غداً اليوم نفسه رواية متينة أخرى من ديمون غالغوت تصدر في بريطانيا عن دار أتلانتيك. الكاتب الجنوب أفريقي رشح لجائزة بوكر في 2003 عن"الطبيب الطيب"التي تناولت انحسار الآمال بعد زوال نظام التمييز العنصري. أخفى الخطاب الذي مجد الفجر الجديد والمصالحة في البلاد فساداً وجشعاً فاجرين أعادا الخائبين الى إحباطهم السابق. في"المنتحل"يروي غالغوت بلغة بسيطة سريعة قصة آدم المتوسط العمر الذي يخسر عمله وبيته في جوهانسبرغ، فيقصد منطقة نائية ويعد نفسه بكتابة الشعر مجدداً في هدأتها. يلتقي هناك رجلاً يدعي أنه كان زميله في المدرسة ويناديه بلقب كرهه واستند الى تبليله سريره ليلاً. يقابل غالغوت بين آدم السلبي، ضحية الأفرقة التي أهدت وظيفته الى رجل أسود، وكانينغ الحالم بالثراء عند تحويل الأرض التي ورثها الى ملعب غولف. يصادق آدم الرجل على الرغم من أنه لا يتذكره بتاتا، ويرتبط بعلاقة مع زوجته الشابة السوداء الجميلة. تهجو"المنتحل"حاضر أفريقيا الجنوبية، وترصد انجراف رجل بريء الى عالم إجرامي يغلق عليه. في أول الرواية يتساءل آدم عمن يمثل روح البلاد، هو الشاعر الحالم أو شقيقه المقاول المحتال الذي يختار التجهيزات الزهيدة الثمن للأبنية. جواب غالغوت المتشائم لا يحتاج الى معدل ذكاء مرتفع. وهو الوحيد البارز بين كتاب الجيل الجديد في بلاده، ويذكر بكوتسي من الحرس القديم الذي يشمل نادين غارديمر وأندره برينك. على جبهتين في قصة"تبدأ قصتنا"لتوباياس وولف الصادرة عن دار بلومزبري يقول راوي إحدى القصص إأن والده يحب أن يحكي قصصاً معقدة طويلة، لكنه ينهر ويصحح ويسبق الآخرين الى استخلاص العبر عندما يصغي الى قصصهم. يتجنب الكتاب تصوير عملهم رومانسياً بجعله وظيفة كغيرها، يقول الكاتب الأميركي، لكنه ليس كذلك في الواقع. الكذب نوع من الحكاية ويسمح غالباً بالتعبير عن صورة ما للحقيقة. كثيراً ما تشطح شخصياته، لكنها لا تكذب لتلهو بل لتحمي نفسها من المنافقين والمستبدين الذين يقابلون الخطأ بالعقاب كأنه ليس شأناً بشرياً. قديم القصص الواحدة والعشرين وجديدها سبق نشره، ويروي صراع البراءة والشك، التواصل والاغتراب. لا نهاية حاسمة لدى وولف بل معرفة قليلة بالنفس وسط حيرة المراهقة ومحاولة تحديد المصير. اشتهر بمذكراته، لا سيما منها"حياة هذا الفتى"التي حولت فيلماً مثل فيه ليوناردو دي كابريو وروبرت دي نيرو، وطغت خدمته في فيتنام على الذكور في كتبه فكانوا إما جنوداً أو خلعوا البزة لتوهم. على أن الحرب لا تتوقف عندما يتركون الجبهة فثمة قتال آخر ينتظرهم في السلام المزعوم للحياة المدنية. في قصة"انهيار الصحراء"يتخيل مارك، الذي أنهى خدمته، الحياة في لوس أنجليس:"كل شيء أمامه ولا تنقصه إلا فرصة". تتعطل سيارته فيترك زوجته الحامل وطفله في محطة بنزين مع أسرة من البيض المتعصبين، يتجه الى بلدة أخرى مع جماعة من البانك العدميين في عربة لدفن الموتى. يواجه المجهول هو وزوجته، وتصعب معرفة ما تؤدي إليه كلمة واحدة خطأ يتفوه بها أحدهما. في"انتظار الأوامر"يوافق رقيب في الجيش يخفي مثليته على مقابلة شابة يتجه شقيقها الفتي الوسيم الى الحرب في فيتنام. تعتقد الفتاة انه يتحرش بها فتصده، ويتمنى هو لو كانت رغباته تعود عليه بالنفع، لكنه يعرف انه كغيره، فالمحظوظ وحده من تفيده رغباته بشيء. يسافر الرجل الى فلوريدا للعناية بوالدته المحتضرة ويغضب من غزله المتحمس لمديرة دار دفن الموتى. يتوقف فور إدراكه"الدور الذي يلعبه، وإذعانه لإله الحب لكي يطمس خوفه من الموت ... تصور نفسه يمارس أكثر الكليشيهات استهلاكاً وحقارة وشعر بالإهانة وصقع جسده". في"العندليب"يصحب رجل ابنه الى أكاديمية عسكرية قاسية ثم يعيد النظر عندما تغلق البوابة خلفه. لم يعد، يعترف، يطيق وجود الفتى في البيت ورؤيته يقرأ أو يلعب مع كلبه أو يجلس حالماً من دون أن يفعل شيئاً. يدرك انه يحسده على طفولته التي تمناها لنفسه ويعود الى الأكاديمية لينقذ ابنه من عقاب لا يستحقه. في"طالبة ناضجة"تعود أم الى الجامعة وتكتشف أن إحدى مدرساتها تعرضت للتعذيب على أيدي أجهزة الأمن التشيكية في الحقبة الشيوعية. تفكر بابنها المتجه الى العراق وتتساءل عما إذا كان قادراً على مقاومة سلطته على أولئك الذين يكرهونه ويخافونه عندما يواجههم. في"قبلة عميقة"يبقى جو عقوداً على حبه لزميلة في المدرسة الثانوية على رغم من صده لها حينها. عندما يعلم بموتها يحس بالذنب ويعرف انه لن يغفر لنفسه بتاتاً. وجهان كان يكفي أن تبدأ بينيلوبي فيتزجرالد الكتابة في آخر خمسيناتها وتتمسك بالبساطة لكي تعتبر كاتبة من الدرجة الثانية. غير أن جوليان بارنز لا يجد صعوبة في إغداق أفعل التفضيل عليها لمناسبة جمع رسائلها في كتاب. كانت ببساطة أفضل الروائيين الإنكليز في زمنها، وعندما تحررت من استلهام حياتها ولجت بوابة العظمة. كتبت فيتزجرالد متأخرة مثل كثيرات غيرها من الكاتبات الجيدات، ولم تكتسب الحذلقة ومهارة ابتكار الجمل القصيرة الذكية مثل زملائها."فكرت بك: رسائل بينيلوبي فيتزجرالد"الصادر عن دار فورث استيت يظهر امرأة توقفت عند تفاصيل الحياة الصغيرة بدلاً من أن تتعالى عليها. كتبت لابنتها انها لم تذهب الى قراءة مسز بل لپ"الأرض اليباب"لكي تتجنب المترو فجرحت مشاعر المرأة التي أعدت سندويشات النقانق طبقاً لعدد المدعوين. نصحت بالتنظيف الشامل للبيت بدءاً من أحد الشعانين، ونظفت معطفها المفضل بفرشاة مبللة لكن الشعر بدا كأنه ينمو من المعطف نفسه بينما تدير ظهرها. أحبت الشاي صباحاً وصبغت شعرها به، وفتشت يوماً عن المفتاح وأطالت فوقف هرها ووضع قائمته الأمامية على ثقب المفتاح كأنه يخشى جهلها بمكانه. عندما سألتها"ذا غارديان"عن أمنياتها لعام 1998 قالت إنها ترغب بمنع السير في الطرق الفرعية وإعادة مغلفات الملح الى أكياس رقاق البطاطا. رشحت في 1979 لجائزة بوكر ونالتها عن"بعيداً من الشاطئ"بعد انقسام اللجنة حول"منعطف النهر"لنيبول وپ"الظلمة الظاهرة"لوليم غولدينغ واتفاق أعضائها أخيراً على الخيار الثاني. وبَّخها صحافيون على نجاحها لأنهم كانوا أعدوا مراجعة لرواية نيبول، وقال منقح كتبها ان الحدث سكنها حتى آخر أيامها. لم تكن المرة الأولى التي تعامل فيها كمتطفلة. عندما سألت ناشر روايتيها الأوليين إذا كان يجب أن تستمر قال إنه لا يريد أن يلومه الآخرون إذا فعلت، وإنها ما كانت أساساً لتجد ناشراً غيره يصدر كتابيها. أحبت كتابة السيرة عمن أحبتهم والرواية عمن كرهتهم، وإذ منحتها الأولى طاقة ومواظبة والثانية شعوراً حراً مخدراً، تداخلتا كما هو مألوف في الأدب. قالت إن أفضل رواياتها"الزهرة الزرقاء"لم تكن رواية في الواقع، ونالت عنها جائزة نقاد الكتاب الوطنية الأميركية 1998. آمنت بالإيجاز لأن"الأقل أكثر"وكتبت في لندن وحدها لأنها أحبت"الضجة والقذارة والإلهاء المستمر وإغراء ركوب طائرة الى مكان ما فجأة". لحظة عاطفية ثالث روايات الكاتبة السريلانكية - الأسترالية ميشيل دي كريستر تقتبس الكير من هنري جيمس ولا ترقى الى مستواه."الكلب الضائع"الصادرة عن دار شاتو أند وندوس بطلها أكاديمي يكتب عن هنري جيمس ما غيره، ويقع في حب فنانة صينية - أسترالية غامضة. يعيش معها في الريف حيث يختفي كلبه العجوز فيبحث عنه ثمانية أيام كاملة يمرّن خلالها ما يدعوها"عدته التحليلية الأساسية". يسترجع طفولته في الهند ويفكر بعلاقته بصديقته ويعرّج على الفن والفلسفة. والدته الهندية - الأوروبية التي أقعدها العجز تقترب من نهايتها، وتعيش بفضل شقيقة زوجها الأسترالية، والنص المتعلق بها هو أفضل ما في الرواية المشغولة اللغة الى درجة محبطة. لا يشد اختفاء الكلب القارئ، خصوصاً إذا كان عربياً لا يفهم غرام الغربيين بكلابهم وقططهم. سوء الفهم يزداد عندما تختار دي كريستر لحظة عاطفية مشحونة. أثناء بحث توم في الغابة"توقف ووجد انه ينظر الى كومة صغيرة من فضلات كلب قديمة. عندها انزلقت الدموع على وجنتيه".