يبدو الاختلاط بين الجنسين في اليمن مرتبطاً بالجغرافيا وتأثيرات المذهب الديني والأيديولوجيا. والمفارقة ناتجة من مفهومي الريف والحضر باعتبارهما محددين أساسيين لمسألة الاختلاط. فإن كان الظن بأن اتساع التمدن يوفر فرصة للاختلاط غير أن الحاصل في اليمن هو العكس. يحلو لمروان 27 سنة المقارنة بين ما كان عليه حال الرعيان في منطقته وواقع الجامعة اليمنية لجهة العلاقة بين الجنسين. ويقول الطالب في كلية العلوم - جامعة صنعاء إن شبان قريته وشاباتها ظلوا حتى سنوات قريبة يخرجون لرعي ماشيتهم في شكل جماعي ولم يحدث أن جال في خاطرهم أو بين أهالي القرية أن ينفصل الفتيان عن الفتيات، مشيراً إلى أنه لم يتعرف الى مبدأ الفصل بين الجنسين سوى بعد التحاقه بالجامعة. وتشير رواية مروان الى حال عامة كانت شائعة في اليمن، ثم أخذت تنحسر تدريجاً خصوصاً مع ظهور المدن وما أدى اليه تطور المواصلات من انفتاح القرية على المدينة. فالأسر التي كانت في موطنها الأول لا تمنع الاختلاط باتت تضع حواجز بين الجنسين حتى بين أولئك المنتمين الى منطقة واحدة. والواضح أن التغير الذي طرأ على النظرة العامة الى الاختلاط بقي يتفاوت من منطقة الى أخرى. وبرز الاختلاط في المناطق الساحلية لا سيما في الجنوب، لكنه ظل ينحسر كلما اتجهنا شمالاً، وغالباً ما يكون على اشده في المناطق الزيدية. وباستثناء محافظة حضرموت الجنوبية، عرفت المناطق الشافعية الجنوبية والشمالية على حد سواء انفتاحاً كبيراً على مفهوم الاختلاط الذي بقي يضيق في المناطق الزيدية تبعاً للمرتبة الاجتماعية. ولحظت دراسات انتروبولوجية غربية إطلاق بعض أسر فئة"الأسياد"المتحدرين من عائلة الرسول/ صلى الله عليه وسلّم أسماء مذكرة على الفتيات ينادى بها عليهن في حضور الأغراب، كما ظل تقييد ظهور الإناث أمام الذكور قوياً بما في ذلك أمام الأقارب من الدرجة الثانية. والأرجح أن دخول"الشرشف"التركي الى الشمال وپ"الشيدر"الهندي الى عدن عززا ثقافة العزل بين الجنسين، التي غالباً ما تنطلق من اعتبار التقارب بين الذكر والأنثى غواية وشروع في المحرم. أما تذكير المكان وتأنيثه، فهو ما نجده في الجامعات مثلاً حيث تتمركز الطالبات في جهة من القاعة والطلاب في الجهة الأخرى أو تخصيص مطعم الجامعة نافذة للطالبات وأخرى للطلاب، وهو أيضاً ما يعتمده بعض أكشاك تصوير الملازم في بعض الكليات. ولم يعد الأمر يقتصر على الجامعات فحسب، بل انتقل إلى كل النواحي الاجتماعية من وسائل النقل الى تحديد بعض الحدائق أياماً خاصة بالنساء، وكذلك تحديد المطاعم ومقاهي الإنترنت أجنحة خاصة بالنساء، والجديد ما بدأ يطرحه البعض أخيراً في شأن تحريم تلاقي الذكور والإناث عبر غرف الدردشة الشات على الإنترنت. وتحت عنوان"حكم الشات بين الرجال والنساء"نشر موقع"صوت اليمن"على شبكة الإنترنت أن" مخاطبة الرجل المرأة، أو المرأة الرجل تكلماً أو كتابة من أجل التعارف بينهما، لا يجوز، ولو كان كلاماً بريئاً خالياً مما يخدش الحياء". وأشار الموقع الى أن"هذا النوع من المخاطبة فيه بعض معاني الخلوة الممنوعة، وإن لم تكن كاملة"، معتبراً أنها وان بدت معنوية إلا انها تتضمن معاني الخلوة الجسدية. فهي قد"تورث تعلُّق القلوب بعضها ببعض، وربما تقود مع مرور الوقت وتكررها إلى الخلوة الجسدية". وكان اليمن قبل 1990 شهد، لجهة التوجهات الرسمية، فعلين متضادين. تمثل الأول في احتضان الحكم في الشمال الجماعات الإسلامية المتشددة وما تركه من مفاعيل على الاختلاط، في حين أدى تبني الحكم في الجنوب النظام الاشتراكي الى اعتماد الاختلاط مبدأ أساسياً في منظومة التحرر الاجتماعي. لكن في كلتا الحالتين ظهرت مقاومة اجتماعية، حيث لم تستطع الجماعات الدينية المتشددة، على رغم الدعم الرسمي، تعميم الفصل بين الجنسين خارج المدارس لا سيما في تعز والحديدة التي بقي الاختلاط فيها قائماً حتى سنوات قليلة مضت من خلال تقاليد اجتماعية كثيرة أولها حلقات الرقص المشتركة. وفي الجنوب بقي الاختلاط أكثر بروزاً في مدينة عدن لطبيعة تكوينها الاجتماعي المتنوع. فغالبية سكانها تنحدر من أصول هندية وأفريقية وفارسية. والواضح أن الاختلاط في اليمن يتطلب خرق العادات والتقاليد الموروثة وهو ما لم تستطع ان تفعله حتى الآن سوى فئة المهمشين المعروفة باسم"الاخدام"، التي يشكل الاختلاط مكوناً رئيساً في سلوكها. وما زال الاختلاط يعد تهمة وسلاحاً سياسياً يشهر في وجه الخصوم. والحال أن ليس ثمة قانون يحظر الاختلاط في اليمن بل يسري ذلك تلقائياً بفعل العادة وتقاليد ثقافة العيب. وتتجلى هذه الثقافة أيضاً في أوساط بعض الأسر من قبيل تناول الذكور الطعام بمعزل عن الإناث وهو ما يحصل أيضاً في مقيل القات. لكن اللافت يبقى تسرب هذا الفرز الى داخل مؤسسات المجتمع المدني. فعلاوة على القطاعات النسوية في الأحزاب هناك جمعيات ومعاهد تختص بالفتيات والنساء، بل إن اتحاد طلاب اليمن عين أخيراً مسؤولة خاصة بالفتيات!