سؤال مهم كثيراً ما يطرحه المرضى المصابون بارتفاع الضغط الشرياني: هل في إمكاني التوقف عن تناول الأدوية الخافضة له؟ قبل الخوض في بحر الإجابة عن هذا السؤال لا بد من التذكير بأن ارتفاع الضغط هو مرض خطير إذا ترك له الحبل على غاربه، وهو غالباً ما يتم كشفه بالصدفة من خلال الفحوص الروتينية أو بعد أن يكون قد بطش بأحد الأعضاء الحيوية المهمة في الجسم كالقلب والكليتين والدماغ والعينين. إن التوقف عن تناول الأدوية الخافضة للضغط الشرياني ممكن لدى بعض المرضى، شرط تطبيق بعض النصائح قولاً وفعلاً، وهذه النصائح قابلة التطبيق بالنسبة الى الذين يعانون ارتفاع الضغط الخفيف والمتوسط ولكنها غير كافية للذين يشكون من ارتفاع شديد فيه. وفي ما يأتي نظرة عاجلة عليها: * تخفيف الوزن: إن ارتفاع ضغط الدم شائع بين الأشخاص الذين يعانون من البدانة، وقد بينت التحريات العلمية والسريرية أن إنزال الوزن عند المصاب بارتفاع طفيف الى متوسط في ضغط الدم يساهم في عودة أرقام الضغط الى حدودها الطبيعية. واللافت هنا انه ليس ضرورياً إنقاص الوزن في شكل كبير من أجل بلوغ الغاية المرجوة، إذ تكفي إضاعة كيلوغرامات عدة، أما عن التفسير فيقول العلماء إنه يرجع الى أن إنقاص الوزن يؤدي الى خفض الكتلة الدموية الجائلة في العروق، ما يخفف العبء الملقى على الشرايين وبالتالي على القلب الذي لا حول له ولا قوة. وإضافة الى التفسير المذكور هناك من يقول إن إنقاص الوزن في شكل ملحوظ يفيد في تقليل مستوى الهورمونات الضالعة في شكل أو في آخر في آلية ضغط الدم مثل هورمون الرينين والألدوستيرون والنورابينيفرين. * الإقلاع عن التدخين: غني عن التعريف ما للتدخين من دور في إلحاق الأذى بالأوعية الدموية، فمادة النيكوتين الموجودة في التبغ هي محرض وعائي إذ تتسبب في انقباض الشرايين، ما يؤدي الى شكل من أشكال الممانعة أمام القلب لضخ ما فيه فتحصل الإصابة بارتفاع الضغط الشرياني. وفي هذا الإطار كشفت اشهر دراسة أميركية اسمها"فرامينغهام"ان الرجل المدخن والبالغ من العمر 40 سنة هو أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم مقارنة بشخص آخر من العمر نفسه ولم يقرب التدخين. * الحد من استهلاك الملح: هناك دراسات كثيرة ربطت بين كثرة استهلاك الملح والإصابة بارتفاع ضغط الدم، لذلك يلعب الحد من تناول الملح دوراً فاعلاً في خفض الضغط عند المصابين به. والإقلال من الملح لا يساهم في خفض الضغط وحسب، بل يبعد على الأرجح خطر الإصابة بأمراض القلب، إذ يزيل شبح تعرض خلايا القلب للتصلب ويجعل الشرايين اكثر قدرة على الانقباض والانبساط. ففي دراسة طاولت اكثر من ثلاثة آلاف شخص لمعرفة أثر خفض استهلاك الملح في الضغط المرتفع، كشفت الباحثة نانسي كوك ورفاقها من مستشفى النساء وكلية طب هارفارد في بوسطن ان الذين التزموا الحد من استهلاك الملح قلّ عندهم خطر تعرضهم للأمراض القلبية، كما تراجعت نسبة الوفيات بينهم أسوة بأقرانهم الذين لم يلتزموا الحمية الملحية. وهناك صلة واضحة بين تناول الملح وضغط الدم العالي، لهذا أوصى معهد القلب والدم والرئة الأميركيين بضرورة التقليل من استهلاك الملح. ويجدر التنويه هنا الى أن هناك أشخاصاً يتحسسون على الملح بحيث يرتفع ضغطهم مباشرة عقب تناوله وهؤلاء يستفيدون جداً من الامتناع عن الملح في إنزال ضغطهم المرتفع، ولسوء الحظ ليست هناك وسيلة سهلة للتعرف على أمثال هؤلاء. إن كثرة تناول الملح تجعل الكلية في حال يرثى لها نظراً الى ما يلقيه معدن الصوديوم الموجود في الملح من عبء عليها لطرده من الجسم. ان خفض استهلاك الملح لا يشمل فقط ملح الطعام الموجود على الطاولة، بل لا بد من مراقبة وجوده في الأطعمة الجاهزة والمعلبة، وفي هذا المجال يوصى: 1 - قراءة المكونات الموجودة على العلبة أو المنتج وأخذ الحذر منه إن كان يعج بالملح. 2 - الحد من تناول الأطعمة الجاهزة والمجمدة لأنها كثيراً ما تحتوي على كميات كبيرة من الملح. 