الزواج المختلط سمة أساسية للعالم الحديث نتيجة تطور وسائل الاتصال وازدياد الحركة بين البلدان سياحة وتجارة وإقامة. لكن التجربة السعودية في هذا المجال مختلفة إذ أن معظم الزيجات كانت بين الطلبة السعوديين المبتعثين ومواطنات البلد الذي يدرسون فيه. والسبب ان السعودية عاشت حالة ابتعاث كثيفة استمرت حوالى ثلاثين سنة حتى أن عدد المبتعثين يتجاوز 300 ألف طالب وطالبة. وكانت عمليات الابتعاث، في المرحلة الأولى تشمل الطلبة الجامعيين ما يعني دخول شباب على حافة العشرين الى مجتمع يجهلون قيمه وتقاليده، وربما لا يعرف بعضهم أساسيات لغته. ويبدو ان من أبرز اسباب اقدام السعوديين على الزواج من اجنبيات هي العلاقة الخاصة المباشرة بين الطرفين، أو بمعنى أدق "العلاقة العاطفية الرومانسية" كما يحللها الدكتور أبو بكر باقادر. هذه العلاقة تمتص حالة الاغتراب الحادة والموحشة والإحساس بالضياع في مجتمع مدني متطور. وبناء على فشل بعض الزيجات يمكن القول أن التعلق العاطفي لم يكن واضح الملامح وإنما كان مرتبطاً بحالة الغربة والبحث عن مؤنس، لذا ما ان يتماسك الفرد ويألف طبيعة المجتمع ويمتلك مفاتيحه يصبح الزواج مهدداً بالخطر. ومن المؤكد ان معظم الزيجات تمت بين طلاب وزميلات مقاعد الدراسة بسبب الألفة والتعايش والاحتكاك اليومي، ولأن معظم الطلاب، حينها، لم يكونوا قادرين على بناء علاقات خارجية لجهلهم بالمجتمع وضعف لغتهم. ومع ان هذه الظروف يفترض ان تدفع بالطلاب السعوديين للزواج المكثف من الخارج الا ان التجربة العملية تؤكد ان النسبة متواضعة جداً ولا تصل 5 في المئة في احسن الاحوال نتيجة حالة الحذر لدى السعوديين وترددهم في الزواج من أجنبيات بسبب التباين الحاد في القيم الاجتماعية ورفض الاهل لمجرد الفكرة اصلاً. كما انهم ينتمون الى مجتمع محافظ سيكون من الصعب تعويد الزوجة على الالتزام بقواعده الصارمة. أما الطلبة العمليون فيلجأون الى حل وسط يتمثل في "الزواج بنية الطلاق" إذ يتزوج الفتاة وحالما تنتهي دراسته يطلقها وكأنه ينسلخ من التجربة بأكملها. ومن الاسباب التي قللت من حالات الزواج أن بعض الاهالي كانوا يرفضون ان يذهب ابنهم للخارج وحيداً خوفاً عليه من الفساد والانحراف لذا يسلّحونه بزوجة قبل ان يتجاوز الحدود. لكن حالات الزواج المستمرة حالياً تؤكد ان طلاباً ارتبطوا مع زميلاتهم بعلاقة حب قوية تمخضت عن اطفال، واتسمت بالاصرار على المحافظة على هذا الزواج على رغم معارضات الاهل او تحفظاتهم او صعوبات الاجراءات او حتى التعايش الاجتماعي. ولا توجد احصاءات دقيقة عن عدد حالات الزواج الاجمالية الا أن عدد السعوديين المتزوجين حاليا،ً حسب السفارات الاوربية، اقل من ثلاثة آلاف. للبريطانيات الحصة الكبرى إذ تبلغ نسبتهن 25 في المئة، والاميركيات 17 في المئة، والألمانيات 7 في المئة . أما الجنسيات الاخرى فهي اقل بالطبع. وبالنسبة الى الزواج من العربيات فإن الارقام معدومة كلياً مع ان المشكلة لا تبدو ظاهرة لأن معارضة الاهل تكون، عادة، ضعيفة