يسود التشاؤم الأوساط الاقتصادية الأوروبية من تداعيات أزمة الأسواق المالية التي بلغت ذروتها هذا الشهر بالنسبة للمصارف الأميركية الكبرى والمتعاملين باستثمارات صغيرة على حد سواء. ورأى خبراء أوروبيون أن الأزمة التي تصيب مركز النظام المالي العالمي منذ تفجر أزمة الرهن العقاري الأميركي في الصيف الماضي، ستقود إلى إعادة هيكلة النظام المصرفي والمالي في شكل تدريجي. واستفاد مختلف الأطراف من نهاية الأسبوع الجاري لالتقاط الأنفاس، بعد أن ذهلوا بسرعة انهيار مؤسسات مصرفية يفوق تاريخ تأسيسها مئة سنة، مثل"ليمان براذرز"وپ"ميريل لينش"و"آي إي جي"، وتدخل الخزانة الأميركية وتعاونها مع البنوك المركزية في أوروبا وبريطانيا وكندا واليابان، من أجل تنسيق عمليات التدخل وتسهيل الاقتراض في ما بينها وضخ أكثر من مئتي بليون دولار في غضون الأيام الماضية لتخفيف التوتر في أسواق المال. وتعجز البنوك ومؤسسات الائتمان الأوروبية عن وضع تقديرات نهائية للخسائر التي قد تتكبدها جراء إفلاس المؤسسات المصرفية الأميركية، وتنشر تقارير ذات أرقام مختلفة. لذلك قد تكون وقفة نهاية الأسبوع مجرد استراحة في انتظار ما ستسفر عنه المرحلة المقبلة. وفي حين أكدت وزيرة المال الفرنسية كريستين لاغارد في منتصف الأسبوع الماضي أن إفلاس المصرف الأميركي"ليمان براذرز""لن يكون سلبياً للغاية على المصارف الفرنسية"، أفادت مصادر متخصصة ان خسارة البنوك الفرنسية لغاية اليوم بلغت 17 بليون يورو، وأن 70 في المئة من مشتقات القروض التي أصدرتها مؤسسة"أي آي جي"الأميركية للتأمين وإعادة التأمين، أي 370 بليون يورو، توجد في مصارف فرنسية. وتتوقع المصادر ذاتها أن يطاول إفلاس المؤسسة الأميركية الكثير من البنوك الأوروبية والآسيوية. ولا يساعد استمرار الأزمة على جرد خسائر البنوك، إذ تظل المعطيات متفرقة وجزئية ومنقوصة. وخسرت أكبر ثلاثة مصارف بلجيكية 8 بلايين يورو، توزعت بين مصرف"فورتيس"4 بلايين يورو و"كي بي سي"بليونان و"ديكسيا"بليونان. وقال رئيس البنك المركزي الأوروبي جان-كلود تريشيه خلال اجتماعه الأخير مع نواب من أعضاء لجنة الشؤون المالية والنقدية في البرلمان الأوروبي:"تبعات الصعوبات التي تجتازها المصارف الأميركية تطاول مصارف أوروبية وأخرى في دول الخليج والأسواق الناشئة". ولاحظ خبراء أن البنوك الأربعة الأميركية، التي أفلس بعضها وقارب بعضها الآخر شفير الهاوية، تمثل أعمدة سوق"وول ستريت"، وتختلف عن البنوك الأوروبية بأنها تعمل في شكل أساسي في أسواق المال، بينما تجمع المصارف في أوروبا بين تعاملها في الأسواق وجمع مدخرات المواطنين. ويجمع هؤلاء على أن ضخ السيولة في أسواق المال لن يكفي لوقف أزمة النظام المصرفي. ويرون وجوب أن تشمل الحلول تشديد شروط القروض العقارية ومراقبة نشاطات المصارف وشفافية حساباتها، وإصلاح سير دول"مجموعة السبع"الغنية من أجل زيادة دمجها مع القوى الاقتصادية الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل ومجموعة دول الخليج النفطية. وتهدد الأزمة ثقة المستهلكين والمستثمرين على حد سواء وتدفع نحو تسارع هبوط معدلات النمو في السوق الأوروبية وخطر الركود في الولاياتالمتحدة. وأفادت نشرة"البنك المركزي الأوروبي"في عددها هذا الشهر، أن الناتج المحلي الإجمالي الخام لپ"منطقة اليورو"، تراجع 0.2 في المئة في الربع الثاني من العام الجاري وأن معدلات النمو الاقتصادي ستكون بمستوى 1.1 في المئة بعد توقع بلوغه نسبة 1.7 في المئة. كما تراجعت معدلات الاستهلاك بنسبة 0.2 في المئة وكذلك الاستثمار. وتراجع مصارف أوروبية شروط منح قروض الاستهلاك والعقارات، ما سينعكس على وتيرة الدورة الاقتصادية. وتوقع رئيس مجموعة"منطقة اليورو"15 دولة أوروبية جان-كلود يونكير أن تشهد المنطقة"نتائج غير مباشرة تنجم عن أزمة توتر الأسواق المالية، لكن المشكلة الحقيقية تظل في فقدان الثقة".