سجلت موسكو نصراً جديداً على خصومها الإقليميين، بعدما أدت الأزمة السياسية في أوكرانيا إلى إطاحة الائتلاف الحاكم الموالي للغرب، في ضوء التجاذبات الناجمة عن التطورات الساخنة في القوقاز أخيراً. في غضون ذلك، أعلنت موسكو عن ارتياحها لقرار الاتحاد الأوروبي نشر مراقبيه في جورجيا، معتبرة ذلك خطوة لتنفيذ اتفاق"ميدفيديف - ساركوزي"، على رغم تحفظ أطراف"أطلسية"بقيادة واشنطن عن هذا الاتفاق الذي يتيح بقاء قوات روسية في جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية المنفصلتين عن جورجيا. وأعرب الناطق باسم الخارجية الروسية أندريه نيستيرينكوعن ارتياح بلاده لقرار الاتحاد الأوروبي نشر بعثة مراقبين في جورجيا، ولكنه أبدى"أسف موسكو لعدم صدور تقويم أوروبي موضوعي لتصرفات القيادة الجورجية التي أدت إلى إشعال الحرب". وقال نيستيرينكو في مؤتمر صحافي أمس، إن روسيا تشعر بارتياح لأن القرار الأوروبي الذي اتخذ خلال اجتماع مجلس الاتحاد للشؤون العامة والعلاقات الخارجية على مستوى الوزراء أول من أمس، يعد الخطوة الأولى لتنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الرئيسين الروسي ديميتري ميدفيديف والفرنسي نيكولا ساركوزي في موسكو الأسبوع الماضي. وصدر عن الاجتماع الأوروبي قرار بنشر بعثة مراقبين من الاتحاد الأوروبي تتكون من 200 عنصر قبل بداية الشهر المقبل، في المنطقة الفاصلة بين جورجيا من جهة وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا من الجهة الأخرى. وأشار المجتمعون إلى أن هذه الخطوات تشكل مقدمة لتنفيذ مرحلة جديدة من خطة"ميدفيديف ساركوزي"بكل بنودها، لضمان عدم استخدام جورجيا القوة ضد أوسيتيا الجنوبية،. علماً بأن موسكو سحبت قواتها من المناطق الجورجية قبل أيام وأكدت التزامها مواصلة الانسحاب من المنطقة الأمنية أيضاً قبل حلول نهاية الشهر الجاري، لتمكين المراقبين الأوروبيين من الحلول محل القوات الروسية المنسحبة. في غضون ذلك، أجرى الرئيس الروسي أمس، محادثات مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف خلال أول زيارة يقوم بها الأخير لموسكو منذ اندلاع الحرب في القوقاز. وخلافاً لمواقف البلدان الأعضاء في منظمتي"شانغهاي"و"الأمن الجماعي"اللتين تضمان حلفاء تقليديين لموسكو ستة بلدان من الفضاء السوفياتي السابق والصين، يولي الروس أهمية خاصة لزيارة علييف خصوصاً أن الأخير التقى الأسبوع الماضي ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي وأفادت تقارير أن أجواء اللقاء لم توافق هوى واشنطن. وأعرب ميدفيديف في مستهل اللقاء عن ارتياحه لمستوى العلاقات مع باكو التي"تتطور بديناميكية، وقال:"نحن راضون تماماً عن الشراكة التي تربط بلدينا". وكان مصدر في الكرملين قال إن ميدفيديف وعلييف سيناقشان شؤون الوضع في القوقاز ومسائل توسيع التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين. أوكرانيا على صعيد آخر، وصلت الأزمة السياسية في أوكرانيا إلى ذروتها، بعدما لعبت التطورات الساخنة في القوقاز دوراً أساسياً في إطاحة الائتلاف الحاكم في كييف والموالي للغرب. وبعد انتهاء مهلة الأيام العشرة القانونية التي أعقبت قرار كتلة"أوكرانيا لنا"الموالية للرئيس فيكتور يوتشينكو انسحابها من الائتلاف مع كتلة رئيسة الوزراء القوية يوليا تيموتشينكو، أعلن رئيس البرلمان الأوكراني ارسيني ياتسينيوك أمس، حل الائتلاف البرلماني رسمياً، ما يعني وصول البلاد إلى مفترق طرق حاسم، فإما العودة الى تشكيل ائتلاف جديد يكون قادراً على جمع غالبية نيابية تمكنه من تشكيل الحكومة أو تنفيذ يوتشينكو تهديده بحل البرلمان والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة. وكانت الأزمة بدأت تتصاعد بقوة بداية الشهر الجاري، بعدما انضمت كتلة تيموشينكو إلى حزب"الأقاليم"الذي يتزعمه فيكتور يانوكوفيتش الموالي لموسكو، في التصويت على عدد من القوانين التي تقيد صلاحيات رئيس الدولة وتسهل إجراءات تنحيته. وجاء ذلك في ضوء خلاف بين الرئيس ورئيسة وزرائه حول الموقف من الأحداث في جورجيا. واتهم الرئيس تيموشينكو بالخيانة وتغليب مصالح موسكو، فيما ردت رئيسة الوزراء بوصف الرئيس بأنه ضعيف ووضع نفسه خارج المنافسة، مهددة بتشكيل تحالف برلماني جديد مع حزب"الأقاليم". وتمنح القوانين الأوكرانية الرئيس حق حل الهيئة الاشتراعية والدعوة إلى انتخابات جديدة في حال عدم توافر غالبية نيابية كافية لتشكيل الحكومة خلال فترة أقصاها 30 يوماً بعد تفكك الائتلاف. وأعلن يوتشينكو أنه"سيستخدم هذا الحق"، على رغم مخاوف السياسيين الأوكرانيين من عدم إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع بسبب تكرار إجراء انتخابات مبكرة لم تسفر عن حل جذري للأزمة السياسية المزمنة في البلاد. وكانت أوكرانيا شهدت في أيلول سبتمبر من العام الماضي، انتخابات برلمانية مبكرة لتجاوز الأزمة السياسية التي نشأت آنذاك. ويرى خبراء في الشؤون الأوكرانية ان الانتخابات النيابية المبكرة ستكون حاسمة، بعد اختلال موازين القوى داخل صفوف"التحالف البرتقالي"الموالي للغرب بخروج تيموتشينكو منه، ما يعني احتمال إعادة رسم الخريطة السياسية في البلاد التي تنقسم أقاليمها إلى غربي يدعم التيارات الديموقراطية الموالية للغرب وشرقي ناطق بالروسية ويؤيد بقوة التقارب مع موسكو. كما أن الانتخابات المبكرة قد تؤدي بحسب الخبراء إلى إضعاف مواقع الرئيس يوتشينكو ما يعني عدم تمكنه من المنافسة في انتخابات الرئاسة المقررة العام المقبل، ما يفسح في المجال أمام فوز أحد خصميه: تيموتشينكو ويانوكوفيتش.