انشغل الإسرائيليون في السنة الأخيرة في سبل تذليل العقبات المتعلقة بمسألة الحدود، وبرزت فكرة "تبادل الأراضي"التي حظيت منذ فترة باهتمام خبراء وأوساط إسرائيلية من مختلف التيارات والتي تهدف الى التوصل الى تسوية شاملة في المنطقة. جهات متطرفة رأت ان الحل الأفضل يكمن بطرد العرب وجعل إسرائيل دولة يهودية لكل سكانها فيما يرى"معتدلون"ان الحل يكمن بتسوية إقليمية ترتكز على تبادل الأراضي. هذه المقترحات أعدت قبل الأحداث الأخيرة في لبنان والتي لا يتجاهل الإسرائيليون نتائجها ويصرون على ان إيران تلعب فيها دوراً مركزياً يمتد أيضاً الى قطاع غزة، ويرى بعض معدي اقتراحات التسوية ان الحاجة الضرورية اليوم تكمن في اتخاذ خطوات حاسمة تمنع ما يطلقون عليه"النمو الإيراني في المنطقة"، ويرى عوزي آراد رئيس مركز هرتسليا للأبحاث ان إيران تشكل خطراً كبيراً ليس فقط على إسرائيل، إنما على دول العالم وان هناك مهمة غير سهلة أمام الجميع لمواجهة هذا الخطر قبل استفحاله. وآراد هو واحد من مجموعة باحثين من مركز هرتسليا يرون ان تسوية النزاعات الإقليمية لا تحدث إلا باتفاق بين جميع الأطراف عبر تبادل الأراضي، على ان تكون خطوط عام 1967 أو 1949 أساساً تنطلق منه التسويات والحلول . ويرى آراد وشريكاه في البحث غدعون بايغر وراحيل مختيغر، ان السلام بين إسرائيل والأردن خير مثال على صحة هذا الاقتراح وعلى إمكان تنفيذه في نطاق تسوية النزاع الإقليمي بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل وسورية ولبنان بحيث يضمن مصالح مثل الأمن والمياه والموارد الطبيعية والبيئة إضافة إلى التنمية المستقبلية . ويؤكد أصحاب هذا الاقتراح على أهمية تناوله بجدية من قبل المسؤولين بعد ستين سنة من النزاع فشلت خلالها كل المحاولات لتسوية في المنطقة. الفكرة التي يعرضها الإسرائيليون تستند الى مبدأ يضمن حق كل طرف بالتصرف الكامل في المساحة التي يحصل عليها. لماذا فكرة تبادل الأراضي؟ رداً على هذا السؤال يؤكد أصحاب الفكرة، بداية، ان الحاجة تتطلب بديلاً بعيداً عما طرح ويطرح الآن بعد ان فشلت المحاولات على مدار ستين سنة من التوصل الى تسوية إقليمية، خصوصاً مع الفلسطينيين والسوريين. وينطلق معدو بنود اتفاقات التسوية من ان زيادة عدد اللاعبين في الساحة توفر هامشاً أكبر للمناورة مما يتيح تجاوز العقبات التي لا يمكن تذليلها في ظل قلة عددهم. ويرى هؤلاء ان مثل هذه التسوية الإقليمية الشاملة، المستندة إلى تبادل أراضٍ في إطار متعدد الأطراف، ستكون بمثابة أول تغيير جوهري في الحدود السياسية في الشرق الأوسط. يتناول أصحاب فكرة تبادل الأراضي مواقف دول الجوار التي سيكون من الصعب بموجبها التوصل الى سلام معها وفق المعطيات الآتية: - سورية: يعتبرون ان الإصرار السوري على العودة الى خطوط الرابع من حزيران عام 67 من دون تغيير او تعديل يشكل عقبة أمام إحراز تقدم في المفاوضات التي جرت في عهد رؤساء حكومات مختلفين مثل اسحق رابين وايهود براك وايهود أولمرت وغيرهم. وبالنسبة الى الإسرائيلي فإن مطلباً كهذا يعني المساس بالمصالح الإسرائيلية وفقدان مكاسب استراتيجية مهمة. - السلطة الفلسطينية: المطلب الأساس هو الانسحاب الى الخط الأخضر، ولكن قادة في السلطة الفلسطينية أعربوا عن استعدادهم لإجراء تبادل أراض بمدى يصل إلى حوالى 150 كيلومتراً مربعاً. أما بالنسبة الى القدسوالضفة الغربية فإن إسرائيل تسعى الى الاحتفاظ بأجزاء واسعة في منطقة القدسالشرقية وب?"الكتل الاستيطانية"في الضفة الغربية. - لبنان: هناك مطلب لبناني يتم طرحه في كل مناسبة يُجرى الحديث فيها عن الحدود باستعادة سبع قرى في منطقة الجليل كما ان لبنان لا يعترف بالخط الذي رُسم عام 2000 عند انسحاب إسرائيل من جنوبلبنان ويطالب باستعادة"مزارع شبعا"التي تسيطر عليها إسرائيل في هضبة الجولان. وفي سياق تعزيز فكرتهم أي تبادل للأراضي يعرضون حقيقة نجاح السلام مع مصر والأردن حيث وقعت إسرائيل اتفاقاً لرسم الحدود مع كل من الدولتين، وجرى حرص في الاتفاق مع مصر على العودة الدقيقة إلى حدود الانتداب البريطاني. أما مع الأردن فقد أقيم خط حدودي جديد استند إلى خط الحدود الانتدابي لكن جرى تبادل أراضٍ على امتداد وادي عربة الأمر الذي لبى مصالح إستراتيجية لكلا البلدين. وبعيداً من اتفاقات السلام مع إسرائيل يتطرق هؤلاء الباحثون الى عدد من الاتفاقات وقعت في منطقة الشرق الأوسط وجرى في نطاقها إعادة رسم الحدود من جديد مع تبادل أراضٍ، كتلك المبرمة بين الأردن والسعودية عام 1965، وبين الأردن والعراق عام 1982، وبين إيران والعراق عام 1957، وبين الأردن وسورية عام 2004 وبين اليمن والسعودية عام 2005. هذه الاتفاقات"كسرت"عملياً"قدسية"الحدود القائمة وأدت إلى إعادة رسم الحدود من جديد في شكل يستجيب لاحتياجات ومصالح الطرفين المعنيين. وقد نجح ذلك ما عدا في حال إيران والعراق في إزالة أسباب توتر قائم أو محتمل في شبكة العلاقات بين دول متجاورة . الاقتراحات الإسرائيلية الاقتراحات المعروضة تتضمن تبادل الأراضي في إطار ثنائي أو متعدد الأطراف مع الفلسطينيين ولبنان وسورية والأردن وإسرائيل. في الإطار الثنائي يشمل الاقتراح إسرائيل والسلطة الفلسطينية ويعتمد على مبادرة جنيف واقتراح ايهود باراك الذي عرضه عام 2000 عندما شغل منصب رئيس الحكومة وبموجبه تضم إسرائيل كتلاً استيطانية مقابل أراض إسرائيلية تنقل إلى الدولة الفلسطينية. نسبة تبادل الأراضي في هذه المقترحات تراوحت بين 1=1 و3=1 و7=6 لمصلحة إسرائيل، وهناك موافقة فلسطينية على مبادئ"مبادرة جنيف"واستعداد إسرائيلي لبحث الموضوع. ضم"كتل استيطانية"إلى إسرائيل مقابل أراضٍ في منطقة النقب، وفقاً لوثيقة بيلين - محمود عباس. ضم"كتل استيطانية"إلى إسرائيل مقابل نقل مناطق يسكنها فلسطينيو 48 خصوصاً في منطقة"المثلث"وفق خطة تحت عنوان"أم الفحم أولاً" وتهدف الخطة الى تقليص عدد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. وفي الإطار المتعدد الأطراف: اتفاق يشمل إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية، ويرى معدو الاقتراح ان وجود مصر يؤدي الى تعزيز الثقة بين الأطراف. بموجب الاتفاق تنقل مصر أراضي بين قطاع غزة ومدينة العريش الى الفلسطينيين، وفي مقابل ذلك تضم إسرائيل تجمعات استيطانية وأراضي في منطقة غور الأردن وصحراء"يهودا"جنوب شرق الضفة الغربية. هذا الاقتراح مبني وفق الخطة المعروفة ب?"خطة بن ارييه ? ايلاند"التي رفضتها مصر، غير ان سياسيين أوروبيين وفلسطينيين ومسؤولين أميركيين يؤيدونها ويبذلون جهوداً لإقناع الأطراف بها، من دون نجاح حتى الآن. اتفاقات بين إسرائيل وسورية ودول أخرى: في هذا الجانب تكمن المشكلة في إصرار سورية على اتفاق في مقدمه انسحاب إسرائيلي إلى حدود 1967 . وفي محاولة لتذليل العقبات إزاء هذه المشكلة طرحت في السنوات الأخيرة أفكار مختلفة لتبادل أراضٍ بين إسرائيل وسورية ودولة ثالثة أو دول إضافية. ومن وجهة نظر الإسرائيليين فإن تعدد الجهات المشاركة في هذه التسوية يوسع هامش المناورة وبالتالي يثبت التزاماً واهتماماً لجميع أطراف الاتفاق. في هذا الجانب طرح اكثر من اقتراح: إسرائيل - سورية - الأردن: تقوم إسرائيل بضم جزء من هضبة الجولان، ويقوم الأردن بنقل منطقة مماثلة في مساحتها إلى سورية على طول الحدود بين البلدين سورية والأردن وفي المقابل تقوم إسرائيل بنقل أراض في وادي عربة إلى الأردن. إسرائيل - سورية - لبنان: تُبقي إسرائيل