يميط أداء الحكومة العسكرية ببورما والقادة الصينيين، غداة الإعصار والزلزال اللذين أصابا بلديهما، اللثام عن آثار الكوارث الكبرى في السياسة. وعلى غرار الديكتاتوريات، ترددت السلطة البورمية في قبول المساعدات من الخارج، وأظهرت ازدراءها بحياة البشر، ورفضت حق الداخل والخارج في الحصول على معلومات موثوقة عن الوقائع. وجرياً على تقاليد معروفة، لم تكن ردود فعل الشيوعيين الصينيين لتخالف النهج نفسه، لو لم تعترض النهج هذا مشكلتان: الأولى، خوفهم على سمعتهم الدولية التي لطخها القمع بالتيبيت، والثانية، اقتراب موعد الألعاب الأولمبية، واضطرار القيادة الى مراعاة رأي عام عالمي يولي عذاب الضحايا مكانة عالية. وليس الأمران السبب الوحيد في التحلي الصيني بموقف"عصري"، على ما وصفه مراقبون أجانب، من الزلزال وعواقبه. فعلى خلاف بورما، لم تعد الصين مجتمعاً مكبلاً ومغلقاً. وعلى رغم سيطرة السلطات على وسائل الإعلام، يتسلل رأي عام مغاير عبر قنوات توفرها التقنيات الحديثة. ولم يمتنع من بقي على قيد الحياة من الضحايا، من جهر رأيهم في فشل المسؤولين، وعجزهم عن تدارك العواقب القاتلة للكارثة. وقد يصبّون غضبهم على السلطة المركزية. وهم لا يزالون، الى الآن، يلقون باللائمة على السلطات المحلية. ويزخر التاريخ الحديث بأمثلة عن كوارث طبيعية غيّرت مجرى الحوادث. فكانت زلازل اليونان وتركيا، مطلع القرن، باعثاً على التعاون بين الشعبين، وداعياً الى التقارب، من بعد، بين الحكومتين. وفي الداخل، كان لانفجار المفاعل النووي في تشيرنوبيل، في 1986، والزلزال في أرمينيا، في 1988، الأثر الكبير في تحوّل السلطة السوفياتية من سياسة الى سياسة. فالتزمت السلطة الصمت، ابتداء، وعمدت الى تهوين فداحة الأضرار، وتقليل عدد الضحايا. ثم خرج ميخائيل غورباتشيف، الزعيم السوفياتي آنذاك، عن التستر الكاذب والمعهود، ربما عن حاجة أو عن اقتناع، و?"استغل"الكارثة ليعجّل في إطلاق حرية التعبير والعلنية،"غلاسنوست". وغداة زلزال أرمينيا، السنة التالية، رأى أن لا مفر من تشريع الأبواب على العالم. فقطع زيارته الولاياتالمتحدة، وتوجه فوراً الى مسرح الكارثة. وألغى الاتحاد السوفياتي سابقاً إجراءات تأشيرة الدخول على فرق الإنقاذ الأجنبية. وحال الصين، اليوم، تختلف قليلاً عن حال الاتحاد السوفياتي. ففي موسكو، لم تأت الإصلاحات السياسية نتيجة للمآسي البشرية التي استغلتها قوى التجديد للتغلّب على ممانعة القوى المحافِظة، في ظروف اعتُبرت مؤاتية لتحولات النظام. وليس أكيداً أن تنتهج الصين نهجاً مماثلاً. فالقيادة قد تشعر بالضعف جراء الرد الدولي على تظاهرات التيبت، وعدد ضحايا الزلزال الفادح. ويتوقع أن تستقبل العاصمة الصينية، في الألعاب الأولمبية، آلاف السياح. وهؤلاء يصعب التحكّم فيهم. ويُحتمل أن يتفاقم الخلاف بين الإصلاحيين والمحافظين، وأن تبقى نتيجة الصراع مجهولة. عن دانيال فيرنيه ، "لوموند"" الفرنسية، 20/5/2008