لتشابه القيم والتقاليد وبشكل اهم وحدة الديانة. كما ان عدد الطلبة المتزوجين من عربيات اقل لأن درجة الاغتراب شبه معدومة. ولعل الصعوبة الوحيدة في الزواج من عربيات هي التصاريح الرسمية. ويظل للزواج المختلط سلبياته الاجتماعية الحادة خصوصاً في ما يتعلق بالاطفال ومصيرهم حال انتهاء العلاقة الزوجية. وهي مشكلة لا تنشأ غالباً الا بعد عودة المبتعث مع زوجته للوطن حينما تتكشف حدة التباين الاجتماعي والسلوكي. لبحث هذه المسألة عبر تجارب فعلية التقت "الحياة" عدداً من الشباب السعوديين الذين تلقوا تعليمهم في جامعات مختلفة خارج الوطن وعادوا بزوجة او بخيبة أمل. وسواء انتهت التجربة بالنجاح أو الفشل اجتمعت آراء أصحاب تلك التجارب على وجود عدد من المصاعب التي تغلف قصص الزواج من غير السعودية، منها تأخر التصاريح اللازمة لإتمام الزواج بطريقة رسمية، كما عبر البعض عن استيائهم لوجود كثير من التعقيدات التي تتمثل في اختلاف القواعد والقوانين الخاصة بالزواج بين الدول، ما يؤدي الى نتائج سلبية بالنسبة للاطفال في حال فشل الزواج. يحدثنا محمد اليوسف متخرج من إحدى الجامعات الاميركية: "ذهبت لأميركا بعد تخرجي من الثانوية مباشرة منذ اكثر من عشرين عاما، كنا مجموعة مكونة من ستة أصدقاء لا نفترق، بدأنا مشوار تعلم اللغة الإنكليزية معا إلا ان عددنا بدأ في التناقص لعدم تكيف البعض مع ظروف المعيشة المحيطة بنا، ولم يتبق منا في النهاية سوى اثنين انا وصديق آخر". ويضيف اليوسف: "في بداية الدراسة الجامعية تعرفت إليها، كانت فتاة في الثامنة عشر من عمرها شقراء جميلة وخجولة في الوقت ذاته، اعجبتني وأعجبتها فبدأت الصداقة بيننا، تطورت بعدها الأمور لتصل الى حب عميق. هاتفت اهلي في السعودية لأخذ المشورة والرأي إلا انني فوجئت بمعارضة تامة وبرغبة الوالد في اقتراني بإبنة خالي التي لم أعرفها إلا وهي طفلة، أصررت على موقفي وتزوجتها دون الرجوع للأهل مرة أخرى". يتوقف محمد قليلا ليشير الى أن بداية الحكاية هي نفسها بداية مأساته بالزواج بأجنبية، إذ ان زواجه استمر خمس سنوات هي فترة دراسته أنجب خلالها طفلاً وقبيل الرجوع الى الوطن لم يجد زوجته او ابنه، واضطر للرجوع وحيداً. ويؤكد اليوسف: "لا يحدث دائما ما حدث لي ولكن، نصيحتي للشباب التروي في الاختيار وعدم الانخداع بالمظاهر، ثم لابد من إقناع الأهل وعدم معارضتهم". ويطرح أحمد المصري تجربة مختلفة فهو تزوج بريطانية أثناء دراسته الجامعية ثم عاد بها الى السعودية حيث "تكيفت بسرعة مع الأجواء المحيطة نظراً لاحتواء الأهل والأصدقاء المقربين لها، ما جعلها تعتنق الإسلام عن اقتناع بعد ذلك"، ولكن هذا الزواج السعيد والذي استمر سبع سنوات وأثمر عن طفل وطفلة لم ينته بسبب التباين أو رفض الزوج البقاء أو الاختلاف في وجهات النظر، بل وقع الطلاق لإنشغال الزوج بالعمل والسفر المستمر وعجز الزوجة عن تحمل هذا الوضع. ولأن الأمور لا تسير دوماً على وتيرة واحدة. التقت "الحياة" آخرين لهم قصص سعيدة مع الزواج من