تتأرجح صداقات الشباب اليمني بين عالمين. مخزون القيم التقليدية من جهة وعالم مديني يزاوج القديم بالجديد. في رواية"حب ليس إلا"لليمنية نادية الكوكباني يطلب الشاب امين من سلى زميلته في الكلية الزواج، لأن صديقه المتوفى نادر وهو شقيق سلى، جاءه في المنام طالبا منه الاهتمام بشقيقته. في الواقع كما في رواية الكوكباني التي تنهل من الحياة الشعبية في معالجتها قضايا الجيل الجديد، تتبدى القيم التقليدية الأكثر صوغاً للعلاقات. فما زال الوفاء يمثل الخاصية الرئيسة لمفهوم الصداقة عند كثير من الشباب اليمني. وبحسب الطالب في كلية التجارة احمد سعد 20 سنة فإن"التضحية هي المحدد الرئيس للتفريق بين الزميل والصديق"، مشيراً الى أنه لم يرتبط بصداقات حقيقية سوى في الجامعة. وأوضح أن غالبية اصدقائه هم زملاء في الكلية ومعظمهم ينتمي الى مناطق شافعية، لاعتقاده بأن الصديق القروي اكثر وفاء من ابن المدينة. والواضح أنه وعلى رغم تخلخل الخارطة الجغرافية والمذهبية التي بقيت تحكم علاقات اليمنيين لقرون مضت، لا يزال الانغلاق على المنطقة لاسيما في ظل ازدياد نسبة أبناء الريف في المدن يحدد الكثير من العلاقات. ويقول حسين 24سنة وهو من ابناء منطقة حرف سفيان الزيدية أن اللهجة تبدو احيانا عائقا في تعامله مع بعض اصدقائه المنتمين الى مناطق شافعية مثل تعز والحديدة. ويقول:"احيانا عندما يتكلمون مع بعضهم بعضاً لا افهم ما يقولون". غير أن استاذة علم الاجتماع الدكتورة نجاة صائم لا توافق على أن هناك تأثيراً للانتماء المذهبي في الصداقة. وقالت صائم التي أنجزت دراسة أكاديمية حول"علاقة الصداقة بالسعادة"نفذتها على عينة من طلاب جامعة صنعاء وطالباتها"إن الانتماء المناطقي ما زال محدداً رئيساً في تكوين الصداقات"، مشيرة الى أن كثيراً من الطلاب القادمين من مناطق خارج صنعاء عادة ما يكوّنون صداقات مع ابناء مناطقهم أو القريبة منها، كما هي الحال بالنسبة الى ابناء المدينة الذين تكون صداقات معظمهم مع ابناء الحارة أو الحي حيث يقيمون. وذكرت صائم أن غالبية الطلاب والطالبات الذين شملتهم الدراسة استغربوا طرح سؤال حول الصداقة بين الجنسين"كون هذا النوع من الصداقة ما زال نادراً في الوسط الجامعي"، مرجعة ذلك الى طبيعة المجتمع اليمني المحافظ وغياب الاختلاط في مراحل التعليم الأساسي. بيد أن ثمة صداقات تنشأ بين شباب من الجنسين لكنها تبقى محصورة في اعداد قليلة وخاصة في تخصصات معينة مثل اللغات الاجنبية. وترى صائم إن الصداقة بين الجنسين غالباً ما تفضي الى علاقة عاطفية"لأن المرحلة الجامعية تمثل فترة النضج العاطفي". وهو ما أكده نبيل الذي سيتزوج نهاية الشهر الجاري بعد علاقة مع وميض بدأت بالصداقة فقط. ومن المرجح أن يكون مستواهما الثقافي وطبيعة دراستهما الأدب الإنكليزي ساهما في تشكيل هذا التقارب. وقالت اسمهان 33سنة وهي من سكان مدينة عدن أن الصداقة بين الجنسين كانت متوافرة بين الطلاب والطالبات في مراحل التعليم الاساسي والثانوي عندما كان التعليم مختلطاً في ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديموقراطية، مشيرة الى أن ذلك "لم يؤد الى نتائج سلبية قياساً بما هو عليه التشويه النفسي االناتج عن الفصل الحاد بين الذكور والإناث". وكان رجل الدين اليمني الشهير الشيخ عبد المجيد الزنداني خرج قبل سنوات بما اسماه"زواج فرند"مستهدفاً الشباب المسلم المقيم في مجتمعات غربية. وينصب هذا النوع من الزواج على عقد شرعي يعطي الطرفين حق السكن المتباعد. ولعب الانترنت دوراً أساسياً في توطيد أواصر الصداقة، أو حتى بنائها خصوصاً بين الفتيات اللواتي غالباً ما تبقى صداقتهن محصورة بفترة الدراسة ثم تزول بعد التخرج والزواج. وقالت منال 26سنة إنها تتواصل مع صديقاتها عبر الهاتف الجوال وغرف الدردشة على شبكة الانترنت لافتة الى أنها اكتسبت صديقات واصدقاء جدداً عبر الشبكة.