الاستثناء الفرنسي في إطار حلف الأطلسي كان مجزياً، وعاد على فرنسا بمنفعة سياسية، كذلك على الغرب. فلما لم تكن فرنسا في قيادة الأطلسي المندمجة سوى تركها القيادة مساندتها نشر الصواريخ الأوروبية في 1983. وما تريده فرنسا اليوم هو بناء قطب أوروبي دفاعي. فطوال وقت مديد غلب الظن ان حلف الأطلسي يحول دون بلورة استقلال أوروبي دفاعي. والحق أن القطب الدفاعي هذا كان مطلباً فرنسياً، ولم تشاطر الدول الأوروبية الأخرى فرنسا مطلبها. فإذا كان الغرض من عودة فرنسا الى قيادة الأطلسي المندمجة الخروج من المشادات والخلافات القديمة، والبرهان على أن بلورة دفاع أوروبي ممكنة من غير مجافاة الولاياتالمتحدة ومعاداتها، فمرحباً بالعودة هذه. وحلف الأطلسي، اليوم، ليس الحلف الذي أخرج ديغول فرنسا من قيادته المندمجة في 1966. ولكن العودة الى القيادة لقاء وعود معسولة لن ينجم عنها إلا خسارة الاستقلال وصورته بإزاء العالم. والحق أن ثمة فرقاً بين الرموز والواقع. فمن أربعين لجنة تعمل في اطار الحلف، لم تخل - فرنسا مقعدها إلا من اثنتين: لجنة خطط الدفاع واللجنة النووية. ومعنى هذا أنها تشترك في اللجنة العسكرية وفي القيادة المندمجة منذ 1995. وهذا فيما يعود الى الوقائع. وأما الوجه الرمزي فهو حمل العودة على التحاق بالسياسة الأميركية. فإذا استتبعت نفوذاً فرنسياً أعظم، وتولت الحكم إدارة أميركية غير أحادية ومتعاونة، جاز توقع نتائج ايجابية. وفي الآونة الأخيرة أقدم الحلف على توسيع نطاقه الجغرافي، واضطلع بمهمات متكاثرة، من غير معالجة نظرية عامة. فغدا جهازاً يتولى مهمات الأمن الغربي كلها في آن. وهذا انحراف خطير، واحياء الاندماج في الحلف حين يبدو في هيئة حلف غربي بإزاء الآخرين كلهم، سياسة معضلة. فلا بأس بمحاربة الإرهاب. ولكن نهج الأميركيين في الحرب هذه أدت الى تعاظم المشكلة، على خلاف المأمول. فلا يسع فرنسا الدخول في إمرة قيادة أميركية من غير مناقشة سياسية تمهد الطريق الى الدخول هذا. ويدور كلام على توسيع الأطلسي الى اليابان وكوريا الجنوبية وأوستراليا وزيلندا الجديدة. وفي الوقت نفسه، يُسكت عن دائرة تدخل الحلف. ولا ريب في أن توسيع الحلف أدى الى انكماش روسيا وتصلبها، فهل ثمة داع ملح يحمل على ضم أوكرانيا وجورجيا من غير التمهيد باتفاق سياسي مع روسيا؟ وسبق أن أسهمت فرنسا في حرب كوسوفو، ولم تكن جزءاً من هيئات الحلف العسكرية المندمجة، من غير أن يثير هذا مشكلة عدا المشكلة السياسية. ولن يترتب على العودة الى الهيئات المشتركة جر فرنسا الى حرب على الرغم منها، فالدول المتحالفة تحتفظ بحرية قرارها، والفرق ليس بين فرنساوالولاياتالمتحدة بل بين أوروبا والولاياتالمتحدة. ولما كانت الولاياتالمتحدة تتولى وحدها نصف النفقات العسكرية في العالم، فلن يجاريها في المضمار هذا بلد أوروبي بمفرده. والحال هذه، المسألة هي ان الجيش الأميركي لن يكون في وسعه تنسيق عمليات عسكرية مشتركة إلا مع نفسه. وليس في مستطاع الأوروبيين اللحاق بالموازنة العسكرية الأميركية. وهم يبتون في هذه الأمور من غير مشاورة أحد، وينبغي ألا يترتب على قراراتهم السياسية نهج ليس نهجنا. والحرب غير التقليدية التي يتذرع بها الأميركيون ليست جديدة، وتعود الى ستينات القرن الماضي. وتحدي هذا النمط من الحرب سياسي. ويحسب الأميركيون أن في وسعهم الجواب بوسائل عسكرية، وهذا غير مجدٍ. والبرهان انهم ليسوا أكثر أمناً اليوم، ونفقاتهم العسكرية تبلغ نصف نفقات العالم، قياساً على 2001، يوم كانت نفقاتهم 37 في المئة من جملة نظيرها العالمي، ولهاثنا في سبيل اللحاق بهم، لن يؤدي إلا الى نزفنا المالي والاقتصادي. ونازعهم الى الرد العسكري على مسائل تحتمل رداً من صنف آخر يقلب التجهيز الدفاعي الى تجهيز هجومي. ولعل هذا الالتباس هو ما حمل رجلاً مثل بن لادن على الانقلاب من حليف الى عدو مستميت. والحال في أفغانستان جزء من تحديات ومراهنات مصيرية. فلا يسع الحلف الخسارة هناك، وهو ليس في طريقه الى إحراز النصر. والانسحاب من المعركة مع طالبان غير جائز. ولكن مرابطة قوات أجنبية، ولو صديقة، تتصور في صورة احتلال بعد مضي بعض الوقت. ويرجح هذا التأويل المزج بين مهمتين: السعي في استقرار البلد وملاحقة الإرهاب، الى الأضرار الجانبية التي تلحقها الحرب بالأهالي. وإذا كان إرسال قوات فرنسية إضافية الى أفغانستان جزءاً مشروعاً من الحرب على الإرهاب، فما يضمن قيادة الحرب على نحو مقبول؟ وما هي غاياتها وأهدافها؟ فهل تستمر على النهج السابق، وهو أدى الى إخفاق؟ وربما يجب إرسال قوات إضافية جراء الإخفاق، ولكن ما جدوى الاقتصار على 700 جندي؟ وما هو أثر تقوية المشاركة الفرنسية في قيادة الحرب؟ وما حظ التأثير في سياسة الولاياتالمتحدة ومناقشة الخلافات معها؟ عن باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، الفرنسي، "لو نوفيل أوبسرفاتور"الفرنسية، 1-7/5/2008