3 - التنبه الى محتوى الأطعمة من الملح في المطاعم. 4 - الاعتياد على استعمال التوابل والنباتات العطرية في طهو الأكل لإضفاء النكهة عليه بدلاً من الملح. في المختصر ان مجرد تفادي الأغذية المملحة وعدم إضافة الملح الى الطعام يساهمان في خفض ضغط الدم، فحري بنا ان نتقيد بهذه النصيحة، خصوصاً بالنسبة الى الذين يعانون ارتفاعاً في ضغط الدم. * ممارسة الرياضة: التمارين الرياضية المنتظمة والمستمرة لها اثر مهم في خفض الضغط المرتفع وذلك من خلال إبعاد شبح العوامل الخطرة التي تلعب دورها في رفع ضغط الدم. ان للتدريبات الرياضية ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع فوائد متعددة، فهي تخفف من التوتر العصبي وتخفض الوزن وتقلل من ضغط الدم المرتفع. وإضافة الى هذه الفوائد هناك مزايا أخرى للرياضة، فهي تحسن الأداء القلبي الوعائي، وتزيد من الطاقة والنشاط والحيوية، وتقوّي العظام والعضلات وجهاز المناعة، وتعزز من الصحة النفسية. عدا هذا بينت دراسات عدة ان الرياضة تفيد في الإقلال من الجرعات الدوائية اليومية التي تؤخذ لخفض الضغط، ان قلة النشاط البدني تفتح الطريق للإصابة بارتفاع الضغط فعليكم بالرياضة لتفويت الفرصة عليه. * التقليل من الكافيئين: الكافيئين مادة منبهة تساهم في رفع ضغط الدم. ان احتساء فنجان قهوة يؤدي الى زيادة ضغط الدم لفترة عابرة تستغرق بين 20 و30 دقيقة ومن ثم يعود الضغط الى وضعه العادي، هذا إذا تم أخذ فنجان واحد، ولكن إذا تتالت الفناجين الواحد تلو الآخر طوال النهار وفي مسافة زمنية قصيرة، فالضغط سيبقى مرتفعاً لا محالة وهنا تكمن المصيبة. شيء آخر لا بد من التشديد عليه هو مشروبات الطاقة. فهذه ضالعة في رفع ضغط الدم والإصابة بأمراض القلب، وهذا ما تمخضت عنه نتائج دراسة أميركية أعلن عن فحواها في الجلسات العلمية لجمعية القلب في العام الماضي، فقد وجد الباحثون ان البالغين الأصحاء الذين يستهلكون علبتين من مشروبات الطاقة يومياً كان ضغط الدم عندهم أعلى من المعدل الطبيعي، أما السبب فيعود الى احتواء مشروبات الطاقة على مادتين هما الكافيئين والتاورين اللتان تساهمان في رفع ضغط الدم. * تقليل استهلاك الدسم: ان استهلاك الأطعمة القليلة الدسم له أثر فاعل في خفض ضغط الدم، وأحد الأدلة على هذا الدراسة الأميركية الحديثة التي قام بها باحثون من جامعة هارفرد حول طبيعة الأطعمة التي تناولتها حوالى 30 ألف امرأة في منتصف العمر وما فوق حيث تبين ان اللاتي تناولن كوبين من الحليب القليل الدسم يومياً ينخفض لديهن ضغط الدم بنسبة عشرة في المئة أسوة بغيرهن اللاتي أخذن الحليب الكامل الدسم. * تناول حليب الصويا: إن شرب حليب الصويا في انتظام يشد أرقام الضغط نحو الأسفل، وعلى هذا الصعيد أوضحت دراسة أجراها خبراء من جامعة ميشيغان الأميركية أن شرب ليتر من حليب الصويا يومياً لمدة ثلاثة اشهر يؤدي الى خفض الضغط في شكل مماثل للأدوية. * وصفة"داش": وهي عبارة عن برنامج غذائي يقوم على تناول كمية عالية من الخضار والفاكهة، إضافة الى تناول المكسرات ومنتجات الحليب القليلة الدسم وكميات قلية من السكريات والدهون المشبعة. * تناول المكملات: تناول المكملات الغذائية الغنية بمعادن مثل البوتاسيوم والماغنيزيوم والكالسيوم له أثر طيب في ضغط الدم. في الختام، هناك اكثر من بليون شخص في العالم يعانون من ارتفاع ضغط الدم وسيرتفع هذا الرقم الى بليون ونصف بليون في العام 2025 بسبب تقدم السن ونمط الحياة الذي يطغى عليه الخمول والكسل، وإذا عرفنا أن ارتفاع الضغط يعتبر السبب وراء السكتات الدماغية والقلبية وقصور الكلى فحبذا التحرك لكشفه باكراً وقبل فوات الأوان. وكشف الضغط يتم بالقياس الدوري، ويعتبر القياس بجهاز الضغط المنزلي الأصدق نظراً الى ما تخلقه عيادة الطبيب من جو الرعب الذي يرفع أرقام الضغط وبالتالي يساهم في تسجيل قراءات خاطئة توحي بوجود الإصابة بارتفاع ضغط الدم مع ان الواقع هو غير ذلك.