الأنفاق. وطورت الأنفاق وخصص بعضها لتهريب البضائع وجهزت اخرى بخراطيم ومضخات لتهريب المحروقات، وثالثة لتهريب الغاز الطبيعي، وهي الأكثر كلفة، فضلاً عن أخرى سميت"الأنفاق السياحية"، لتسهيل هروب كبار الشخصيات في قطاع غزة في حال استهدفتها إسرائيل. والتهريب عبر الأنفاق"له أصوله"ويحقق مكاسب طائلة للقائمين عليه. ولا يمكن حصر عدد هذه الأنفاق، لكن مسؤولاً في السلطة الفلسطينية يقدرها بأكثر من 1200. ويؤكد أنها أصبحت"إحدى وسائل تمويل حكومة اسماعيل هنية، إذ يستلزم حفرها ترخيصاً رسمياً من بلدية رفح في مقابل 10 آلاف شيكل، فضلاً عن رسوم تأمين تصل إلى 30 ألف دولار بحسب حجم النفق". والنفق الواحد في الجانب الفلسطيني تتشعب منه فوهات في الجانب المصري، لضمان استمرار تشغيله في حال اكتشف الأمن المصري إحداها. ويقدر النائب في البرلمان المصري عن إحدى دوائر محافظة شمال سيناء فايز أبو حرب مكاسب"تجار الحرب"من التهريب عبر الأنفاق في اليوم الواحد بأكثر من 100 ألف جنيه مصري. ورغم انتشارها في المنطقة الحدودية، لا يشي سكان رفح المصرية ببعضهم بعضاً عند أجهزة الأمن، لأنهم يتعاملون مع المسألة بصفتها"واجباً لنصرة أهلنا في رفح"الفلسطينية، إذ يرتبط سكان رفح المصرية والفلسطينية بصلات نسب وقرابة. ولم يكن بعض سكان غزة ورفح المصرية على علم بأن أنفاقاً حفرت تحت منازلهم، وفوجئوا بانهيارات فيها بعد القصف الإسرائيلي للأنفاق والذي استخدمت فيه"قذائف ارتجاجية". نشر في العدد: 16708 ت.م: 01-01-2009 ص: الأولى ط: الرياض عنوان: "أنفاق رفح" وسيلة لمقاومة الحصار وإثراء "تجار الحرب"