زيارة الرئيس الايراني، محمود أحمدي نجاد، تركيا مبادرة بالغة الاهمية. فالعلاقات التركية - الايرانية معقدة، وإيران هي محط انظار العالم جراء خلافها مع الغرب على ملفها النووي، واتساع نفوذها في المنطقة. وتزعج ايرانالولاياتالمتحدة، وتصيبها بالصداع. ولا تواجه واشنطن مشكلة مع نظام ايران الاسلامي. فالولاياتالمتحدة تربطها علاقات استراتيجية بعدد من الدول الاسلامية. ولكن ايران خرجت على النظام الغربي، وحاولت تقويض مصالح ذلك النظام، منذ 1979، تاريخ قيام الثورة الاسلامية، وفي الأشهر الاخيرة، تداول الغرب احتمال شن ضربة عسكرية على ايران. واكتفت الدول الاوروبية بفرض حصار على ايران وعقوبات اقتصادية، في حين بحثت واشنطن وتل ابيب في احتمال ضرب المواقع النووية الايرانية. ولكن ايران لا تستمد قوتها من نفوذها النفطي في السوق العالمية فحسب، ولا من مكانتها الجغرافية والاستراتيجية، بل من قدرتها العجيبة على استثمار الغضب الشعبي في المنطقة، جراء سياسات اميركا واسرائيل، قوةً سياسية تعمل بإمرتها. فالنفوذ الايراني ينتشر من طريق شيعة الشرق الاوسط، وييسر تدخل إيران في شؤون عدد من دول المنطقة. وليس لجم هذا النفوذ، وخصوصاً بعد احتلال اميركا العراق، يسيراً، ولو كان المتصدي له اميركياً. وهذا النفوذ يعوق قدرة أميركا على إقناع دول المنطقة بمساندة عمل عسكري يستهدف ايران. ويبدو أن سياسة فرض حصار اقتصادي وعقوبات على ايران هي السلاح الوحيد المتوافر بيد واشنطن. وليست تركيا جارة ايران وشريكتها الاقتصادية، في منأى من هذه السياسة. وهي تمتحن العلاقات التركية - الايرانية امتحاناً صعباً. فتركيا تواجه ضغوطاً غربية كبيرة تدعوها الى مساندة الغرب في سياسة عزل ايران والتزام العقوبات والحصار. وتحاول تركيا الوقوف في وجه الضغوط الغربية. وليس وراء الموقف التركي المصلحة المشتركة مع ايران في ملف القضية الكردية فحسب. فتركيا ترى ان انهيار دولة جارة مهمة في المنطقة مثل ايران، يقوض قوة تركيا وأهميتها. وترعى تركيا سياسة اقليمية تقوم على توازن القوى. وتبعث قوة دول المنطقة القوى الغربية والدولية على الحذر في التعامل مع تركيا. والحق أن سياسات"حزب العدالة والتنمية"الحاكم طورت سياسة تركيا الخارجية المعتدلة والمتوازنة. وشائبة هذه السياسة الوحيدة هي مبالغة اصحابها في التفاؤل. وقد تكون زيارة احمدي نجاد خطوة مهمة في اطار معالجة الملف النووي الايراني. ولكن تركيا لم تستفد من هذه الزيارة. ورفع التفاؤل التركي والميل الى المبالغة في الرهان على دور تركيا الاقليمي، مستوى التوقعات التركية. عن نوراي ميرت،"راديكال"التركية، 14/8/2008