مهرجان «الفياك» مختصر اسمه من الحروف الأولى الأجنبية من عبارة «الفن المعاصر العالمي». يعتبر من أخصب المهرجانات العالميّة منذ 37 سنةّ، لتسويق الفن المعاصر وتثبيت الأسعار العالمية لكل فنان معروف. هو فرصة لعاصمة الفن التشكيلي لمتابعة السباق الفني (الطليعي) والاقتصادي بين كبار صالات العرض العالمية، وتنافس كبار أصحاب المجموعات في الاقتناء والبيع، يدور في فلكه بنوك تسليف كبرى، وشركات ضمان وشحن وترميم وغيرها، ناهيك عما يرافقه من حيوية فنية واقتصادية يصل صداها (بما فيه السياحي) إلى أحياء كاملة تحتشد فيها تجمعات صالات العرض مثل السانت جرمان دي بري، والماريه، والسان هونوريه. يشتعل كل عام في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) ولا يتجاوز الثلاثة أيام ابتداء من 22، لكن الصالات الخارجة عن مساحته تبتدئ مهرجانات عروضها قبل هذا التاريخ ومن خلال كامل الشهر التالي. هذا هو شأن الصالات المشاركة أو المستقلة، غاليري كلود برنار مثلاً افتتحت معرضها للفنان بارو. احتل العرض جدران وصالات القصر الكبير مثل كل عام، هو الأرحب والأبعد شهرة، أضيف إلى مساحته «حدائق التويلري» الساحة المربعة في متحف اللوفر، هي على الأغلب مخصصة للصالات الشابة غير المعروفة، عرض في الأخير هذا العام 15 فناناً، وساهم في غطاء النفقات «شركة لا فاييت» لهذه الدورة، أما عدد الصالات المشاركة لهذا العام فبلغ 194 منها 37 تعرض لأول مرة منها صالة مهدي شكري الناشطة بين باريس وبرلين. يؤكد هذه الحيوية عدد الإعلانات المخصصة للعروض الخاصة خارج خريطة الفياك والمرافقة للكاتلوك العام. نلاحظ ترسيخاً للمشاركة في هذه الحيوية من أصحاب مجموعات الأغنياء الجدد في روسيا والصين، الهند والبرازيل والخليج العربي. لو زرنا على سبيل المثال جناح وصالة العرض الخاصة في الوقت نفسه «غاليري بوشيه» لاحظنا أسماء العرض المرتبطة بأسماء كبرى وعلامات متوفاة توسم «بالقيمة الثابتة» أو المضمونة، من هؤلاء جياكوميتي وآرب وموندريان وفيرا دي سيلفيا ونيكولا دو ساتائيل وبوفي وغيرهم وذلك احتفاء بمرور مئة وعشرين سنة على تأسيسها، بعكس «غاليري تامبلون» التي اقتصرت في عروضها مراهنة على فنان ثورة 1968م وهو جيرار غاروست (المرجع الأول لأسلوب الياس زيات كما هو جورج بالتر بالنسبة إلى مروان). يجمع النقاد على أن هذه الدورة تتسم بالحيوية والانتعاش الاقتصادي والتسويقي على رغم أنه من الواجب الاعتراف بأن أساليب الفنانين العارضين بخاصة خلال العقد الأخير تتعثر في النمطية والترهل والتكرار ما عدا الشباب منهم، خصص لهؤلاء في هذا العام «جائزة مرسيل دوشامب» بالتعاون مع متحف الفن المعاصر في «مركز بومبيدو». برز من الفائزين الموسيقي - التشكيلي موجينور أنجز بروفورمانس إنشائي، يتمثل في دوائر صوتية فلكية منجزة على الأرض. ينتمي حشد هذه العروض إلى أربع وعشرين دولة. الأسعار تبتدئ من مئة يورو وتصل إلى حدود مئتي مليون، لعل أبرز المبيعات كانت لوحة استثنائية للفنان التعبيري الألماني ماكس بيكمان بعنوان «نائلة» أنجزها بالألوان الزيتية عن فتاة عربية وذلك عام 1934. تحضرنا مع ملاحظة خصائص الدورة أن الفن العربي يزداد عزلة وتصحّراً. غياب نصفه مقصود ونصفه الآخر يرجع إلى تقصير المؤسسات الرسمية والخاصة، على رغم ما أصابها في السنوات الأخيرة من حيوية عولمية (على رغم تسييس بعضها)، لعله آن الأوان لمواجهة العجز الفني العربي بشجاعة وديموقراطية، فأهم أسباب تراجع دوره وشراكته العالمية هو اقتصار نجوم فنانيه على صقل أساليب نجوم أوروبا وأميركا، مع الإمعان في الإهمال «المازوشي» للتراكم الصوري والتصِّوير الذاكراتي، سواء الشعبي منه أم النخبوي، وسواء العربي الإسلامي منه أم السابق له (مثل رسوم المخطوطات والأيقونات وخيال الظل وسواها) ، فخصائص ثقافات الفنانين الرواد العالميين المعاصرين ترجع إلى متانة هذه الذاكرة أكثر من السهولة النقلية. من هؤلاء مثلاً نذكر اليابانيين وفناني أميركا اللاتينية والهند وغيرهم.