"آرباري" اسم للسوق العالمي السنوي للفن الحديث والمعاصر الذي ينافس في العاصمة الفرنسية مهرجان"الفياك"، بل ويتفوق عليه في السنوات الثلاث الأخيرة التي بدأ يعرض فيها في فضاءات القصر الكبير وذلك من خلال شمولية المدعوين للعرض وسعة هامش التسويق. يمثل الإثنان بالإجمال سوق السباق بين صالات العرض الكبرى والدول التي تنتسب اليها وطنياً. هي الدورة السنوية العاشرة، تمضي كل عام مثل الحلم بسبب أن السوق محصورة زمنياً بين الثاني والسابع من نيسان ابريل. دام عملياً أربعة أيام كثيفة لأن الافتتاح الفعلي كان في الثالث من الشهر. أما صالات العرض هذا العام فتمثل أربعين في المئة وافدة من خارج فرنسا وأضيفت الى العدد المألوف عشرون منها تعرض للمرة الأولى. وهكذا وصل عدد صالات العرض الى 115 صالة. يربض على بوابة المعرض تمثال عملاق لسلحفاة برونزية للنحات جان فاير يعتلي ظهرها ميمماً شطر عالم"طوباوي"متوازن. يبلغ طولها سبعة أمتار ووزنها خمسة أطنان، ما يذكر بأن من خصائص هذه الدورة معروضات النحت النصبي العملاق. ولكن الفن الذي يمثل مركز العناية هذا العام هو فن التصوير الضوئي"الفوتوغراف". تفوقت الصالات الإيطالية بعددها وحضورها وكذلك الصينية والكورية والهنغارية، اضافة الى بعض صالات الشرق الأوسط العربي واقتصرت الولاياتالمتحدة على أربع صالات. وبما ان تيار"التشخيصية السردية"يمثل عودة حميدة الى أعمالهم في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وبما أن معرضهم الاستعادي الأول سيلي معرض"آرباري"في القاعات نفسها، فقد اعتبرت أعمال فناني هذا الاتجاه أساسية في الدورة، تقاسمت عروضهم أكثر صالات العرض المشاركة شهرة:"آدامي"عرضته غاليري تامبلوت وپ"مونوري"عرضته غاليري زانيتاسي، وپ"كلازين"غاليري سان كارلا الإيطالية، أما مؤسس الجماعة"أنسيللاك"فعرضته غاليري مردوش وپ"أرو"غاليري كاري وما شابه، تلت هؤلاء في الأهمية التيارات القريبة منها مثل"الواقعية الحديثة"التي نظر لها ريستاني وجمعت أقطابها غاليري غايار وهم: آرمان وسيزار، كريستو ودوشامب وفيللوغلي... وكذلك"جماعة الكوبرا"من كوبنهاغن وبروكسيل وأمستردام، عرضتهم غاليري سيموين البلجيكية وهم: كورني وأبيل - الشينسكي أما"جماعة السطح والمادة"مثل فيالا فقد عرضتهم غاليري سيسون. وكذلك الاتجاه الأميركي الشبيه"البوب آرت"بين وارهول وهارينسغ. تلى هذه العائلة من التيارات مباشرة أقطاب التجريد من أمثال هانتاي وشنايدر وموترويل. عبور حقق مهرجان آرباري نجاحاً محسوساً على المستوين التسويقي والثقافي عندما انتقل السنة الفائتة الى أبو ظبي، وسينقل اليها من جديد في نهاية هذا العام والى الصين عام 2009. كان هذا اللقاء فرصة للاهتمام بالفن العربي، لذلك أهديت الدورة الراهنة الى"الفن المنبثق من البلاد العربية"وفق تعبيرهم، ما ضاعف اهتمامنا بالدورة الراهنة. تمثل هذا الإهداء بحضور صالتي عرض عربيتين معروفتين هما: أيام غاليري سورية وغاليري المرسي تونس. كما خصصت مساحة رحبة لمعرض"عبور"بمعنى البرزخ المتوسط بين الشرق والغرب. ومن أبرز العارضين الفنان السعودي فيصل سمره المقيم في البحرين وتحول في السنوات الأخيرة الى واسطة"الفيديو"فأنتج عدداً من الأفلام ذات المستوى الأصيل، وهو مصور ومثقف تشكيلي متعدد الإقامة بين باريس والمنامة وبيروت وجدة. تميزت"غاليري أيام"بمستواها الحرفي فهي تملك موازنة استثمار كبيرة اضافة الى مستوى طباعي وإعلاني محترف، وسينوغرافية عرض من الدرجة الأولى. يرتبط بعقودها فنانون معروفون يصل عددهم الى ثلاثين والقسم الأعظم منهم سوري، ويعود اليها الفضل في رفع أسعار لوحات الفنانين العرب في مزادات"كريستيز". في دبي وسواها. سجن أبو غريب عرضت الصالة بعضاً من مقتنياتها بما ينسجم مع توجّه الدورة العاشرة لهذا المهرجان، فكانت أعمال، الفوتو مركزية من خلال أعمال عمار البيك الذي يطوق اللوحة المركزية ذات الأسود المخملي ببصمات قزحية ملونة في الهوامش، وبيعت لوحة"سجن أبو غريب"أكثر من أربع مرات، مطبوعة بالحبر على قماش بقياس 100x160سم. وبرزت تجربة فادي يازجي، بجماهيره ذات الرسم الملغّز والمختزل مع شخوص تقع بين الطفولة والكهولة تعوم في فراغ فلكي معراجي من دون ظلال ولا نقطة نظر للأفق ولا مصدر أحادي في الضوء. تملك خصائصه التعبيرية الميثولوجية الحادة حرية التعبير في الأيقونة السوريانية وخيال الظل، ولا يقل نحته أهمية عن تصويره. ناهيك عن اللوحات الخطية لمنير الشعراني ولبقية كوكبة العارضين. وأخيراً يصح التساؤل من الذي خرج عن صمته: الفن العربي أم المجتمع التشكيلي الأوروبي؟ واختتاماً لعله اللقاء الصحي، جمع ديناميكية الطرفين هذه المرة.