تصافح رجال الدين والفكر ممن يمثلون الديانات والمعتقدات الفكرية والفلسفية في أنحاء العالم، أمس في مدريد، محملين بالأمنيات الكبيرة بأن يكون المؤتمر العالمي للحوار، باباً في اتجاه إيقاظ الضمير، وطريقاً نحو الأمن والسلام بين الأمم والشعوب. وفي ردهات فندق اوديتوريم مدريد، التقى الفرقاء الغربيون من أصحاب الديانتين المسيحية واليهودية مع أنظارهم الشرقيين ذوي المعتقدات الفلسفية والعرب المسلمين. تصافح رجال الدين وتبادلوا الأحاديث العامة، قبل أن يجلسوا على مقاعد قاعة الحوار. انتفت في ما بينهم الفروقات الأيدلوجية، وهم يؤكدون على مبدأ أن الحوار لغة العقلاء ومن خلاله سيتشكل العالم من جديد. ومن الغرب الأميركي الى الشرق الأقصى في الصين، حضرت شخصيات محسوبة على المؤسسات الفكرية والدينية. حيدوا الخلافات السياسية والتاريخية، واتفقوا على الحوار من أجل العالم. يرى حاضرو المؤتمر في أحاديث خاصة مع"الحياة"أن فكرة المؤتمر جريئة وقوية، وهو ما يؤكده القس الأميركي جيسي جونسون، إذ يقول:"هذا التجمع من شأنه أن يغير الحالة الفكرية في العالم باتجاه السلام". وقال:"يجتمع هنا رجال من مختلف الأديان والمذاهب ليجدوا أرضية مشتركة للوصول الى السلام، من خلال وقف التسلح ومواجهة الفقر والمرض والجوع، وهو ما يجب البدء بعمله بعد هذا الحوار مباشرة". وهناك من يعتقد أن الدين هو الطريق لفك أزمات العالم، وهو ما يؤكده رئيس الطائفة السريالية الارثوذكسية في حلب بسورية المطران يوحنا ابراهيم، الذي يجد في المؤتمر فرصة للتقريب بين الأديان، كما أن دعم شخصية كبيرة كالملك عبدالله لها مدلول عظيم". يضيف:"يجب علينا كرجال دين أن نبين للعالم، أن رسالة الاديان محبة وسلام، ونقف في وجه من يوظف الأديان للمصالح الشخصية، ونوجه خطابنا الى كل من يفكر في دمار العالم، مشدداً على ضرورة متابعة ما سيعقب هذا المؤتمر من قرارات تخدم الانسانية". هذا المؤتمر لم يقتصر على أصحاب الديانات السماوية والمعتقدات الشرقية فقط. فسوامي أغني، يمثل فرقة أريا سماج الهندية، وهي تجمع روحي من كل الديانات، نشأت قبل 135 عاماً، ويعتنقها نحو 10 ملايين انسان في انحاء العالم، معظمهم في الهند. يقول اغني، انه سيقدم ورقة عمل خلال المؤتمر يطالب فيها بوقف التسلح، خصوصاً من جانب الولاياتالمتحدة، والالتفات الى قضايا الجوع والفقر حول العالم، لأنها هي القضايا الأهم، وهي التي يُصنع من خلالها الإنسان. وعلى رغم أن ديانته غير معترف بها في الأممالمتحدة، بحسب قوله، إلا أنه يؤكد أنهم موحدون ويعبدون الله، ويأملون بعودة السلام والمحبة الى هذا العالم. ومن بين الحضور رجل دين ينتمي إلى فئة من السيخ تقطن ولاية نيويورك الأميركية. بدا بلباسه الهندي التقليدي وذقنه الطويل. يقول السيد بيسك إن هذا المؤتمر يجمع كل ديانات العالم في مكان واحد من اجل الأخوة والانسانية والسلام. يعتقد أن هذا المؤتمر كان من المفترض ان يقوم قبل هذا الوقت بزمن، ويؤكد أن رجال العالم أجمع يجب أن يكون لديهم يقين بأن الرب واحد في كل الأديان. ويمثل الجانب المسلم في هذا المؤتمر عدد كبير من رجال الدين، من مختلف الطوائف والدول. من بينهم رجال دين يقومون على إدارة المراكز الإسلامية في أوروبا، وتقع عليهم مسؤولية كبيرة في تفعيل قرارات هذا المؤتمر. "رفع الظلم واحلال السلام، والتعايش بالقواسم الانسانية المشتركة، هي الصورة التي سيكون عليها المؤتمر". هذا ما يقوله رئيس المركز الاسلامي الثقافي في بروكسيل الدكتور عبدالعزيز اليحيى. ويؤكد أنه وجميع مسلمي أوروبا ينظرون بنظرة تفاؤل كبيرة للمؤتمر، ويعولون عليه لتحقيق فعلي لمبدأ الحوار من اجل التعايش ما بين الشعوب والوقوف الى جانب الحق، خصوصاً انه برعاية عربية سعودية وفي حضن دولة أوروبية. وبين أن هناك تواصلاً من جانبهم كمؤسسة دينية في