كتب جاي - جون ايكنبيري، من جامعة برنستون، في"فورين أفيرز"الأميركية، أن تعاظم نفوذ الصين"من أهم حوادث مطلع القرن الواحد والعشرين"، وبدأ"يغير وجه شرق آسيا". فنفوذها الديبلوماسي امتد الى شرق آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط. وعلى خلاف روسيا، تنافس الصينالولاياتالمتحدة في المجالين الاقتصادي والعسكري معاً. وعلى هذا، يلح السؤال: هل تطيح الصين النظام العالمي أم تصبح جزءاً منه؟ وسبق أن شخَّص المؤرخ نيال فيرغسون أفول قوة الغرب، وسيطرته على العالم في القرن العشرين، وغلبة كفة الشرق في موازين القوى العالمية. وقد لا تؤدي غلبة الصين الى تغيير وجه المؤسسات الدولية، وتعديل القوانين المشتركة واندلاع المنازعات، على ما يتكهن محللون كثر. فالصين، على خلاف القوى العظمى السابقة، لا تواجه دولة عظمى واحدة هي الولاياتالمتحدة، بل"نظاماً غربياً مركزياً مفتوحاً يلتزم حكم القانون، ويستند الى مؤسسات سياسية ثابتة". ومن المعطيات والعوامل الدولية الجديدة"طي الثورة النووية صفحة الحروب بين القوى العظمى، وإطاحتها، تالياً، وسيلة طالما توسلت بها القوى الصاعدة للانقلاب على الأنظمة الدولية التي كانت ترعاها قوى عظمى فقدت تفوقها وسيطرتها". وبينما إطاحة النظام الغربي الراهن عسيرة، الانضمام اليه يسير. فالقيادة الأميركية أنشأت بعد الحرب العالمية الثانية مؤسسات دولية انضمت إليها دول العالم، وأرست نظاماً يسَّر مشاركة القوى العظمى والدول المستقلة الجديدة. والحق أن دخول الصينوالولاياتالمتحدة في منافسة آنية محفوف بالمخاطر، ويؤذن بحرب كبيرة، على غرار الحروب التي صحبت انتقال مواقع القوة وانقلاب مراتبها. وثمة سابقة انتقال سلمي هي تسليم بريطانيا بالمرتبة الأولى للولايات المتحدة، وعلى رغم تنامي الاقتصاد الياباني بين أواخر أربعينات القرن الماضي الى مطلع التسعينات من 5 في المئة من الناتج الإجمالي الأميركي الى 60 في المئة منه، لم تتحدَّ اليابان النظام العالمي، ولم تنقلب عليه. فالنظام الغربي الدولي ليبرالي، غير إمبريالي، وسع أوروبا إعمارها داخله، ولم يستبعد القوى المهزومة، وآخرها الدول السوفياتية السابقة. ولعل من ميزات النظام هذا انقسام قيادته الغربية جناحاً متشدداً، مثل ريغان تجاه موسكو، وجناحاً معتدلاً، شأن أوروبا. يعزو غابرييل لافيت، مستشار السياسة التنموية لدى حكومة التيبت في المنفى على موقع"أوبين ديموكراسي"، اضطرابات التيبت في آذار مارس ? نيسان ابريل الى سياسة بكين البيروقراطية، وتحديثها البلاد بمعزل من أهاليها الريفيين، وهم معظم سكان البلاد. ويقسر موظفو بكين السكان على الإقامة في عقارات إلزامية، ويرفضون إعادة النظر في المسح هذا على رغم الولادات الجديدة. والسياسة البيئية أدت الى تخريب مساحة كبيرة من الغابات."وليس بين السلطات والسكان شراكة من أي صنف. فالجماعتان من عالمين مختلفين تماماً". و"التنشئة الوطنية"التي تنتهجها السلطات الصينية تمتحن ولاء التيبيتيين الحصري للحزب الشيوعي، وتشجب الكهنة و اللاما المحترمين". وتلزم السلطات الكهنة بدوس صورة الدالاي لاما والبصق عليها. فالحكم الصيني لا يدرك"استحالة جعل إمبراطورية أمة، بالقوة". ويعزو ريتشارد بينيت، في"إيجيا تايمز"بهونغ كونغ، التظاهرات داخل التيبيت وخارجه، الى"جهات معادية للصين تقيم بأمان في نيبال وشمال الهند". وتولى الدالاي لاما"تمويل المتظاهرين وتوجيههم بالتعاون مع الاستخبارات المركزية الأميركية". وواشنطن هي أول مستفيد من التظاهرات. وهي كانت المحرض، في 1956، على مطاردة الشيوعيين الصينيين بالتيبيت، ونشوب تمرد دموي أوقع عشرات آلاف الضحايا، وبعث الدالاي لاما، وأكثر من 100 ألف تيبيتي، على الهرب الى الهند. ولم تعلق الوكالة الأميركية معسكر تدريب التيبيتيين على حرب العصابات إلا في 1974. ومصدر التحديات الأمنية الى التيبيت، المسلمون الايغور، وجمعية"فالون جونغ"الدينية، و"جماعات متمردة أخرى". والصين تتهدد واشنطن، على ما ترى هذه،"اقتصادياً وعسكرياً، في آسيا وأفريقيا ودول أميركا اللاتينية". وهي تشجب إحجام الصين عن التعاون في الحرب على الإرهاب. فهناك أسلحة تنقل من غرب الصين الى أفغانستان ودول آسيا الوسطى. ولاحظ بيار روسلان، في"لوفيغارو"الفرنسية، أن استجابة السلطات الشيوعية الصينية لأسوأ زلزال يصيب الصين منذ 30 عاماً بإجراءات سريعة، وانفتاح غير معهود، مقارنة بإنكار الحزب زلزال 1976 وقتله 240 ألف ضحية، قرينة على إدراك القيادة مساوئ الإنكار. فقبل ثلاثة أشهر على افتتاح دور الألعاب الأولمبية، وبعد السجالات التي أثارتها حوادث التيبيت ودعم السودان، على القادة الصينيين إثبات مقدرتهم على تحمل المسؤولية. وتعمد هو جينتاو وون جياباو التقرب من الشعب الصيني تمهيد لحملة الإعمار الضخمة المنتظرة. واستقبال الإسعافات الأولية، من تايوانواليابان، دليل آخر على الشعور بالمسؤولية. فخالف حكام الصين سياسة حلفائهم، العسكر البورمي الذي لم يتهيب التبعة عن جريمة إيصاد أبواب بورما بوجه الإغاثة الدولية، وتستر على فظاعة الزلزال وعنف قمعه الرهبان البوذيين. نشر في العدد: 16707 ت.م: 31-12-2008 ص: 29 ط: الرياض