كان عنوان المواجهة نقابياً، بين نقابات الموظفين من جهة، وحكومة سلام فياض المستقلة من جهة أخرى. لكن الحقيقة التي يعرفها الكثيرون هي ان المواجهة كانت سياسية بين اوساط نافذة في حركة"فتح"وبين الحكومة على خلفية مسعى تلك الاوساط الى الحصول على حصة في الحكومة، خصوصا بعد النجاحات التي حققتها في جلب دعم دولي لافت، وترميم الامن الداخلي. لكن الحكومة سرعان ما سجلت فوزا سهلاً على النقابات، ومن خلفها"فتح"الآخذة بالضعف والتفكك، اذ لجأت النقابات الى سلسلة اضرابات شلّت المدارس والمرافق الحكومية، مقدمة مطالب لم تكن ذات الحاحية كبيرة كما كان عليه الحال في عهد الحكومات السابقة التي فشلت في توفير رواتب الموظفين، وهي ربط رواتب الموظفين بجدول غلاء المعيشة، وزيادة تعرفة المواصلات للموظفين ليتماشي مع الارتفاع الحاصل في تعرفة المواصلات العامة. من جانبها، لجأت الحكومة الى"محكمة العدل العليا"التي لم تجد ما يبرر اضراب النقابات، فأمرت بوقفه الى حين البت في الدعوى المقدمة من الحكومة ضد النقابات متهمة اياها بإلحقاق الضرر بالمصحلة العامة. وحظيت الحكومة في هذه المواجهة بدعم آخر مهم من الرأي العام، خصوصا ذوي طلاب المدارس الذين هالهم ان يروا ابناءهم في الشوارع يدفعون ثمن صراع جديد على السلطة. يضاف الى ذلك ضعف ثقة الرأي العام بقادة النقابات الذين وصلوا الى مواقعهم، بعضهم منذ زمن طويل، ضمن حسابات سياسية وليس عبر انتخابات حرة ديموقراطية. وعقب صدور قرار محكمة العدل العليا، لجأت كتلة"فتح"في المجلس التنشريعي التي دعمت الاضراب الى خيار الحل الوسط، ووافقت على لعب دور الوسيط بين النقابات والحكومة. وأمس حظيت الحكومة بوقفة دعم لافتة من الرئيس محمود عباس الذي شارك في اجتماعها الاسبوعي وقبّل اعضاءها فردا فردا"تعبيرا عن رضاه ودعمه الكاملين"، وفق ما قاله الناطق باسم الحكومة وزير الاعلام رياض المالكي. وجاءت زيارة الرئيس بعد تهديد فياض بالاستقلالة احتجاجا على تحرشات الاوساط المشار اليها في"فتح". وحسب مصادر مطلعة، فان فياض ابلغ عباس انه سيستقيل من منصبه ويترك الحكومة في حال تعرضه لمضايقات من هذا النوع. ويصرح فياض في اللقاءت الخاصة بأن موقعه كرئيس لحكومة تسيير الاعمال، هو آخر منصب عام يتقلده في السلطة الفلسطينية، مؤكدا انه رسم لحكومته التي شكلت عقب سيطرة"حماس"على قطاع غزة مهمة واحدة هي انقاذ البلد من الازمة الاقتصادية الخانقة الناجمة عن الحصار الذي تعرضت لها الحكومتان السابقتان. وذكّر الرئيس عباس الذي يتولى منصب القائد العام لحركة"فتح"أعضاء الحكومة بما تعرض له شخصيا من مضايقات من اوساط في"فتح"لدى توليه منصب اول رئيس حكومة عام 2003 في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، والتي قادته الى الاستقالة في حينه، ليخلفه احمد قريع ابو علاء. كما اقر عباس في الاجتماع بوجود حسابات شخصية وراء بعض الانتقادات التي تتعرض لها حكومة فياض، رغم وجود انتقادات أخرى موضوعية. وتضاف خسارة"فتح"في هذه المواجهة الى سلسلة خسارات وخيبات تعرضت لها الحركة في العامين الأخيرين جراء صراع القوى والتفكك وغياب القيادة المركزية مع رحيل عرفات. اولى هذه الهزائم وأشدها كانت هزيمتها في الانتخابات التشريعية امام حركة"حماس"التي حققت عليها فوزا ساحقا اهّلها لتشكيل الحكومة من دون الحاجة الى اي دعم من اي كتلة اخرى في البرلمان. وثاني هذه الهزائم واعنفها كان الهزيمة العسكرية امام"حماس"التي اجتاحت ميليشياتها مقار السلطة واجهزتها الامنية التي تضم عشرات الآلاف من المجندين والضباط. وتشهد"فتح"في المرحلة الراهنة ازمة حادة على خلفية التحضيرات الجارية لعقد المؤتمر العام للحركة الذي ينتخب هيئاتها القيادية. وتسعى مراكز القوى المختلفة الى الحصول على تمثيل في المؤتمر، الامر الذي يهدد بحدوث انقسام او تأجيل جديد للمؤتمر الذي لم يعقد منذ العام 1989.