نجحت المملكة في تحويل مبادرتها للحوار بين الأديان إلى مبادرة أممية تبنتها ودعت إليها دول العالم على مستوى القمة الأسبوع الماضي. واستمرت "قمة حوار الأديان" لمدة يومي الأربعاء والخميس 12- 13نوفمبر 2008، دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلالها وفي كلمته في اليوم الأول إلى العدالة والتسامح لبناء مستقبل يسوده العدل والأمن والحياة الكريمة ومحاربة الظلم والخوف والفقر. كما دعا إلى أن نجتمع على الأخلاق والمثل العليا التي تؤمن بها جميع الأديان. وكان خادم الحرمين الشريفين قد أطلق الدعوة لحوار فعال بين الأديان خلال اللقاء الحواري العربي-الياباني الخامس في 24مارس 2008، وكلف رابطة العالم الإسلامي بالتنظيم للمؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي عقد بين 4- 6يونيو 2008والتي جمعت خمسمائة عالم دين مسلم من كافة دول العالم الإسلامي لتأسيس مبادئ الحوار مع الأديان الأخرى. ومن ثم تمت الدعوة مباشرة إلى لقاء مع أتباع الأديان والعقائد الأخرى في مدريد بين 16- 17يوليو من عام 2008أيضاً. ويأتي لقاء القمة الأسبوع الماضي لينقل مبادرة الحوار إلى مستوى أممي تبنته الأممالمتحدة. ولا شك أن الحوار بين أتباع الديانات سواء كانت سماوية أو غير سماوية أمر مهم في عصرنا الحالي ليجري مع المسلمين نظراً للأثر الذي غدا يلعبه الدين اليوم في عالمنا المعاصر من تقديمه الأيديولوجيا الفكرية الموجهة لكثير من السياسات. وهذا التوجيه ليس قائماً بالضرورة على المستوى الرسمي ولكن بشكل أعم على المستوى الشعبي والذي يعد أكثر إشكالية وخطورة لعدم إمكانية السيطرة عليه. ومبدأ الحوار مع الأديان الأخرى يعني بشكل رئيس الاعتراف بحق هذه الأديان في الوجود وفي الاحترام، ولا يعني بتاتاً أن يكون القصد منه الإقناع بفوقية دين على آخر أو بصحة دين عن دين آخر أو بحمل دين للحقيقة المطلقة على أي دين آخر، ولا أن يكون الغرض هو التبشير بدين ما لدى أتباع الديانات الأخرى. فالدعوة للإسلام، على سبيل المثال، لا تتم في هذه المحافل وليس هذا موقعها أو مقصدها. وعندما نأتي إلى قضية "من" يتصدى للحوار بين الأديان؟ نجد أن غالبية الأديان تشترك في قصرها التمثيل على العالِم والفقيه والعابد "الرجل". وهي مشكلة تدركها نساء كثيرات في العالم لاسيما عالمات الدين في كل ديانة، ويرفضنها ويطالبن في كل محفل بحقهن في أن يمثلن أنفسهن بأنفسهن، وبحقهن في العبادة وفي الاعتقاد وفي المساواة الدينية بين المرأة وبين الرجل. وكانت أحد آخر هذه اللقاءات التي تدعو لتنظيم الصف بين النساء المهتمات بحق النساء في التمثيل الديني، في فيينا بين 23- 25يونيو 2008بدعوة من وحدة "الحوار بين الثقافات" في وزارة الشؤون الأوروبية والدولية النمساوية لثلاث وعشرين امرأة من أتباع الديانات السماوية بالإضافة لواحدة تمثل العقيدة البوذية، من قطاعات اللاهوت، الدراسات الاجتماعية، القانون، الجمعيات غير الحكومية، وتاريخ المرأة، الذي مثلته الكاتبة بالإضافة إلى د. هدى لطفي من مصر، وذلك لمناقشة موضوع "الحوار بين الأديان وبين الثقافات من وجهة نظر نسوية" تحضيراً لمؤتمر أكثر عمومية سوف يعقد الشهر القادم بالتعاون مع جامعة الدول العربية. وكان الاكتشاف المثير أن موضوع تهميش النساء على مستوى المشاركة في الحوار الديني أو النقاش الديني على أي مستوى لم يكن قصراً على النساء المسلمات وإنما تعاني منه المسيحيات واليهوديات أيضاً وإن كان بنسب متفاوتة نظراً لوجود قوانين في الدول الغربية تحارب التمييز ضد المرأة، ولوجود منظمات نسوية قادرة على التأثير في المجتمع المتدين بشكل خاص. كما كان الاكتشاف الآخر بالنسبة للمسلمات التعرف على قيادات نسائية متخصصة في الفقه والشريعة والقانون ومتصديات لقضايا المرأة المسلمة منذ سنوات طويلة في دول مختلفة من العالم الإسلامي والعالم الغربي مثل البروفيسورة رفعت حسن (باكستان-أمريكا) والدكتورة نعمت حافظ برزنجي (سوريا-أمريكا) والدكتورة نايره توحيدي (إيران-أمريكا). وما أتمناه هو ألا نختم مشروع الحوار بين الأديان بمنطلقاتنا المحلية التي تقلل من قدرة المرأة على المشاركة في الحوار الديني أو تقلل ربما من قيمة دينها وعقيدتها. وكان مؤسفاً أن يصرح أحد المشاركين في مؤتمر مدريد للحوار بين الأديان في رد على تساؤل حول عدم وجود نساء بين المتحدثين، بقوله: "حين توجد زعامات دينية نسائية في العالم ستصبح هناك متحدثات" (الشرق الأوسط 2008/7/18). فغريب على هذا المتحدث أن لا يكون على معرفة بالزعامات الدينية النسائية في العالم الإسلامي بل ويعمم عدم معرفته بالعالم الإسلامي إلى العالم أجمع. كما آمل أن تكون هناك مصالحة ما بين موقفنا السلبي من المرأة، وبين دورنا الدولي إن كان المقصود به عملاً إنسانياً حقيقياً. @ مؤرخة وكاتبة سعودية