تمكن أبو مصعب الزرقاوي في السنوات الأولى من الحرب في العراق من تصدر التيار"السلفي الجهادي"في الأردن وفي غيره من دول المنطقة، متقدماً بذلك على شيوخ لطالما كان لهم تأثير اكبر في أوساط التيار. لكن بعد مقتل الزرقاوي الذي سبقته تفجيرات عمان في العام 2005 برزت حاجة في اوساط هذا التيار، وهو حاضنة"تنظيم القاعدة"الى إجراء مراجعة للتجربة وما جرّته على ناشطيه وعلى المجتمعات التي احتضنتهم. خرج ابو محمد المقدسي من السجن، وهو من ابرز الوجوه في"السلفية الجهادية"في العالم وتصدى للمهمة فأثار زوبعة كبيرة في الوسط"السلفي الجهادي"، لكن الأهم من ذلك ان حركة المقدسي التي اقتربت من مراجعات موازية في مصر والجزائر وغيرهما من الدول، اشرت الى قضية تصدع"تنظيم القاعدة"بفعل"الحرب على الإرهاب"وغيرها من الحروب الموازية. "ليتولى أبو محمد المقدسي مهمة تبريد الأجواء بين"السلفية الجهادية"وبين أجهزة الأمن الأردنية، فهذا لا يعني انه اصبح قائدها، فبكلمتين وطلقتين نستطيع استعادة زمام المبادرة ونقل زعامة التيار الى أي قائد ميداني آخر"، هذه العبارة قالها احد الأفغان الأردنيين رداً على سؤال عن رأيه بتولي المقدسي مهمة"مراجعة"مواقف"السلفية الجهادية"في ضوء تجربة ابو مصعب الزرقاوي في العراق، إذ اعتبر المقدسي في"رسائله"ان"غلواً اصاب الدعوة"ودعا الى الرجوع عن"تكفير المختلف في المذهب والرأي"ناهيك بتحفظه عن استهداف المدنيين و"جهاد الأنظمة". ومن الواضح أن أبو محمد المقدسي منظر التيار"السلفي الجهادي"في الأردن والخارج لتوه من السجن قد أثار حفيظة شرائح واسعة من عناصر"التيار السلفي الجهادي"في الأردن ودفع عدداً من ناشطيه الى إطلاق اتهامات في حقه وصلت في بعض الأحيان الى حد تكفيره أو تحميله مسؤولية أي فشل قد يصيب"الدعوة". لكن في المقابل صار من المؤكد ان المقدسي تمكن من انتزاع ولاء ما يفوق الثمانين في المئة من"أبناء الدعوة"في الأردن ناهيك بتأثيره خارج المملكة. في الأردن ضجيج يعم بيئة"المجاهدين"جراء"مراجعات"المقدسي، لكن ما يتعدى هذا الضجيج يكمن في حقيقة ان هذا التيار الذي لطالما غذى"تنظيم القاعدة"ونسخه المختلفة في الضفة الشرقية وخارجها أصابته انتكاسة الصحوات في العراق وعجز القيادة على الحدود الباكستانية الأفغانية عن استمرارها في تغذية الناشطين بأفكار وامكانات وتعليمات. فالمراجعات ناجمة من دون شك عن تعثرات وعقبات، وعن فشل وربما هزيمة. فالمقدسي خرج من السجن عاقداً العزيمة على استعادة المبادرة من"الغلاة الميدانيين"في اوساط"السلفية الجهادية"، اما ما يوجه اليه من اتهامات من"زرقاويي التيار"عن الارتباط بالأجهزة الأمنية الأردنية فيبدو غير ذو قيمة حتى لو حمل قدراً من الصحة، اذ ان الأهم هو ان استجابة واسعة لدعاويه قد حصلت، و"الجهاديون"في عمان يتحدثون عن حفل زفاف نجل أحد شيوخ"السلفية الجهادية"في اربد هو ابو محمد الطحاوي حضره أكثر من ثلاثة آلاف من أبناء"التيار"، كان بمثابة بيعة لأبو محمد المقدسي الذي حضر العرس فكان المناسبة الأولى للقاء مناصريه منذ خروجه من السجن قبل اشهر قليلة. وفي ذلك الحفل الذي التأمت فيه"السلفية الجهادية"أطلقت أناشيد عابرة لساحات"الجهاد"في أفغانستان والعراق، وتوزع الحاضرون في حلقات أستعيدت فيها ذكريات"الخروج"وانعقدت نقاشات كان المقدسي نجمها. يجمع ناشطون"جهاديون"من خصوم المقدسي في الأردن على ان انفراجاً في العلاقة بينهم وبين الأجهزة الأمنية ترافق مع خروج الأخير من السجن، فيقول"أبو قتيبة"انه منذ اشهر لم يُطلب للتحقيق وانه وكثيرين من"الأخوة"يتجولون وينشطون اجتماعياً ودينياً من دون حذر، لكن"أبو قتيبة"لا يحفظ للمقدسي جميلاً في هذا. لا شك في ان للانتكاسة في العراق دوراً في دفع"التيار السلفي الجهادي"في الأردن وفي غيره من الدول الى إعادة التفكير في"معضلاته". الأمر أشبه بعملية تشظ أصابت الشبكة الرئيسة للتيار والمتمثلة بتنظيم"القاعدة"، وفي هذا المعنى فإن مسار"المراجعة"منعقد على إخفاق في العمل وليس على ان ثمة من أنتج ظروفاً مختلفة عن تلك التي صنعت"القاعدة". وفي هذا المعنى من المتوقع ان يستأنف"الجهاد"نشاطه ما ان يتاح له ذلك، وان يقول أبو قتيبة:"نستطيع بكلمتين وطلقتين استعادة زمام المبادرة من المقدسي"فهو يعني ما يقول، ولهذا الافتراض قرائن كثيرة في التجربة الأردنية. يقول حسن أبو هنية الذي خبر"السلفية الجهادية"كناشط فيها في البداية ثم كمراقب وباحث لاحقاً،"ان من طبيعة هذه الظاهرة تقديمها القادة الميدانيين على المشايخ والمنظرين. هذا ما يفسر تقدم أبو مصعب الزرقاوي الفتوة والمقاتل على أبو محمد المقدسي المنظر والمفتي"، والأمثلة على افتراض أبو هنية كثيرة، منها تقدم اسامة بن لادن على عبدالله عزام، وأيمن الظواهري على الدكتور فضل... واليوم يبدو ان تصدر المقدسي التيار في الأردن هو بمثابة استكانة بانتظار المحطة المقبلة، فالظروف المحيطة بنشاط"السلفية الجهادية"هذه الأيام عاجزة عن انتاج قائد ميداني يتولى دفة التيار بعد مقتل الزرقاوي، إذ لا شيء يوحي بأننا في مرحلة أفول الظاهرة، ناهيك بأن الحل الأمني للظروف التي انتجتها لم يقترن ببحث فعلي وحلول للأزمات المحلية وغير المحلية. إذاً مقتل الزرقاوي وما اعقبه من تراجع في"ساحات الجهاد العراقية"كانا عاملين حاسمين في تصدع البيئة"الجهادية"في الأردن، لكن عاملاً ثالثاً مرتبطاً بهما سجله المراقبون في سياق رصدهم تراجع التيار، ويتمثل في تفجيرات فنادق عمان عام 2005 والتي نجم عنها وبحسب استطلاعات الرأي انخفاض في معدلات التأييد لظاهرة الزرقاوي في عموم مناطق المملكة، بحيث فقدت"القاعدة"عناصر حماية اجتماعية كانت تتمتع بها في اوساط الأردنيين. قد يتيح الموقع الجديد ل"السلفية الجهادية"في الأردن استطلاعاً أوسع لما أصاب التيار في اعقاب تصدع"القاعدة"، فناهيك عن ظاهرة المراجعات في مصر الدكتور فضل والجزائر الجماعة السلفية للدعوة والقتال- جناح حسان حطاب والأردن رسالة ابو محمد المقدسي مناصرة ومناصحة ثمة انشطارات ميدانية في اكثر من اتجاه تتمثل في جماعة"فتح الإسلام"في لبنان و"جيش الأمة"في غزة، وفي هذا السياق تأتي ايضاً ظاهرة الصحوات في العراق وان مثلت خروجاً كاملاً عن الخط"الجهادي للقاعدة". إذ من الواضح ان"القاعدة"خلفت تركة ثقيلة