عاصمة أوروبا، مع الاتحاد الاوروبي على المستويين الحكومي والشعبي، لإيصال الصورة الواضحة عن الحوار وعن الاسلام كدين سلام، وزاد"سنحرص على ترجمة بيانات المؤتمر وتوصياته لخلق رؤى واضحة حول كيفية التعامل مع الآخرين على اختلاف عقائدهم، من خلال المؤسسات الرسمية والدينية في أوروبا". سيكون الطريق للآخر من خلال القيم المشتركة التي دعت إليها الرسالات الإلهية، والتي أنزلت من الرب - عز وجل - لما فيه خير الإنسان والحفاظ على كرامته، وتعزيز قيم الأخلاق، والتعاملات التي لا تستقيم والخداع، تلك القيم التي تنبذ الخيانة، وتنفر من الجريمة، وتحارب الإرهاب، وتحتقر الكذب وتؤسس لمكارم الأخلاق والصدق والأمانة والعدل، وتعزز مفاهيم وقيم الأسرة وتماسكها وأخلاقياتها التي جار عليها هذا العصر وتفككت روابطها، وابتعد الإنسان فيه عن ربه وتعاليم دينه. خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مؤتمر "الحوار" يكشف عن فقر عالمي في "نساء الدين"! حيّا قليل من النساء اللاتي حضرن الجلسة الثانية من جلسات المؤتمر العالمي للحوار، مداخلة رجل الدين الهندي اثا سوامي، بتصفيق حار، بعد أن أثار سؤالاً حول غياب النساء عن هذه التظاهرة الإنسانية، قائلاً:"لا أجد أخوات كثيرات، نصف العالم لم يحضر". ولكن رئيس الجلسة الدكتور صالح بن حميد رد سريعاً على سؤال سوامي، قائلاً:"أنتم لا تعطون النساء مناصب دينية، لذلك هن غير موجودات". وتبين من خلال أسماء المشاركين على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم في المؤتمر العالمي للحوار أن ليست من بينهم مشاركات نساء، واقتصر التواجد الأنثوي على بعض المرافقات من زوجات ومساعدات، وعدد من النساء العاملات في المؤتمر من موظفات التنظيم والمرافقة، وصحافيات من مؤسسات إعلامية من أنحاء العالم. ويبدو أن سؤال رجل الدين الهندي كان يداعب أذهان الكثير من حضور المؤتمر. وفي إحدى ردهات الفندق تجمعت ثلاث نساء مسلمات، عرفن أنفسهن بأنهن زوجات لمشاركين في المؤتمر قدمن من أميركا. إحداهن وهي زوجة الدكتور سيد سيد فضلت عدم ذكر اسمها، تؤكد أن غياب المشاركة النسائية في مؤتمر يدعو للإنسانية"أمر غير منطقي". تبين هذه السيدة أن المشاركة النسائية في النشاط الاجتماعي والديني في الغرب، أفضل منها بمراحل في البلاد المسلمة، وتقول إنها تعمل كناشطة إسلامية، وأن المرأة في الغرب لديها كل الحقوق وتمارس الدعوة بشكل واضح من دون أية منغصات، لكنها تتحفظ على الطريقة التي تعامل بها المرأة في بعض البلدان الإسلامية،"الإسلام حرر المرأة ولولا النبي محمد لما وجدت حتى الآن، ولكنها اليوم مقيدة بالتقاليد والأعراف في كثير من البلدان الإسلامية". وتتداخل معها سيدة أخرى، هي زوجة الدكتور مزمل صديقي، ذات الأصول الهندية،"فضلت كذلك عدم ذكر اسمها". تقول حول هذه القضية: "النساء سيكن أكثر سعادة بالمشاركة، لكنني لا أدري ما السبب في عدم وجودهن، يجب عليك أن تسألهم". وتضيف"نشعر أننا غير مرحب بنا، لكننا ندفع أنفسنا للتواجد هنا، على الأقل لنكون إلى جوار أزواجنا". أما السيدة أمينة أحمد وهي محاضرة في جامعة كامبردج البريطانية، جاءت برفقة زوجها المشارك في المؤتمر، فتؤكد أن هذا المؤتمر هو مجرد بداية لتاريخ من المؤتمرات المقبلة، وسيكون للمرأة دور هام في المستقبل، ولكنها ذهبت إلى أن"غياب المرأة عن الحضور، خصوصاً المرأة المسلمة، سببه ثقافي في المقام الأول وليس دينياً". وتبين السيدة المسلمة التي كانت تجلس بين حضور جلسة أمس الصباحية أن المرأة يمكن أن تكون سيدة دين ومفتية وتعمل في القضاء، مستدلة على ذلك بالسيدة عائشة زوجة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، التي روت ثلث الحديث الشريف، وان التاريخ الإسلامي يزخر بقصص سيدات تخصصن في الشؤون الدينية. وتطالب:"فقط أعطونا الفرصة".