بدأت تداعيات أزمة القوقاز تتجلى في الفضاء السوفياتي السابق، وأطاحت أمس بالائتلاف الحكومي في أوكرانيا، فاتحة على أزمة سياسية جديدة في البلاد، بعدما اتهم الرئيس فيكتور يوتشينكو خصومه بالخيانة، وهدد بحل البرلمان. وفي تطورات متسارعة تدل على درجة الاحتقان الداخلي في أوكرانيا، وجه الرئيس الأوكراني خطاباً تلفزيونياً ساخناً، هاجم فيه خصومه بشدة، واتهمهم بالخيانة وتغليب مصالح معينة"غير أوكرانية"، واعتبر أن البلاد تواجه"عملية انقلابية أُعدّ لها في شكل مسبق". وبدأت مظاهر الأزمة منذ فترة طويلة، وتحديداً عندما اتضح الخلاف بين فريقي الحكم وهما كتلة رئيس الوزراء يوليا تيموتشينكو وحزب"أوكرانيا لنا"الموالي للرئيس حول العلاقات مع موسكو، واتفاقات إمدادات الطاقة. وكان لافتاً أن تيموتشينكو، التي كانت دائما العدو اللدود للكرملين، انحازت لمواقف تدعو إلى تطبيع العلاقات مع موسكو. لكن الوضع انفجر نهائياً مساء أول من أمس، عندما صّوت مجلس الرادا الأوكراني البرلمان، على قرارات تقلص صلاحيات الرئيس، وتسهل إجراءات ملاحقته وعزله إذا اقتضى الأمر. واللافت أن كتلة تيموتشينكو تجاهلت تحالفها مع حزب"أوكرانيا لنا"الموالي للرئيس، وصوتت لمصلحة التعديلات القانونية إلى جانب كتلتي"الأقاليم"التي يتزعمها خصم يوتشينكو اللدود، فيكتور يانوكوفيتش، إضافة إلى كتلة الحزب الشيوعي الأوكراني، الذي انضم إلى الفريقين بتأييد القرارات، ما عكس تحولًا خطراً في موازين القوى داخل الهيئة الاشتراعية، دفع كتلة"أوكرانيا لنا"إلى إعلان انسجامها من الائتلاف الحكومي. وعلى رغم أن هذه الخطوة جاءت متسرعة، لأنها حشرت الرئيس في الزاوية، لكن تطبيقها سيمر بحسب القوانين الأوكرانية بفترة عشرة أيام ليصبح القرار بعدها نافذاً، ما يعني أنه سيكون على تيموتشينكو - المكلفة أصلا تشكيل الحكومة- أن تبدأ مشاورات لتشيكل حكومة ائتلافية جديدة. أمام ذلك، تحرك يوتشينكو بسرعة وحاول الاستقواء بالشعب، عبر خطاب حماسي طويل اتهم خلاله تيموتشينكو ب"الخيانة"، وأنها انتقلت إلى صفوف"خصوم أوكرانيا"، ولوح بأنه سيلجأ إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة إذا لم تنجح تيموتشينكو خلال المهلة القانونية بتشكيل حكومة جديدة، في مسعى لتضييق الخيارات أمامها، وعدم منحها فرصة للاتفاق مع حزب"الأقاليم"المعارض لتشكيل ائتلاف جديد. وفي إشارة مباشرة ربطت بين التطورات الجارية في أوكرانيا وأزمة القوقاز الأخيرة، قال يوتشينكو إن"الهيئة الأعلى في البلاد والغالبية الديموقراطية لم تنجح في تنسيق مواقفها والخروج برأي واحد حول تقويم الحرب على جورجيا"، وزاد الرئيس الأوكراني مخاطباً مواطنيه:"على المواطن أن يرى بوضوح الآن أين خط البلاد الوطن، وأين سياسة الخيانة التي يمارسونها"، علماً أن العلاقات بين الرئيس يوتشينكو ورئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو تدهورت كثيراً في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد أن امتنعت رئيسة الحكومة عن دعم موقف الرئيس من تقويمه الوضع في القوقاز خلال الأزمة الأخيرة. وكان يوتشينكو أيد تبليسي ودان اعتراف روسيا باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، فيما امتنعت تيموشينكو من توجيه الانتقادات الحادة للعملية الروسية في القوقاز، مكتفية بإعلان"دعم وحدة الأراضي الجورجية". غالبية معارضة على صعيد آخر، أعلن فيكتور يانوكوفيتش زعيم