قابلة للاستثمار، من دون ان يعني ذلك انعدام فرص استيقاظ التنظيم الأم مجدداً. بيئة"السلفية الجهادية"في الأردن تزدحم هذه الأيام بنقاشات حول هذه العناوين، المقدسي على ما يبدو يتجه بحسب مقربين منه الى ما يسمونه"إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية"بعد ان اهملتها"السلفية الجهادية"سنوات طويلة. واعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية سواء في ادبيات التيار او في انشطته يوقظ مقداراً من القضايا التي تشغل الناشطين"الجهاديين"في الاردن بدءاً بإعادة الاعتبار لقتال"العدو القريب"على المستوى النظري ووصولاً الى السعي للاتصال بمجموعات في غزةوالضفة الغربية تمُت ل"السلفية الجهادية"بقرابة ما. على المستوى"النظري"تشكل قضية إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في وعي"المجاهدين الأردنيين"مراجعة للتجربة بدءاً من قرار عبدالله عزام إعطاء ظهره للأرض المحتلة في فلسطين وتوجهه الى ارض"الرباط"في افغانستان في اواسط ثمانينات القرن الفائت، هو الفلسطيني الذي شارك في معسكر الشيوخ الذي انشأته حركة"فتح"لشيوخ انشقوا عن الأخوان المسلمين الأردنيين في بداية سبعينات القرن الفائت، وإنشاءه بيت الأنصار في مدينة بيشاور الباكستانية، الذي كان النواة الأولى التي انعقد حولها تنظيم"القاعدة"في السنوات اللاحقة. لكن عبارة"إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية في اجندة السلفية الجهادية"التي يتداولها ناشطو التيار القريبون من ابو محمد المقدسي أثارت بدورها حفيظة"زرقاويي"التيار، فهي بحسبهم تستبطن اتهاماً بإهمالهم القضية الفلسطينية طيلة الحقبة السابقة، ومن جهة اخرى تمثل خطراً من جهة احتمال انزلاقها ب"لازمة حب الأوطان". ولهذا باشر زرقاويو التيار حملة عبر مواقع الإنترنت استهدفت المقدسي، وتولى آخرون الرد شفهياً ووجاهاً مشهرين بالرجل وبتاريخه"الجهادي". أما الجانب العملي من قرار الجماعة لفت انظارهم الى القضية الفلسطينية يعني مباشرتهم البحث عن موطىء قدم في غزة اولاً وفي الضفة الغربية ثانيا،ً من دون إغفال طموحات داخل الخط الأخضر. علماً ان السنوات الثلاث الفائتة شهدت بعض إشارات في هذا السياق، ورصدت الأجهزة الأمنية الأردنية صلات بين جماعات"سلفية جهادية"في مدينة الزرقاء ونظراء لها في الضفة وغزة. والخلاصة السريعة التي يمكن سوقها هنا تتمثل بتأكيد فرضية توطن"القاعدة"بعد تشظيها كتنظيم دولي، وضرب شبكاتها العابرة للأوطان، علماً ان المعنى الفلسطيني لهذا التوطن يفوق غيره اهمية لجهة كثافة المعاني التي يمثلها. ف"السلفية الجهادية"في الأردنفلسطينية بالدرجة الأولى، ناهيك بأنها في العالم كله لا تخلو من اثر فلسطيني بدءاً من"السلفية المهاجرة"التي يعتبر أبو قتادة الفلسطيني شيخها في لندن، ومروراً بلبنان شاكر العبسي وقبله أبو محجن ووصولاً الى الأردن عبر وجوه"الجهاد"متمثلة بالمقدسي وابو أنس الشامي مفتي القاعدة في العراق وزين العابدين حسن مسؤول العمليات في التنظيم الدولي والمعتقل لدى الولايات المتحدة الأميركية وقبل هؤلاء جميعهم الشيخ عبدالله عزام. التوطن