أصدرت المنظمة غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان"هيومان رايتس واتش"تقريراً مفصلاً عن السياسة الإسرائيلية الهادفة إلى تدمير محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، وقطع المحروقات عن سكان القطاع المدنيين البالغ عددهم نحو 1.3 مليون نسمة. ومعروف ان استخدام إسرائيل لسلاح النفط ضد السكان العرب ليس بالشيء الجديد. فقد بدأ مع حروب لبنان، حيث قُصفت محطات الكهرباء، ومُنع استيراد المحروقات في حرب صيف 2006، على رغم رسو الناقلات المستعدة لتزويد لبنان بالوقود في موانئ شرق أوسطية قريبة. ولا يؤثر انقطاع الكهرباء والوقود هذه الأيام في المؤسسة العسكرية فقط، بل له أيضاً تأثيرات سلبية واسعة في السكان المدنيين العزل، خصوصاً المرضى منهم، لعدم توافر الوقود الكافي لسيارات الإسعاف، ناهيك عن تلف المأكولات وحليب الأطفال في البرادات. وهذه العقوبات معروفة في القانون الدولي بالعقاب الجماعي. ويجب ألا ننسى تدمير محطات الكهرباء العراقية من قبل الطائرات الحربية الأميركية في التسعينات. ان هدف إسرائيل من سياسة قطع الكهرباء والوقود عن سكان غزة واضح جداً، فهي تحاول ان تضغط على حركة"حماس"من خلال العقوبات الجماعية على السكان المدنيين. ويشير تقرير"هيومان رايتس واتش"الصادر الأسبوع الماضي في القدسالمحتلة ونيويورك في الوقت نفسه، إلى"ان تقليص إمدادات الوقود والكهرباء للمناطق المحتلة يشكل عقاباً جماعياً للسكان المدنيين، ومخالفة خطيرة للقانون الإنساني الدولي. ان هجوماً غير قانوني من قبل جانب واحد لا يبرر خطوات غير قانونية من قبل الطرف الآخر". ولا نريد هنا الإشارة إلى الانتهاكات المتكررة للقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا إلى عمليات العقاب الجماعي العديدة من قبل السلطات الإسرائيلية ضد السكان الفلسطينيين، فقد اتضح بعد تجارب امتدت عقوداً من الزمن ان في المحافل الدولية من يضربون بهذه القوانين عرض الحائط عندما تتعلق بالشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال، وان هؤلاء يكيلون بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ما أوصلنا إلى قناعة بأن هذه القوانين إنما شُرعت لشعوب أخرى غير العرب. وبحسب التقرير، تتلخص إجراءات إسرائيل العقابية بالخطوات التالية: تم، أولاً، في حزيران يونيو 2006 قصف محطة كهرباء غزة، وتلاه في تشرين الأول أكتوبر 2007 تقليص إمدادات البنزين والديزل ومحروقات أخرى إلى غزة، وتم في 9 نيسان أبريل، بعد قصف مستودع الوقود في ناحال عوز، حيث المعبر الوحيد لتزويد غزة بالمحروقات، اتخاذ إجراءات منع الإمدادات وتقليصها إلى درجة أكبر من قبل. ومنذ ذلك الوقت منعت إسرائيل تزويد غزة بكل أنواع المحروقات من بنزين وديزل. إلا ان إسرائيل عادت وسمحت بتزويد غزة بكميات محدودة من وقود الطبخ في 16 نيسان. وسمحت إسرائيل كذلك خلال الأسبوع الماضي بتزويد محطة كهرباء غزة بما يكفي لثلاثة أيام فقط من الوقود بعد ان نفد مخزونها. لقد هددت وكالة"أنروا"بوقف مساعداتها لنحو مليون فلسطيني في قطاع غزة اعتباراً من 24 نيسان في حال لم تحصل على إمدادات ضرورية من الوقود. وعقد المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط روبرت سيري مؤتمراً صحافياً في 23 نيسان حذر فيه من الوضع الإنساني المتدهور في غزة. وقال في هذا الصدد:"ان مخزون وقود الديزل لدى"أنروا"سينفد في 24 نيسان، وان هذا سيؤدي إلى توقف توزيع المواد الغذائية على السكان المدنيين، ولن تستطيع"أنروا"وپ"برنامج الغذاء العالمي"تقديم أي مساعدات غذائية ما لم يتم تزويد"أنروا"بالوقود اللازم". * كاتب متخصص في شؤون الطاقة.