على رغم كل الإمكانات المتاحة للشباب السويسريين في التعليم والصحة والتأمينات الاجتماعية والخدمات، إلا أنهم لا يثقون بالمستقبل في شكل كبير، وينظرون إلى حياتهم بعد ربع قرن من الآن وكأنها أحد مشاهد أفلام الميلودراما، عناصرها الأساسية الوحدة والبحث عن عمل لائق وبيئة مليئة بالمشكلات. وفي استطلاع للرأي بين أكثر من 1500 شاب وفتاة تراوح أعمارهم بين 16 و25 نشرته الأسبوع المنصرم وكالة"بلاس"السويسرية لأبحاث المستقبل، توقع 80 في المئة منهم أن يعانوا الوحدة في سن الخمسين، وانه لن تكون لديهم القدرة على تكوين صداقات أو علاقات بدافع التواصل الإنساني. هؤلاء الشباب الذين يبدون في قمة المرح والسعادة في الطرقات أو على أبواب الديسكو أو السينما أو في الحدائق العامة، يعتقد الناظر اليهم أنهم في علاقة صداقة حميمة ستدوم حتى آخر العمر، لكن غالبيتها سطحي ومن دون أية أواصر. پيقول جوليانو 20 سنة:"نعم لدي أصدقاء ويمكن أن نلتقي في أي وقت لقتل الفراغ، ولكنني أدرك أن الحياة لا تسير على منوال واحد، قد يرحل أحدهم أو بعضهم أو حتى كلهم، بحثاً عن وظيفة أو رغبة في التغيير وسيكون كل منا وحيداً في ما بعد، فقد جمعتنا يوماً ما أوقاتاً سعيدة ثم انتهت، لتبقى بعض الصور على الخيلوي قد يتم محوها أيضاً لاستعادة ذاكرة الجهاز". لكن جوليانو يرى أن صعوبة تكوين الصداقات مستقبلاً مع سن الخمسين تكمن في تغيير نمط الحياة نفسه،"سأكون موظفاً هنا أو هناك، ولا أستطيع أن أجزم بأن زملاء العمل سيكونون أيضاً أصدقاء في أوقات الفراغ". يقول، ثم ينظر متجهماً إلى المجهول، ويزيد:"لا أدري... أعتقد فعلاً أنني سأكون وحيداً". أما الزواج وتأسيس أسرة فهو غير وارد في تفكير 88 في المئة من الشباب المشاركين في استطلاع الرأي، فهم يرونه قيداً للحرية الشخصية ومخاطرة غير مأمونة العواقب. تقول تيريزا 22 سنة:"لا أثق بصديقي، وهو يعلم ذلك ولا أدري إن كانت علاقتي به ستتواصل سنوات أخرى، وهو أيضاً لا يستطيع أن يضمن لي ذلك، ربما نفترق وربما يجد فتاة أجمل مني وقد يروق لي شاب في مركز مرموق". پثم تصمت قليلاً قبل أن تضيف:"قد أرحل إلى مدينة أخرى بحثاًَ عن عمل وهو بالتأكيد لن يغامر بالاستقالة من أجلي، وقد يفقد وظيفته فنفترق، باختصار علاقتنا وقتية مثل علاقات بقية الشباب، نحن لا نعرف ماذا سيأتي غداً، بل أغلبنا يعتقد أن المستقبل سيكون أسوأ من الحاضر". وعندما تسألها عن الزواج تبتسم قائلة:"هو الاستعداد دائماً لتقديم تنازلات وتحمل مسؤوليات، ولا ادري إن كنت سأتمكن من تحقيق هذا كله أو لا، ليس لدينا أفق واضح عما سيحدث غداً، يمكنني أن أفكر في ذاتي وفي أسلوب حياتي أو الطريق التي سأسلكها ولكن لا يمكنني أن أشرك معي أحداً في هذا التفكير"ثم تلتفت فجأة وتضيف بنبرة مرتفعة:"هكذا يفكر جيلنا لا تعتقد أنني حالة خاصة". وعلى رغم تلك النظرة المتشائمة أو المتخوفة من الزواج إلا أن 88 في المئة من شباب سويسرا اليوم يرغبون في أن يحل عليهم عامهم الخمسون ويكون لديهم أطفال، ولا يهمهم إن كان تحت سقف علاقة زوجية، فطفل واحد على الأقل هو برأيهم أحد مستلزمات الحياة. والمشكلة كما يشرح بعض الشباب ممن تحدثوا إلى"الحياة"هي في الجمع بين الوظيفة ورعاية الطفل، فالنظام لا يسمح بعطلة أمومة أكثر من 3 أشهر، وتكاليف دور الحضانة تلتهم جزءاً كبيراً من الراتب، والمربيات لا وجود لهن إلا لدى العائلات الثرية جداً، ومن ترغب في بناء مستقبلها الوظيفي لا يمكنها التفكير في رعاية الأطفال فيقع الاختيار على المستقبل الوظيفي أولاً ثم الأطفال في مرحلة متأخرة إن سمحت الظروف.پ