كلّما أصرت إدارة جورج بوش على تهدئة المخاوف الإقليمية من سيناريو عسكري لضرب ايران، عقاباً لتشبثها بالقفازات النووية وإمعانها في"تصدير الثورة"الى المنطقة بقفازات من حرير، كلما ازداد قلق خامنئي - نجاد من اقتراب الضربة، خصوصاً في صيف ربع الساعة الأخير. وكلما أفاض رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت في إشارات"الغزل"للسلام مع سورية، ارتابت دمشق في ما يخفيه التحالف الأميركي - الإسرائيلي، وما يضمره بوش، قبل ان يحزم حقائبه مودعاً البيت الأبيض. وإن كانت دمشق لا تعترض على"تعقل"الوسيط التركي الذي لا يرى السلام السوري - الإسرائيلي على مرمى حجر من الجولان، فريبتها تزداد مع إطلاق إدارة بوش إشارات كافية الى معارضتها الشرسة تحريك هذا المسار، واستعدادها لتوريث الرئيس الأميركي المقبل مزيداً من القيود على سورية. لذلك ترتّب واشنطن"ملفاً"كاملاً بدءاً مما تسميه إيواء دمشق عناصر من"القاعدة"تجنّد مقاتلين للعراق، مروراً بضجيج مباغت حول الموقع"النووي"السوري، وانتهاء بإدانة تهريب السلاح الى لبنان وانتهاك القرار 1701. وهو ملف كافٍ لتكبيل الإدارة الأميركية المقبلة، فتصبح مجبرة على نقله الى مجلس الأمن، بعدما نجح بوش في نقل مسألة الموقع النووي الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومهّد لعناصر"الاشتباك"بين دمشق والوكالة التي تحضّر لفتح تحقيق. بديهي ان تحقيقاً من هذا النوع سيجدد إشكال إحراج السيادة وانتهاكها، كما حصل مع بغداد ويتكرر مع طهران، وحبله الطويل لا يُعلَّق على النيات الحسنة. وإن كان سوء النية لدى إدارة بوش التي أخفت أشرطة الموقع"النووي"السوري في دير الزور شهوراً بعد الغارة الإسرائيلية، باغت دمشق في توقيته، يتأكد وجهان لمأزق، معهما يتبيّن كم أن"الخطأ"اللبناني حشر سورية بين فكي الصراع الأميركي - الإيراني على المنطقة: - ان دمشق مهما فعلت لإطلاق مسار السلام مع إسرائيل، ولو بسرعته القصوى، ستصطدم بجدار الحصار الأميركي، وستبقى استراتيجية واشنطن رفض"صفقة"شاملة مع ثنائي التحالف السوري - الإيراني، والإصرار على تفكيكه قبل التفاوض مع ركنين أضعف... بامتداداتهما من الخليج والعراق الى لبنان وفلسطين. - إن دمشق مهما قدمت للوسيط التركي من وعود بالتطبيع الكامل مع إسرائيل بعد استعادتها الجولان، تخشى فخاً ينصبه أولمرت الذي لن يرضى بمجرد تطمينات شفوية من سورية بالتخلي عن تحالفها العسكري مع إيران، ورفع الغطاء عن دعم"حزب الله"و"حماس"... فيما بعض رموز حكومة أولمرت، كنائبه شاؤول موفاز يحرّض الأميركيين، بذريعة الخوف من يوم يأتي، يحل فيه"الحرس الثوري"ضيفاً في الجولان بعد تخلي إسرائيل عن الهضبة. ما كشفه مسؤولون اسرائيليون، بعد"رسالة السلام"الشفوية التي نقلها أردوغان الى الرئيس بشار الأسد، أن أولمرت يعرض على سورية مفاوضات مشروطة، معادلتها ضمانات مسبقة بقطع علاقاتها مع ايران و"حزب الله"و"حماس"في مقابل سلام ينتهي بتطبيع كامل مع اسرائيل، بلا ضمانات بإعادة كل الجولان... أي التخلي عما يسميه الأميركيون"محور الشر"، والتعاون مع الدولة العبرية. وإن كان أحد لا يسلّم ببساطة بأن ثمن إحياء"وديعة رابين"هو تفكيك ذاك"المحور"، فيما المرجح نهج استدراج لسورية هو الوجه الآخر لنجاح واشنطن في استدراجها الى ملفات وكالة الطاقة وتحقيقات مفتشي محمد البرادعي، يمكن بعض العرب ان يرى في الاختراق الأميركي الجديد لحلبة"الممانعة"أسى على دمشق: لأنها لم تقف في وجه الاختراق الإيراني للنظام العربي وللمنطقة، وصدّقت ربما ان"ممانعة"نجاد ووعوده ب"محو إسرائيل"كفيلة بتحرير الأراضي المحتلة بما فيها الجولان، فيما يسمح بتهديد إيرانيينالبحرين، ويعتبر إثارة الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية"عيباً". أسىً لأن دمشق أهدرت فرصاً لإنقاذ لبنان، الى الحد الذي يثير الشكوك في هوية الفلك وأجرامه، وهوية صاحب القرار، في الخارج... ولأنها لم تستخدم أدوات ضغط تملكها ل"تعريب الورقة"الفلسطينية. شأن إيران أولاً، أن لا تصدّق تطمينات واشنطن التي أرسلت حاملة طائرات ثانية الى الخليج، أما سورية فهي شأن لكل العرب. لعل ساعة الاختبار لم تفت بعد، لبنان ميدانها، وضياعه لن يقصّر الطريق الى الجولان.