المعارضة الأوكرانية وزعيم حزب"الأقاليم"الموالي لروسيا أنه لا يستبعد إمكان تشكيل الغالبية البرلمانية مع كتلة يوليا تيموشينكو. وسيضمن توحيد جهود تيموشينكو ويانوكوفيتش سيطرتهما على 331 مقعداً في البرلمان، بزيادة عن الغالبية الدستورية المطلقة 300 مقعد، ما يعني أنهه سيكون بمقدور هذا التحالف مواجهة"فيتو"الرئيس على قرارات الهيئة الاشتراعية، كما تنص القوانين الأوكرانية. اللافت أن الأزمة الأوكرانية جاءت في أول أيام عمل"الرادا"بعد العطلة الصيفية، ما يفتح بحسب البعض على موسم سياسي ساخن في أوكرانيا. ومعلوم أن موسكو كانت اتهمت كييف بمساعدة جورجيا عسكرياً ودخلت أوكرانيا على خط الأزمة عندما أعلنت عن وضع عراقيل أمام تحرك أسطول روسيا في البحر الأسود، وتوحد الرغبة في الانضمام إلى حلف الأطلسي كلا من الرئيسين الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي والأوكراني فيكتور يوتشينكو. ميدفيديف في موسكو، حمل الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف على الولاياتالمتحدة بقوة، واتهمها بدعم"جثة سياسية"، في إشارة إلى الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، وأعرب عن أسفه لأن الاتحاد الأوروبي"لم يتفهم الأسباب التي دفعت موسكو للتحرك في القوقاز" وقال ميدفيديف في حديث صحافي، إن عدم تفهم الاتحاد الأوروبي موقف روسيا"يقلقنا، لكن الوضع يتغير، ونأمل بأن تجري عملية تقويم حقيقية للموقف". ولفت في المقابل إلى"نتائج إيجابية. فعلى رغم الانقسام بين الدول الأوروبية، تغلبت وجهات النظر الواقعية والحكيمة". وحمل الرئيس الروسي بقوة على واشنطن وقال إنها"واصلت دعم المعتدين وأمدتهم بالأسلحة والمعونات، ومازالت تصر على دعم جثة سياسية". ولفت إلى دعوات أميركية بضرورة عزل روسيا، معتبراً أن"هذا الأمرفرض عزلة على روسيا لا يمكن تحقيقه"و"علينا التفكير بهيكيلية نظام الأمن العالمي في السنوات المقبلة"، باعتبار ان""الأحداث الأخيرة أظهرت بوضوح أن نظام الأمن الحالي غير فعال. إلى ذلك، أفاد الكرملين أمس بأن ميدفيديف عبر في حديث هاتفي مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن أسفه لعدم صدور إشارة عن قمة الاتحاد الأوروبي تتضمن تقويماً للعدوان الجورجي على أوسيتيا الجنوبية. حال الطوارئ وألغى البرلمان الجورجي أمس حال الحرب المعلنة في 9 آب اغسطس الماضي، تاريخ اندلاع النزاع مع روسيا، مع إعلان حالة الطوارئ في بعض مناطق البلاد. وقالت الناطقة باسم البرلمان ماكا جيغاوري:"ان البرلمان الجورجي صوت بالإجماع لفائدة قرار حول إلغاء حالة الحرب في جورجيا". وأضافت انه في المقابل"تم إعلان حالة الطوارئ في الأراضي التي لا تزال تنتشر فيها قوات الاحتلال الروسية، بما فيها ابخازيا واوسيتيا الجنوبية"المنطقتان الانفصاليتان اللتان لا تخضعان لسيطرة السلطات الجورجية. تزامن ذلك مع إعلان مسؤول اميركي يرافق نائب الرئيس ديك تشيني في زيارته باكو، ان البيت الأبيض يستعد لإعلان مساعدة إنسانية بقيمة بليون دولار سيمنحها لجورجيا. وبدأ نائب الرئيس الأميركي زيارة لاذربيجان صباح امس، بهدف طمأنة حلفاء واشنطن في المنطقة وتأكيد الدعم الأميركي لجورجيا في الأزمة التي تواجهها مع روسيا. ومن المقرر ان يصل تشيني الى تبليسي اليوم، وينتقل منها الى كييف ثم الى ايطاليا، حيث سيجري محادثات مع رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلوسكوني.