حين سئل كبير مستشاري مرشد الثورة الإيرانية علي أكبر ناطق عقب لقائه الرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة يوم 31 كانون الأول ديسمبر الماضي عن الجدارية المعلّقة في أحد شوارع طهران لتمجيد خالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس الراحل أنور السادات، وأجاب بأن"هذه مسألة هامشية وجزئية وينبغي ألا تؤثر على علاقات البلدين"، سارع وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى تأكيد"أهمّيتها"راهناً تطوير العلاقات بين البلدين بالاتفاق حول"قضايا إقليمية"وفي جوهرها"مسألة الدّور"الدّور الإقليمي للبلدين و"قضايا أمنية"، من دون إغفال"المسائل الرمزية"ومن بينها الجدارية. وفتح فيلم"إعدام الفرعون"الذي أنتجته"اللجنة العالمية لتكريم شهداء النهضة الإسلامية"والذي يتعرض لما أسماه"الإعدام الثوري للرئيس المصري الخائن أنور السادات"على يدي"الشهيد خالد الإسلامبولي"، الجدل مجدداً حول العلاقات المصرية - الإيرانية، وجدوى التمسك ب"مسائل رمزية"في سبيل تطوير العلاقات بين بلدين مهمين في المنطقة. وباستعراض ردود أفعال الجانبين يمكن التأكد أن أيا منهما ليس في وارده التنازل عن موقفه بخصوص هذه"المسائل الرمزية". فمصر قابلت هذا العرض بهجوم إعلامي حاد على إيران و"ملاليها"و"الفرس"، ووصف كتاب مصريون قريبون من نظام الحكم الفيلم بأنه"وقاحة إيرانية"، واحتجت الخارجية رسمياً واستدعت مدير مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة السفير حسين رجبي وأبلغته أن فيلم"إعدام الفرعون"من شأنه التأثير على أي تطور إيجابي في العلاقات المصرية - الإيرانية. أما طهران ف"التزمت الصمت"إزاء هذا الاحتجاج ولم تنفِ أو تؤكد أي علاقة للدولة بهذا الفيلم. وفي حين سعى ديبلوماسيون إيرانيون إلى التخفيف من وطأة الأمر عبر استبعاد أن يكون للدولة أي علاقة بالمنتجين، إلا أنهم لم يعلنوا ذلك في بيان أو تصريح رسمي وإنما عبر تصريحات صحافية لديبلوماسيين لم يكشف عن هويتهم. ما يشير إلى أن طهران لا تريد نفي صلتها بمنتجي الفيلم. وربما يفسر تاريخ العلاقة بين البلدين هذه المواقف، فالعداء بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات والثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني العام 1979"ثقيل". فبعد أن كانت الدولتان حليفتين قبل الثورة أصبحتا"عدوّين"بعدها، فالرئيس السادات استضاف الشاه الذي كانت الثورة تطالب برأسه وتري في محاكمته"جزءاً من شرعيتها"ولأجل ذلك احتجزت الرهائن الأميركيين في سفارة بلادهم في طهران لإجبار الرئيس الأميركي جيمي كارتر على تسليم الشاه الذي توفي في 27 تموز يوليو 1980 ودفن بجوار ملوك مصر من دون أن تكسب ثورة الخميني"جولة"كانت تسعى إليها. إذ كان السادات يرى أن للشاه"جميلاً"على مصر حين ساعدها في حرب أكتوبر ويجب رد هذا الجميل. "الثورة"، من جانبها، ردت بقطع العلاقات مع مصر بسبب"تطبيعها مع الكيان الصهيوني الغاصب"وشن قادتها هجوماً حاداً على السادات وصل إلى حد"السّباب"وأقسم الخميني"أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تعيد علاقاتها بمصر إلا إذا مزقت اتفاق كامب ديفيد". والرئيس المصري قابل هذه الردود بهجوم على"العمائم السود"وتأييد العراق في حربه ضد إيران. ومن ثم فإن الأمر لا يتعلق بمجرد"مسائل رمزية"وإنما ب"شرعية"، فالثورة الإسلامية في إيران جزء كبير من شرعيتها اكتسبته من العداء ل"الكيان الصهيوني الغاصب"ومقاطعة"الدول المطبّعة"معه، ومن ثم فإن أياً من المسؤولين الإيرانيين لن يخرج لينفي علاقة الدولة بفيلم يهاجم الرئيس السادات أول رئيس عربي يوقع اتفاق سلام مع إسرائيل التي يتنبأ الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ب"زوالها". وكذلك تتمسك"الثورة الإيرانية"بجدارية ترى فيها"تجسيداً لعدائها لإسرائيل ورفضاً للسلام معها"، وبالتالي هي جزء من شرعية الثورة أو على الأقل شعبيتها. أما مصر فلا يمكنها أن تقبل سباً في حق السادات"بطل الحرب والسلام"عند كثير من المصريين، ولا تمجيد قاتله الذي قاد تحركاً"لقلب نظام الحكم". فنظام الرئيس حسني مبارك هو أيضا يكتسب جزءاً من شرعيته من تحرير طابا عبر عملية تفاوض مع إسرائيل انتهت بقبول التحكيم الدولي وفق ما نص عليه اتفاق"كامب ديفيد"الذي تصفه في إيران ب"الحقير". ومن هذا المنطلق يمكن تفسير مسارعة أبو الغيط إلى تأكيد أهمية"المسائل الرمزية"بعد أن رآها كبير مستشاري خامنئي بأنها"غير جوهرية". وأخيراً، فإن الحوار الذي بدأته القاهرةوطهران في أيلول سبتمبر الماضي من أجل تسوية الخلافات الإقليمية والسياسية بينهما تمهيداً لاستئناف العلاقات الديبلوماسية يتمثل البلدان بمكتبين لرعاية المصالح يرأس كلاً منهما ديبلوماسي بدرجة سفير، يبدو أنه فشل في إحداث اختراق في هذا الصدد إذ توقف بعد جولتين من دون الإعلان عن أي نتائج له.