سلفيون جهاديون يرفعون علم «القاعدة» عمان – علاء الفزاع أبو السكر: هناك إخوان تحولوا إلى جهاديين بسبب قمع الأمن. أبو هنية: تنظيم إخوان الأردن “تسلَّف” منذ السبعينيات والثمانينيات. تتراوح العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية الجهادية بين ما هو سياسي وما هو فكري، تتأرجح بين العداء والتداخل، ما هي طبيعة تلك العلاقة المعقدة بين الجماعة التي صعدت إلى الحكم في بلدانٍ عربية وتتهيأ لتسلمه في أخرى، وذلك التنظيم السري الذي ما إن يتراجع في بلد حتى ينمو في بلد آخر؟ هل هناك خيوط سرية وغير مكتشفة بين من يحملون البنادق ومن يملأون الميادين ويحصدون الأصوات في الصناديق؟ وعلى مدار ثلاث حلقات رصدت «الشرق» تفاصيل هذه العلاقة المعقدة بين الإخوان والجهاديين متخذةً من الحركات الإسلامية فيها مثالاً للبحث والنقاش.وفي الحلقة الأخيرة من الملف “الإخوان المسلمون والسلفية الجهادية.. بين العداء والتداخل” تحاول “الشرق” الإجابة عن السؤال الأصعب “كيف تحول الإخوان إلى أهم خزان بشري للسلفية الجهادية؟”. لا ينكر قادة وأعضاء الإخوان في الأردن وقوع انتقالات من الجماعة إلى التيار الجهادي، ولكنهم يعدونها رد فعلٍ على القمع الأمني الذي تمارسه الدولة تجاه السياسيين، وفي هذا الصدد يقول الشاب في “إخوان الأردن”، يمان غرايبة، إن التشدد الموجود عند الإخوان أو في المجتمع عموماً هو نتيجة ضغوط وممارسات الدولة “وضحايا القمع يصبحون عادة متشددين، ويتراجع الاعتدال تحت ضغط مشاعر الرغبة في الانتقام”، حسب قوله. وفي الإطار ذاته، يرى القيادي في إخوان الأردن، المهندس علي أبو السكر، أن عجز الجماعة أو عدم قدرتها على تحقيق الأهداف التي وضعتها بسبب تعسف الأنظمة الموجودة وعدم قبولها حتى بالطروحات المعتدلة والوسطية دفع بعضا من الإخوان إلى الخروج عن هذا الفكر لاعتقادهم أن ذلك الفكر الوسطي لن يحقق أهدافه، وبالتالي اتجهوا اتجاهاً آخر فيه نوعٌ من التطرف فالتحقوا بجهات أخرى. أما السلفي الجهادي في الأردن، سعد الحنيطي، فيضع تفسيراً مغايراً لهذه الانتقالات من جماعة الإخوان إلى التيار السلفي الجهادي، حيث يقول، “المشكلة التي كان يعاني منها شباب الإخوان أنه لا يوجد هنالك حاضنة تربوية وتنظيمية تستقطبهم بخلاف جماعتهم، فإذا وجدوا شخوصا أو مفكرين أو تنظيماً معيناً يلبي طموحاتهم تجدهم يتحولون، والأدلة كثيرة جداً على ذلك ولكن لا أملك أرقاماً محددة، إذ نجد بعضاً من يحملون درجة الدكتوراة في الشريعة الإسلامية يتحولون من التيار الإخواني إلى ما يطرحه ويتبناه التيار السلفي الجهادي”. تجربة شخصية وعن تجربته الشخصية يؤكد الحنيطي أنه لم يكن إخوانياً أو مقرباً من الجماعة وإنما تعاون معهم في حدودٍ معينة في فترة النشاط الطلابي في الجامعة. ويكمل الحنيطي، “في بواكير نشاطي الطلابي كان لي مواقف ضد كثير من الأشياء التي يطرحونها ويتبنونها، ووقتها لم يكن هناك شيء يمثل التيارات السلفية الجهادية في الجامعات بحيث نستطيع أن نعمل معه”. ويتحدث الحنيطي عن لقاءات بين السلفيين الجهاديين وعدد من شباب الإخوان، مشيراً إلى أن توافق الجهاديين مع الإخوان أكبر على مستوى الشباب. ويضيف، “هناك اتصالات بيننا، وقد زارتني مجموعات من شباب الإخوان بعد خروجي من السجن العام الماضي، وكان بعضهم يتمنى تعاوناً أكبر بين التيارين، لكنهم في كثيرٍ من الحالات يعانون من مسألة هم يذكرونها وهي مسألة القيادات”. في المقابل، يؤكد يمان الغرايبة عدم علمه بتلك اللقاءات، مرجحاً أن يكون من التقوا الحنيطي فعلوا ذلك بصفةٍ شخصية، ومشيراً