في عصر الصورة تغيب التفاصيل والبدايات عن معظم المتلقين للأخبار والمعلومات، وتصبح المعلومات الخاطئة من كثرة ترددها حقائق مسلمة عند الجمهور. وفي هذه المرحلة التي يمكن تسميتها"عصر المراجعات"والتي تشهد حالة من النقد الذاتي من قبل عدد من الرموز والجماعات الإسلامية، بسبب الحصاد المر للتجربة والنتائج الهزيلة إن لم تكن المدمرة، وأيضاً بسبب النضج العمري والعلمي نوعاً ما ? أغلب القيادات التي أعلنت تراجعاتها في عقدها الخامس الآن!! - قد يكون من المفيد أيضاً دراسة سبب تحولات عدد من رموز هذه التيارات أصلاً إلى خيار العنف والتطرف بدرجاته وأشكاله المختلفة. من الرموز المتحولة للعنف أسامة بن لادن الذي كان يميل لحركة الإخوان المسلمين والذي كان في الثمانينات يرفض تكفير الحكام العرب، وأيضاً أيمن الظواهري الذي نشأ في جماعة"أنصار السنة المحمدية"التي كانت تعد نسخة منقحة من جماعة"الدعوة والتبليغ"، وأبو قتادة عمر محمود. يمكن أن نعتبر أبا قتادة نموذجاً مناسباً لدراسة أسباب ومبررات التحولات إلى العنف، فهو شخص متعلم وصاحب علم وخطابة مؤثرة، كما أنه كان يمتلك رؤية مضادة لفكر العنف والتطرف. أبو قتادة نشأ مع"جماعة التبليغ"وعمل لفترة من الوقت في دائرة الإفتاء العسكري وخدم في السجن العسكري، ما أتاح له التعرف الى بعض النشطاء الإسلاميين من المساجين وبقيت له علاقات وثيقة ببعضهم بعد خروجهم من السجن، بعدها تحول إلى ما يسمى بالسلفية الإصلاحية. لم يكن يرى كفر الحكم بغير ما أنزل الله بالمطلق، بل يعتقد أن الحكام هم حماة للإسلام، كما كان من أشد المناوئين ل"حزب التحرير"وجماعات الجهاد، ولم يكن يخفِ ذلك. فقد ناظر وناقش قيادات في"حزب التحرير"وكذلك الشيخ أسعد بيوض التميمي حين ناصر ثورة الخميني تراجع التميمي عن ذلك في ما بعد كما كان له نقد ورفض واضح لكافة تجارب الانقلابات والثورات التي قامت بها جهات إسلامية كحادثة الكلية الفنية في مصر، وأحداث جهيمان في مكةالمكرمة وغيرها، وكان يرى أنها تضر بالأمة الإسلامية ولا يستفيد منها سوى القوى اليسارية وإسرائيل، ولذلك كان له نشاط بارز في محاربة الفكر الشيوعي واليساري الثوري. وكان أبو قتادة يؤمن بالمشاركة السياسية والدخول في اللعبة الديموقراطية، ففي انتخابات عام 1989 في الأردن، حثّ المصلين في خطب الجمعة على المشاركة في الانتخابات النيابية. حدث ذلك في مسجد الخلفاء الراشدين بمنطقة رأس العين بعمّان، وقام بزيارة مرشحي الإخوان في منطقته، وأيدهم ونقل بعض الناس إلى صناديق الاقتراع بسيارته، وكان يعيب على التيار السلفي العام في الأردن بعده عن المشاركة السياسية. أصبح أبو قتادة شخصية معروفة في الأوساط السلفية في الأردن وخارجه نوعاً ما، فزار الإمارات والتقى بعبد الله السبت الناشط السلفي الغامض، وتواصل بعدها مع بعض التيارات الجهادية الفلسطينية الناشئة وخاصة تيار منير شفيق ? بعد تحوله من الماركسية إلى الإسلام-، وذلك في بدايات الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وقد فشل في تأسيس عمل جماعي بسبب فقدانه للخبرات التنظيمية وشخصيته الحادة التي لا تصلح لبناء فريق عمل، وتعد نشرة" المنار"والتي صدر منها خمسة أعداد فقط نتاجاً لهذه التجربة غير الناجحة والتي تقاطعت فيها رؤيته مع رؤية بعض من تعرف اليهم سابقاً في السجن، كما أن اختيار شعار حسم ليكون اختصاراً ورمزاً لهذه التجربة كان نتيجة اجتهاد شخصي من أحد المقربين لأبي قتادة. حين احتل العراقالكويت عام 1990 كان لأبي قتادة موقف حاد من غزو حزب البعث أو صدام للكويت، وكان هذا بداية الصدام بينه وبين الأجهزة الأمنية الأردنية، ويبدو أن الصدام والصدمة كانا كبيرين، فعلى رغم أنه كان قريباً عاطفياً على الأقل من الملك حسين، لكن الموقف الاردني الرسمي من أحداث الكويت وتعامل الأجهزة الأمنية معه، فجرا في داخله تناقضاً رهيباً وأخرج الى السطح فكراً مكبوتاً، وقد يكون رافق ذلك مؤثرات خارجية. وعند هذه المرحلة قفز أبو قتادة إلى الجانب الآخر، جانب التطرف والعنف والمسار الانقلابي الذي كان يحذر منه سابقاً. بعد هذا الاستعراض لمسيرة أبو قتادة يبرز السؤال المركزي لماذا تحول الرجل لخيار العنف والتطرف والمنهج الثوري الذي كان يحاربه؟؟ ما هي المبررات والدوافع؟ المعلومات والإجابات المتعلقة في هذا الشأن وتفاصيله شحيحة ومتناقضة، ولم يتم بحثها من قبل في شكل علني أو علمي. أقرب المقربين اليه مختلفون في أسباب ودوافع ما حدث له من تحولات، فمنهم من يرجعها لسبب نفسي هو إعجابه وثقته الزائدة بنفسه مع حبه للزعامة، ومنهم من يرجعها إلى المؤثرات الخارجية التي استغلت نفسيته التواقة للزعامة مع ظروف اختلال التوازن الفكري نتيجة تصادمه مع الواقع، حيث وجد أن فكره السياسي المندمج في الحكومات القائمة لم يكن صحيحاً. ففي هذه المرحلة تصادم أبو قتادة مع الشارع الأردني المؤيد لصدام وحزب البعث، وتصادم مع الأجهزة الأمنية، وكانت هناك فجوة بينه وبين أصدقائه المقربين بسبب فساد مالي وإداري في مشروع تجاري فيه تجاوزات شرعية! ظهر اثر هذه الصدامات على سلوك أبي قتادة من خلال عزوفه عن صلاة الجماعة في المساجد وتفرّغه لمشاهدة مباريات كرة القدم!! في هذه المرحلة التي عزف فيها أبو قتادة عن المجتمع نوعاً ما كان يتردد عليه بعض الشخصيات غير المعروفة للمقربين منه، وكان يصفها بأنها كوادر يسارية قيادية تركت يساريتها بفضل جهوده معها. وقبل خروجه من الأردن، التقى أبو قتادة وفداً من"جبهة الإنقاذ"الجزائرية وضم محمد سعيد مخلوف، ويبدو أن علاقته بالجزائر والجزائريين بدأت من هنا، وبعدها قام في شكل مفاجئ لمعارفه ومناقض لفكره المعروف بزيارة سجناء جيش محمد في الجفر!! ومن هنا بدأت مسيرة تحولاته نحو التطرف والعنف.