سيطرتها، في نطاق هذه الخطة، على أجزاء من هضبة الجولان، بحيث تبقى في يد إسرائيل منطقة"حزام أمني"تلبي احتياجاتها الإستراتيجية إضافة إلى التجمعات الاستيطانية اليهودية في هضبة الجولان. في المقابل ينقل لبنان إلى سورية منطقة مماثلة في مساحتها لتلك التي ستبقى تحت سيطرة إسرائيل في هضبة الجولان بموجب المطالب السورية بتعديل حدود عام 1920 بينها وبين لبنان، وتعوض إسرائيل لبنان بإعطائه أراض في نقاط مختلفة على امتداد الحدود الإسرائيلية - اللبنانية مثل القرى الشيعية السبع التي ألمح"حزب الله"الى ضرورة استعادتها وكذلك الدولة اللبنانية، ومنطقة"مزارع شبعا"في غرب هضبة الجولان، على أن تتحول منطقة جبل الشيخ إلى منطقة تطوير وسياحة مشتركة للدول الثلاث. إسرائيل - سورية - لبنان - الأردن: بحسب هذه الخطة تنسحب إسرائيل حتى"خط المنحدرات"وتحتفظ بالسيطرة على مناطق في هضبة الجولان، فيما يقوم الأردن بتعويض سورية على امتداد الحدود المشتركة بين البلدين، وبالمثل يعوض لبنان سورية على حدودهما المشتركة، بينما تعوض إسرائيل لبنانوالأردن على امتداد الحدود المشتركة في منطقة مساوية تقريباً لمساحة المنطقة التي ينقلها لبنانوالأردن إلى سورية، وتتحول منطقة جبل الشيخ إلى منتجع سياحي مشترك. تسوية شاملة في الشرق الأوسط انطلاقاً من أن دول الشرق الأوسط غير بعيدة عن النزاع العربي الإسرائيلي ومن أن استمرار النزاع على جانبي الحدود بين إسرائيل ودول الجوار يؤثر بصورة سلبية على العلاقات مع الدول الأخرى في الشرق الأوسط، يعلق الإسرائيليون أهمية على دراسة اقتراحات تبادل الأراضي بهدف قيام تسوية شاملة في الشرق الأوسط لتكون سابقة لحل نزاعات في مناطق أخرى. جوهر الاقتراح إعادة رسم خطوط الحدود بين دول المنطقة استناداً إلى خطوط الماضي مع إجراء التعديلات الضرورية والتي تقتصر على خطوط الحدود بين الدول. بموجب هذا الاقتراح تواصل إسرائيل السيطرة على مساحة 200 كيلومتر مربع من مناطق الضفة الغربية إضافة الى غور الأردن. وفي المقابل تنقل إسرائيل الى السلطة الفلسطينية مساحات في مناطق مختلفة على امتداد الخطر الأخضر المتاخمة لمناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. تواصل إسرائيل السيطرة على مساحة 200 كيلومتر مربع من الجولان السوري المحتل تشمل المستوطنات وخط المنحدرات الواقعة غرب الهضبة فيما تعيد بقية الهضبة الى سورية. وكتعويض للمساحات التي ستواصل إسرائيل الاحتفاظ بها في الجولان والضفة تنقل الى لبنان نقاطاً مختلفة على طول الحدود الشمالية بمساحة خمسين كيلومتراً، كما تنقل الى مصر مساحات من النقب بحجم تلك التي ستواصل السيطرة عليها في الضفة الغربية، إضافة الى منطقة تتيح المرور الحر بين مصر والأردن. كما تنقل إسرائيل إلى الأردن منطقة صغيرة في وادي عربة في مقابل المنطقة التي سيحصل عليها المصريون من إسرائيل وذلك لإتاحة ممر مباشر بين مصر والأردن. وفي الاقتراح الخاص بالتسوية الشاملة يتم نقل أراض من لبنان الى سورية في مقابل تلك التي ستحتفظ بها إسرائيل في هضبة الجولان فيما تحصل سورية على أراضٍ من لبنان إلى الغرب من خط حدود عام 1920 الذي رسمته فرنسا. وفي مقابل الأراضي التي سيتنازل عنها لبنان لسورية يتم نقل أراض من إسرائيل الى لبنان في نقاط على امتداد الحدود المشتركة بين إسرائيل ولبنان. أما سورية فتحصل على مساحات من المناطق الواقعة على الحدود الشمالية للأردن والتي كان السوريون يتواجدون فيها في عام 1970، ويحصل الأردن في المقابل على منطقة صغيرة في الجانب الإسرائيلي من وادي عربة، متاخمة للمنطقة التي ستحصل عليها مصر من إسرائيل، إضافة إلى حق استخدام الممر المباشر بين الأردن ومصر عبر النقب الإسرائيلي.