الأجنبيات، ومنها قصة سالم عبدالرحمن الذي أنهى دراسته الجامعية في جامعة بوسطن وتزوج من زميلة دراسة اميركية من اصل عربي، وجاء بها الى ارض الوطن وهما متزوجان منذ ثماني سنوات ولهما طفلان. وتأتي قصة عبدالعزيز الزهراني مشابهة تقريباً للسابقة، إذ ذهب للدراسة في سن التاسعة عشرة الى بريطانيا وتعرف الى زوجته الايرلندية الجنسية هناك. يقول الزهراني: "في البداية واجهت معارضة الاهل، الا اني ترويت حتى حصلت على اول اجازة دراسية ورجعت للسعودية واقنعت الوالد حفظه الله ان يبارك لي زواجي لأني لا أريد ان افعل شيئاً دون موافقته، وكان لي ما أردت". وعن حياته الحالية يشير الزهراني الى ان ثلاث سنوات مضت منذ عودته مع زوجته الى ارض الوطن تكيفت فيها الزوجة مع طريقة المعيشة والحياة الاجتماعية حتى ان البعض يعتقد انها سعودية من ام اجنبية. في المقابل، هناك من فضل الدراسة في بعض الدول العربية وكان من الاسهل الزواج من تلك الدول لتقارب العادات والتقاليد اضافة الى ان الديانة واحدة في غالبية الاحيان. عبدالله احمد التحق بجامعة القاهرة في اواخر السبعينيات وتعرف الى زوجته وهو في العام الدراسي الثالث، وعندما اراد الزواج واجه مشكلة التصريح، فاضطر للزواج دونه، وبعد عامين صدر التصريح وجاء بزوجته الى السعودية. ويؤكد عبدالله انه لولا مشكلة تأخر اصدار تصاريح الزواج من اجنبيات لما كان هناك أية عقبات خاصة عند الزواج من دولة عربية شقيقة كمصر او سورية. الدكتور أبو بكر باقادر استاذ علم الاجتماع في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة يشير الى ان قرار الزواج أياً كان هو قرار شخصي يخص الطرفين الراغبين في الارتباط ببعضهما سواء كانا من جنسيتين مختلفتين ام لا. إلا ان الشاب السعودي الراغب في الزواج من اجنبية لا بد له من التعرف على القوانين والقواعد التي تحكم الزواج وحضانة الاطفال وما الى ذلك قبل الاقدام على التجربة، حتى لا يقع في مناورات تفرضها عليه الفروق بين الاديان والظروف الاجتماعية والمسائل القضائية. ويؤكد باقادر على ان احد أهم اسباب اندفاع الشاب السعودي للدخول في تجربة الزواج من اجنبية يتمثل في ان العلاقات بين الذكور والاناث والتي لم تكن متاحة له في السعودية تنتشر بشكل واسع في الخارج. وبالتالي فإن الاغراءات تكون كبيرة جداً وتؤدي الى حدوث علاقات قد تنتهي بالزواج. كما يبرر باقادر جاذبية هذا النوع من الزواج باختلاف الظروف التي تجعل الشاب يقدم عليه، إذ تدخل الجوانب الرومانسية ويحدث التعاون والقبول والاستعداد بين الطرفين قبل الشروع فيه. ولا يعتقد باقادر ان هذا النوع من الزواج مصيره الفشل دوماً، لكنه يشدد على ضرورة تعرف كلا الطرفين على الظروف الاجتماعية والثقافية والقانونية للآخر قبل الخوض في التجربة، ويرى انه كلما زادت قدرة الزوجة على التكيف والاندماج على الظروف المعيشية للزواج حرصت على دمج أبنائها في المجتمع ليصبحوا جزءا منه، وبالتالي لا يواجه المجتمع جيلاً هامشياً يمكن ان يظهر إذا حدث العكس.