يعني بالنسبة الى"السلفية الجهادية"في الحالة الفلسطينية انهاء عقود من الهيام على الوجوه في بلاد الله الواسعة والعودة الى عقدة"الخروج"الأولى، اذ ان الاستعاضة عن فلسطينببيشاوروافغانستان ومن ثم العراق مثّل إخفاقاً واستبطن إخفاقاً آخر، يتمثل الأول بالاستعاضة عن الوطن بفكرة تدين الطموح الى وطن، فيما يتمثل الثاني بفشل مواز للفكرة البديلة فاقم من مرارة الإخفاق الأول ولم يثمر الا عن مآسٍ موازية. والعودة الى"فلسطين"بالنسبة الى"السلفية الجهادية"الأردنيةالفلسطينية عودة الى مربع فيه محترفون آخرون سبقوا"مجاهدي القاعدة"الى هذا الميدان، ولكنهم ارتبطوا بقضايا"القاعدة"العالمية بصلات متفاوتة. انهم يساريو فتح وآخرون ممن ربطتهم بإسلامية القضية الفلسطينية وعروبتها وشائج متفاوتة، وهم اليوم وبعد ان فقدوا جاذبيتهم في مطحنة الإخفاقات أعادوا الرهان على تلك البيئة"الممانعة"المتمثلة في مجتمع"السلفية الجهادية"فأقاموا مؤتمر"حق العودة"في دمشق ودعوا اليه بعضاً من ابناء الدعوة السلفية بما يوحي بأن ثمة إعادة نظر متبادلة بين المجموعتين قد تقربهما من بعضهما. ربما تمثلت"الحلقة المركزية"التي انعقدت عليها"مراجعات"السلفية الجهادية في الأردن في ما أصاب"القاعدة"من تصدعات بفعل"الحرب على الإرهاب"وإخفاقات"الجهاد في العراق"، وهو ما يجمع مراقبون أردنيون على وصفه ب"موت الكرّاز من دون فناء القطيع". ولهذه المعادلة ارتدادات اخرى تتمثل في احتمالات توظيف فئات ارتبطت ب"القاعدة"أو شابهتها في مشاريع موازية. فسجون الأنظمة في الدول المجاورة صارت مليئة بالجانحين الى"الجهاد"بعد ان انتفت وظائفهم وانعدمت سبل زجهم بالساحة العراقية، او على الأقل انحسرت الى ادنى مستوياتها، وبعد ان كنت تسمع من مناصري"السلفية الجهادية"في المدن الأردنية حكايات عن"الغائبين"في العراق وقبلهم في افغانستان، صاروا اليوم يتحدثون عن نزلاء في السجون السورية. أسماء كثيرة يوردها"جهاديو"الأردن ل"اخوان"لهم يرقد اصحابها في السجون السورية، مثل جهاد القشة وعاهد خريسات وابو انس، ويشير مصدر اسلامي أردني الى ان هناك اكثر من 20"جهادياً"اعتقلوا في الفترة الأخيرة في سورية. ثم ان الجديد الثاني في حكايات هؤلاء عن اخوانهم الغائبين يتمثل في حضور غزة بصفتها"ساحة جديدة"عبر جماعات جيش الأمة، وفتح الإسلام في فلسطين، وكتائب الناصر صلاح الدين، وجيش الإسلام. يقول أبو هنية"ان من طبيعة السلفية الجهادية استبطانها ميلاً انشطارياً، وهو ما يفسر كثرة الجماعات التي تنضوي تحتها من دون وجود قدرة على توحيدها. فالحدث الواحد بإمكانه ان يثمر إنشاء جماعة مستقلة، وهو أمر يعود الى ميل الناشطين الى مبايعة قادة ميدانيين تفرزهم الأحداث والوقائع"، وما يقوله ابو هنية تثبته وقائع كثيرة، اذ لطالما برز"قادة"ميدانيون في هذا التيار كانت فضيلتهم الوحيدة تصدرهم حدثاً واحداً زج بهم في الواجهة. انها مثلاً حال محمد الشلبي أبو سياف الذي التقط عام 2003 فرصة حصول احداث شغب لأسباب مطلبية في مدينة معان الأردنية، فتولى قيادة التحرك وحوله الى"قضية خروج"واعتقله بعدها الأمن الأردني ليتحول الى