إلى لقاءات رسمية تمت بين شباب الإخوان وشباب السلفيين لإقناعهم بالمشاركة في الحراك الشعبي، وهي اللقاءات التي لم تفضِ إلى نتيجة. احتمال مستبعد الجهادي الأردني أبو محمد المقدسي في المقابل، تبدو احتمالات أن ينتقل سلفي إلى جماعة الإخوان مستبعدة إذ لم تسجل الأردن على سبيل المثال حالات مشابهة، وبحسب سعد الحنيطي فإن مثل هذا الانتقال مستبعد تماماً ولم يتم نهائياً داخل الأردن. بدوره، يصف الخبير في ملف الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية، الانتقال من السلفية الجهادية إلى الإخوان ب “نادر ويصعب حصوله ويكاد يكون غير ممكن”. ويوضح، “عادةً من يقرر العودة عن السلفية الجهادية يصبح مستقلاً ولا يعود إلى جماعة الإخوان، لا تعود الجماعة تسعهم حينها، الذين تخرجوا من برامج نزع التطرف يعودون إلى إطار ما يسمى بالفكر الصحوي وليس إلى الإخوان”. ويضيف، “من المهم التأكيد على أنه لايزال ممكناً انتقال مزيد من الإخوان إلى السلفية الجهادية لأن الجذر الفكري هو نفسه والتفكير نفسه، شاهدنا كثيراً من الشخصيات في لحظة ما قد تغير انتماؤاتها، ورأينا أبو أنس الشامي كان إخوانياً إصلاحياً ثم تحول إلى المسؤول الشرعي في تنظيم القاعدة”. ويستفيض أبو هنية حول الانتقالات من الإخوان إلى الجهادية فيقول، “هناك أجنحة من الإخوان خرجت بكاملها وكان لها دور كبير في الانتماء إلى السلفية الجهادية، ومنها تيار السرورية، وكذلك تيار أبو محمد المقدسي وأبو أنس الشامي الذي كان مساعداً لأبي مصعب الزرقاوي ومسؤولاً للجنة الشرعية في تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”. مشكلات إخوانية يرجع حسن أبو هنية انتقال الإخوان إلى التيار الجهادي إلى وجود مشكلتين لدى الجماعة، الأولى تنظيمية والثانية أيديولوجية فكرية، وهما ناتجتان، وفق اعتقاده، عن ازدواج الرؤية التربوية والتعليمية داخل الجماعة فضلاً عن الازدواجية التنظيمية الناتجة عن علاقتهم بالتنظيم الدولي أو تنظيم بلاد الشام أو حركة حماس. ويقول أبو هنية، “هناك مشكلة في تعريفهم لأنفسهم، هل هم حركة وطنية أم أممية، كل ذلك جعل كثيراً من قواعد الإخوان مهيئة للذهاب إلى السلفية الجهادية أو إلى القاعدة، وفي أجواء النزاع ولحظات الأزمات يظهر ذلك الانتقال بشكل واضح وجلي، في سوريا مثلاً، بدأ كثير من الإخوان في المساعدة على تشكيل كتائب مسلحة مثل كتيبتي الفاروق وخالد بن الوليد وغيرهما، كما بدأوا الاقتراب من التنظيمات السلفية الجهادية، وبعض تلك الكتائب أعلن عن نفسه وبعضها لم يعلن، ولكن المزاج العام أصبح يميل لذلك الاتجاه وهو ترك الإخوان والانضمام للجماعات السلفية الجهادية، ويعود ذلك كله إلى وجود مشكلة معرفية وثقافية لدى الإخوان إلى جانب مشكلة تربوية فيما يتم تدريسه”. وحول احتمال الانتقال من الإخوان إلى السلفية العلمية، يشير أبو هنية إلى أنه وفي مرحلة التنشئة “الأسَر والشُعَب” يمكن الذهاب إلى السلفية العلمية ولكن ليس بعد ذلك بالنسبة لشخص أصبح جزءاً من الهيكل التنظيمي للإخوان، ويلفت عموماً إلى أن تنظيم إخوان الأردن تسلَّف منذ السبعينيات والثمانينيات ولم يعد يمكن التمييز بين فكري الإخوان والسلفية. ويعد أبو هنية أن الإخوان بتوجهاتهم المختلفة كانوا مرحلة تكوينية للسلفية الجهادية ولكن تراجع دورهم الآن لصالح مدرسة السلفية التقليدية في ظل تشتتٍ إخواني، مشيراً إلى ما يراه اندماجاً في منابع الفكر السلفي بعد عام 2000 وتحديداً بعد أحداث سبتمبر حيث لم يعد يمكن التمييز بين المرجعيات الثلاث (الإخوانية والأصولية التقليدية والسلفية المغاربية) لاندماجها في مرجعية واحدة. تاريخ جهاديي الأردن أبوقتيبة المجالي ظهرت السلفية الجهادية في الأردن في مطلع التسعينيات من القرن الماضي على يد العائدين من أفغانستان بعد انتهاء الجهاد وانهيار الاتحاد السوفييتي والعائدين من حرب الخليج في الكويت، لتكون بذلك تأخرت بنحو عقدين أو ثلاثة عن نظيرتها في مصر، التي تشكلت ملامحها نهاية الستينيات على يد صالح سرية. وزاد من زخم السلفية الجهادية في منتصف التسعينيات توقيع اتفاقية وادي عربة بين الدولة وإسرائيل وما لقيته هذه المعاهدة من معارضة كبيرة كانت أحد أسباب قيام أبرز خلية جهادية في الأردن عُرِفَت حينها ب “بيعة الإمام”، التي ضمت أبو محمد المقدسي وأبو مصعب الزرقاوي، فيما شكلت الجماعات المقربة من عبدالله عزام ما عُرِفَ ب “جيش محمد”، ومعظم تلك الخلايا مكونة من خارجين عن جماعة الإخوان، وأبرز اسمين في هذا الصدد هما سميح زيدان، وأبو قتيبة المجالي، وكانا مع عبدالله عزام في أفغانستان.وبحسب حسن أبو هنية فإن نصف تنظيم الأردنيين العائدين من أفغانستان كان من الإخوان السابقين، وكذلك كان تنظيم بيعة الإمام الذي تأسس عام 1994 وتزعمه المقدسي أحد أبناء التيار السروري، أما أبو مصعب الزرقاوي فيقول عنه أبو هنية إنه لم يكن تنظيمياً بل ذهب بمفرده إلى أفغانستان وإن كان تربى عند أحد أبرز رجال الإخوان وهو محمد الرفاعي الذي كان جميع أعضاء تنظيم بيعة الإمام من تلاميذه، “إذاً البدايات كلها كانت من الإخوان”، حسب قوله.وعن أعداد السلفيين في الأردن حالياً، فيقدرها أبو هنية بأنها لا تتجاوز الألف ولكنه يركز على قدرتها على الحشد أثناء الأزمات قائلا، “المهم هو النفوذ والتأثير، إنهم إذا أقاموا مناسبة ما أو خرجوا للشارع فإنهم قادرون على استقطاب الآلاف”.ويشدد أبو هنية، “ما زال الإخوان خزاناً للحركات السلفية الجهادية رغم القدرة على النزول للشارع بحرية وقيام الثورات، هذا الخزان لا يظهر إلا في أوقات الأزمات، والحالة الإسلامية على قدر كبير من السيولة وقابلة للانسياب، وبالتالي يمكن أن تتسرب من التبليغ إلى القاعدة مثل أبي قتادة، أو من الإخوان إلى القاعدة، مثل المقدسي أو عزام، وتلتقي تلك التيارات في تنظيرها لحالات الحرب والسلم وديار الإسلام والكفر، فهي تستند على قاعدة فكرية واحدة، على الأقل على سبيل الادعاء، وهي الكتاب والسنة”. بيعة الإمام.. وجيش محمد تنظيم بيعة الإمام هو تنظيم سلفي جهادي ظهر في الأردن في منتصف التسعينيات، تزعمه أبومحمد المقدسي وأبومصعب الزرقاوي بالتزامن مع توقيع الدولة الأردنية معاهدة وادي عربة للسلام مع إسرائيل، وكان التنظيم يكفِّر الأنظمة ويدعو إلى عدم المشاركة في الانتخابات ويهاجم القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية، وفي مقدمتها الإخوان المسلمون، وألقت الأجهزة الأمنية القبض على جميع أعضائه قبل القيام بأي عمليات. أما جيش محمد فهو تنظيم أصولي مسلح ظهر في الأردن منتصف التسعينيات وحاول التخطيط لاغتيال العاهل الأردني حينها الملك الحسين، وأُلقِي القبض على عددٍ من قياداته وحُكِمَ عليهم بالسجن قبل أن تفرج السلطات عنهم عام 1999.
الإخوان المسلمون والسلفية الجهادية.. بين العداء والتداخل: 1 - سيد قطب وعبدالله عزام.. إخوان أم سلفيان جهاديان؟ 2 – الجهاديون: الإخوان أورثوا الأمة التميّع.. والإخوان يردون: بعض الجهاديين صنيعة الدولة. 3 – «اتفاق النظرية» و«تباعد الممارسة» يعمّقان الخلاف بين المدرستين. 4 – كيف تَحَوّل الإخوان إلى أهم رافد بشري للسلفية الجهادية؟ شباب الإخوان في الميادين