أحد رموز"السلفية المقاتلة". وهذه المعادلة تفسر الى حد بعيد ما قاله اعلاه أحد أعضاء"السلفية القتالية"عندما أشار الى نشاط المقدسي، والمتمثل بعبارة"... بكلمتين وطلقتين نستطيع استعادة زمام المبادرة من المقدسي"فهذه الجملة قد تكون أحد المفاتيح الرئيسة لفهم الظاهرة. فالمقدسي شيخ ومنظر، فيما"السلفية الجهادية"تنصاع للقادة الميدانيين حتى لو خرج هؤلاء من سجون زجوا فيها بتهم لا تمت الى"الجهاد"بصلة. فالزرقاوي نفسه كان فتوة قبل تحوله سلفياً، وكذلك أبو سياف وعشرات غيرهما من"القادة الميدانيين للقاعدة". لكن"المراجعات"الأردنية تحولت مناسبة الى تقصي أحوال ظاهرة"السلفية الجهادية"من مختلف وجوهها، فبين قائل بفلسطينية جذورها وبين مثبت عالميتها او أمميتها يتوزع الباحثون والمتقصون، فيما تجمع غالبيتهم على ثوابت لا تمت الى تعريفاتها الأولية بصلة. فثمة تأكيد مثلاً على انها تجمع بين راديكالية قصوى وبراغماتية قصوى، اذ انها مستعدة للتعامل مع الأنظمة الى اقصى الحدود في الوقت الذي تكون متحفزة للانقضاض على هذه الأنظمة. ودائماً يستعمل الاستنتاج في محاولة تفسير ما يجرى اليوم في اوساطها في الأردن. فاندراج المقدسي في عملية تشبه المراجعة للمرحلة السابقة وتحفظ على الكثير من محطاتها، والتفاف اكثر من 80 في المئة من"ابناء الدعوة"حوله، لا تعني اطلاقاً صفاء نية حيال الدولة وتنكراً للتجربة السابقة سواء لناحية الأساليب او لناحية الأستهدافات. انها مرحلة يتقاطع فيها الأنتظار بمصلحة عقد هدنة، في حين يدرك طرفا المعادلة الأمنية ان لا شيء نهائياً في هذه العلاقة. فالبيان الذي وقّعه عشرات من وجوه"السلفية الجهادية"مؤخراً في الأردن والذي اثنوا فيه على مواقف المقدسي واعتبر تراجعاً عن المرحلة الزرقاوية، في هذا البيان ومن بين الموقعين من عاد وتنصل منه بحيث وقف على مسافة تتيح اعتباره موقعاً في المقابل اعتباره منسحباً. ومن المتراجعين الشيخ ابو قتيبة المجالي وهو من بلدة معان، أما أبرز الموقعين فهم عمر مهدي من اربد وجواد الفقيه من عمان وأبو محمد العابد من الزرقاء. ويبدو ان للتوزيع المناطقي وظيفة في تفسير ترابط الشبكات"الجهادية"في الأردن، اذ ان ذلك يتيح للراغب في ربطها شبكة واضحة من قنوات النفوذ، ولمن يرغب في مراقبتها ايضاً. الأرجح ان ما يجرى داخل"السلفية الجهادية"في الأردن ناجم عن إخفاق اصاب"جوهرة التيار"أي تنظيم"القاعدة"وتحديداً في العراق، لكن الظاهرة التي اقلقت الأردن ومعظم دول المنطقة والتي نمت وترعرعت في احضان مجتمعات ودول ما زالت تستبطن احتمالات الأستيقاظ طالما ان ما اصابها ناجم عن عمل امني وملاحقات وجهود جيوش، اذ لم تشهد دولة واحدة سعياً موازياً لمحاصرة اسباب تفشيها، ثم ان مشكلات كثيرة لم تجد طريقها الى الحل هي من دون شك من روافد انتشار الظاهرة. في الأردن تلوح القضية الفلسطينية وما نجم عنها من مآس ومعضلات مغذياً فعلياً للظاهرة، بحيث ثمة من يقول ان"تنظيم القاعدة"هو فلسطيني قبل ان يكون أي شيء آخر، ولوجهة النظر هذه قرائن كثيرة عرضنا بعضها هنا. نشر في العدد: 16688 ت.م: 12-12-2008 ص: 14 ط: الرياض