تُذكر مدينة سيمريا حقيقية؟ خيالية؟ في السطر السادس عشر من الكتاب الحادي عشر في"أوذيسة"هوميروس. لا تُذكر المدينة ذاتها ولكن يذكر أهلها: السيمريون. من هؤلاء؟ وماذا تكون سيمريا؟ في السطر السابع عشر يخبرنا هوميروس أنها تتغطى بالضباب والغيوم. نحن في نهاية المقطع الأول من الكتاب الحادي عشر تنقسم"الأوذيسة"- كما"الإلياذة"الى 24 كتاباً. يتألف الكتاب الحادي عشر"مملكة الموتى"من 731 سطراً. انه المقطع الذي يأتي على ذكر السيمريين عرضاً ويصف في كلمات قليلة عالمهم وحياتهم سبعة سطور هي ثم يتابع أوديسيوس مغامرته. هل يحتل السيمريون مكاناً في الكتب الكثيرة التي تحلل أعمال هوميروس؟ لا نقع على ذكر لهم في الكتاب الذي حرره جورج ستاينر وروبرت فايغلز سنة 1962. بعد سنوات طويلة، في العقد الأخير من القرن العشرين، سينشر روبرت فايغلز ترجمته الانكليزية للأوذيسة. في ملاحظاته على الترجمة نقرأ سطراً واحداً عن السيمريين: ناس يعيشون في جوار مملكة الموتى. هوميروس ذاته الرجل الذي أنشد الأوذيسة قبل 27 قرناً ? لا يتوسع في الحديث عن هؤلاء الناس: يمنحهم سبعة سطور فقط في ملحمة من 12 ألف سطر. في هذه السطور السبعة حتى في هذه السطور لا يتكلم حقاً عنهم. ماذا يخبرنا هوميروس عن سيمريا؟ يقول ان السيمريين يحيون هناك، هناك بيوتهم، في أرض ومدينة مغطاة بالضباب والغيوم. عين الشمس تعجز عن اقتحام ظلمة عالمهم"لا يصل اليهم نور. تصعد الشمس الى قبّة السماء ثم تدور كالدولاب وتنحدر حتى تلمس قشرة الأرض من جديد. لكنها في صعودها وهبوطها تظل عاجزة عن اختراق الظلمة اللانهائية المخيمة على رؤوس هؤلاء الرجال البائسين. هوميروس يقول هذا؟ تقريباً. الراوي الفعلي لهذا الجزء هو أوديسيوس. ننسى أحياناً أن كتباً كاملة من"الأوذيسة"لا يرويها هوميروس بل بطله أوديسيوس. تتحطم سفينة أوديسيوس في الكتاب الخامس ويلتقي في الكتاب السادس أميرة وتأخذه الأميرة في الكتاب السابع الى قصر أبيها. تدله الى القصر وتمضي قبله. هنا، في قصر السينوس وزوجته أريت، سيروي أوديسيوس جزءاً من مغامراته: في الكتاب التاسع يروي للملك السينوس وحاشيته قصة العملاق ذي العين الواحدة. في الكتاب العاشر يروي مغامرته مع سيرس، الملكة التي أرادته زوجاً مثل كاليبسو من قبلها. في الكتاب الحادي عشر يروي رحلته الى ارض الاموات وما رآه هناك وما تبادله من احاديث مع أمه الميتة ومع رفاقه الموتى بعضهم سقط تحت أسوار طروادة، وبعضهم قتل بعد الرجوع من الحرب. هذا هو الكتاب الذي تُذكر فيه سيمريا من دون ان تُذكر. أوديسيوس يقول"السيمريين"ولا يقول سيمريا. اذا نسبنا هؤلاء الى مدينة نخترع للمدينة اسمها. هل نثق بحكايات أوديسيوس؟ انه رجل مجبول على الكذب. كل أقرانه وجدوا عقله مملوءاً بالتواءات. آخيل رأى فيه رجلاً يقول شيئاً ويضمر شيئاً آخر. هل قال له هذا صراحة؟ هناك نقطة في"الإلياذة"يوشك فيها آخيل على ازاحة اوديسيوس من دربه كأنه يكشح ذبابة. هذا غضب آخيل وهياجه؟ يراوغ أوديسيوس في كلامه، حتى وهو يكلم أثينا يراوغ. هذه طبيعته؟ نعرف ان جده كان مثله هناك جد آخر تنسب اليه ايضاً حكايات غريبة. عندما ينشد اوديسيوس مغامراته يصغي اليه المحتشدون في قصر السينوس. في مناسبات اخرى سيتكلم هذا الملك علينا ان نتذكر انه ملك ايثاكا وكلما تكلم نرى الناس يصغون الى كلماته: حتى وهو يلبس لباس شحاذ ويتصنع الفقر والبلاهة. حتى عندئذ نجد الناس يستمعون الى عباراته. يعطي هوميروس بطله هذه الخاصية هذه القوة. الكلمات لا تموت في فمه. كلماته حيّة. ليست مستقيمة ككلمات الجامعة بن داوود لكنها مع هذا حيّة. هل نثق بكلمات اوديسيوس؟ هل نصدق ما يرويه عن اغاممنون في العالم الآخر؟ ولماذا لا نصدق؟ الكلمات فيها سحر. لماذا تكلم اوديسيوس باقتضاب عندما ذكر السيمريين؟ يظهر من السطور السبعة المذكورة - نهاية المقطع الاول من الكتاب الحادي عشر - انه لم ينزل في مدينة سيمريا: كان مبحراً في النهر المحيط وجاوز ارض السيمريين فبلغ الضفة الأخيرة. نزل على هذه الضفة، عند تخوم العالم. نزل مع اقرانه يقود الخراف الى النقطة المحددة سيرس دلته الى الهدف: هنا عليه ذبح الخراف وعندما يسيل الدم الاسود في الحفرة تبدأ رحلته الى مملكة الموتى. أوديسيوس يتكلم كلاماً سريعاً، يريد أن يبلغ تلك النقطة في قصته، يريد أن يرى مرة أخرى أمه الميتة، ويريد ان يسمع تايرسياس العرّاف. لا يعرف في المرة الاولى انه سيرى أمه: لا يعرف بعد انها ماتت شوقاً اليه وهو يحارب في طروادة. لكنه في المرة الثانية يعرف. المرة الثانية؟ هذا صحيح: انه يروي للحاشية قصته، وهذا يعني انه يحيا رحلته مرة ثانية. يتلهف لرؤية أمه وأصحابه والعرّاف الذي سيخبره ما سيحدث له بعد ذلك: في طريقه الى المستقبل، الى ايام وشهور وسنوات آتية ايثاكا هناك، في زمن آت. لهفة اوديسيوس تشبه لهفة هوميروس؟ في"الإلياذة"تتحرك الشخصيات على مهل. الرواية كلها رواية؟ تتحرك تحت أسوار طروادة: من الكتاب الاول غضب آخيل يحتدم فيقرر الا يقاتل بعد الآن عقاباً لأغاممنون الى الكتاب الأخير أهل طروادة يحرقون جثة هكتور وينتظرون الأسوأ. في"الإلياذة"لا عجلة. لهذا يبدو كاتبها مختلفاً عن كاتب"الأوذيسة"؟ نقاد كثر ومؤرخون للأدب يزعمون أن كاتب"الأوذيسة"هو كاتب"الإلياذة"ذاته وقد غدا عجوزاً، أشد حكمة، وأقل ميلاًَ الى الطعن والضرب. نقاد غيرهم يجدون المسافة الفاصلة بين الملحمتين كبيرة: الرؤيا الفنية والفلسفية للعالم في الملحمة الأولى لا علاقة لها برؤيا الملحمة الأخرى. هذه مسافة لا يقطعها انسان واحد! النظريات تتعارض وتتناقض. يمكن اضافة نظرية أخرى: كاتب"الإلياذة"عجوز أيضاً. ليس شاباً."الأوذيسة"? مع تهكمها وسخريتها السوداء ليست أشد نضجاً من"الإلياذة". لا عجلة في"الإلياذة". الحركة بطيئة، فخمة، ومروعة. فيها جلال يؤسس السرد الكلاسيكي. تولستوي يستعين بوصف هلين التي لا يصفها هوميروس وهو يخطط شخصية آنا كاريننا؟ الادق القول ان آنا كاريننا ظهرت في أعماق تولستوي وهو يقرأ عن هلين في حياتها الطروادية. أثر المرأة الجميلة في الرجال وفي عالمها. "الأوذيسة"كلها عجلة. لكن هذا لا يجعلها أسرع أو أكثر امتاعاً للقارئ من"الإلياذة". تتحرك هذه الملحمة الرواية على أكثر من خط. هناك اثينا، وهناك تليماكوس ورحلاته، ثم نرى الاب اوديسيوس. هذا لا يحدث في"الإلياذة". في"الإلياذة"ايضاً لا يعطي هوميروس شخصياته ان يتكلموا صفحات تلو صفحات. كلهم يتكلمون ولكن المؤلف يبقى مسيطراً. الراوي الكلي المعرفة لا يدع للرواة ان يتسللوا الى كتابه. في"الأوذيسة"يتراجع هوميروس اكثر من مرة ويتقدم رواة آخرون فرعيون. لعلنا نجد هنا أحد اسباب ولع هذه العصور الحديثة المهتزة بالأوذيسة على حساب الإلياذة جيمس جويس مثل واحد. تتجاور في"الأوذيسة"عوالم كثيرة، واقعية وخيالية. مدينة سيمريا رمز لهذا التوازي بين عوالم"الأوذيسة". انها جزء من عالمنا - بحسب أوديسيوس - لكنها ايضاً تقع عند التخوم، في جوار"بيت الموت"حيث يقيم الفانون بلا عظامهم. هل هذا"البيت"حقيقي؟ هل قصة أوديسيوس حقيقية؟ يكذب على مضيفه؟ يستدر عطفه؟ يلعب بأحاسيسه؟ ما يريده من هذا المضيف سفينة تأخذه الى بيته. في سبيل ذلك يقدر ان يؤلف قصصاً كثيرة. المضيف متلهف على سماعه: يقول ان الليل في أوله - ان هذا الليل لا نهائي - وأنه يقدر ان يسمع حكايات حتى يطلع الفجر. أوديسيوس تعبان ويشعر بالنعس لكنه يكافح ويروي قصة تلو أخرى هذا بعد ان يملأ بطنه،"الكلب الجائع". الغريب في رواية أوديسيوس عن مملكة الموتى انه يذكر مرة تلو اخرى المنامات. عندما يصف حركة الموتى تتكرر الكلمات ذاتها: يسبحون أمامه كأنهم في منام. هل رأى أوديسيوس هذا المقطع من مغامراته في منام؟ انه يذبح الخراف، يرى الدم الاسود يتجمع في الحفرة، وعندئذ فقط يرى تلك الاشباح ويرى امه تدنو ولا تعرف وجهه. كم غيّرته الأعوام؟ كم غيّره البحر وكم غيّرته كاليبسو وكم غيّرته المغامرات؟. هل نام وهو ينظر الى السائل الاسود يتجمع في الحفرة؟ هل نام وكل الكتاب الحادي عشر قطعة من منام؟ لعله نام قبل أن يذبح الخراف بعد قليل يذبح رفاقه خراف الشمس وتحل عليهم اللعنة. لعله نام قبل أن يجاوز ارض السيمريين، حيث يغطي الظلام"تلك الرؤوس البائسة". لعله نام وهو ينظر عبر الضباب متعباً من الرحلة الطويلة، سامعاً الموج يلطم جانب السفينة... ينظر الى أين؟ الضباب يغطي البحر، يتدحرج أبيض كثيفاً ثم يتباعد، وعبر الضباب يرى الرجل مدينة سيمريا. يراها وينام وهو ينظر اليها. ما هذه المدينة التي تنام وأنت تنظر اليها؟ ما هذا الهدوء الذي يملأ الخلايا فجأة ويخرجك من العالم الى مكان بعيد؟ أين أنت؟ تبحث عن مدينة سيمريا في كتاب صدر سنة 1972 ولا تعثر عليها. كالفينو يملأ"مدن غير مرئية"بالاسماء الموحية: زورا. انستازيا. زائيرا. دوروثيا. ايسيدورا. ديوميرا. دسبينا. زيرما. فيدورا. زنوبيا. اوفيميا. هيباتيا. ارميلا. ارسيليا. اسميرالدا. موريانا. بيرشينا. اوليندا. لودوميا. بيرنتيا. تيودورا. بيرينيس. اندريا. بروكوبيا... تبحث وتبحث، تمضي مع ماركو بولو ومضيفه قوبلاي خان من مدينة الى مدينة، تقطع الصين الخيالية من اقصاها الى اقصاها، تجاوز نيويورك وأبراجها، ومع ذلك لا تعثر على سيمريا. مدن كالفينو الخفية تحمل في أعماقها موسيقى واحدة: يكفي أن تكرر لفظ الاسماء حتى تتأكد. من أين تنبع تلك الموسيقى؟ من فينيسيا مدينته الاولى وبيته الاول، مدينة ماركو بولو وبيت ماركو بولو. هل استوقفت مدينة سيمريا كالفينو وهو يقرأ كلمات هوميروس قاعداً في فينيسيا السابحة على ماء؟ سيمريا موجودة؟ هوميروس لا يذكرها في الكتاب الحادي عشر لعله ذكرها في كتب أخرى"مع انه لم يكتب: كان ينشد وغيره يكتب؟. سيمريا موجودة؟ كل ما ذكره هوميروس ان الناس هناك لا تصل اليهم اشعة الشمس. كيف تترجم كلماته الى العربية؟ تقرأ كلماته مترجمة من اليونانية الى الانكليزية وتحاول ان تترجمها الى لغتك وتعجز. سقط البرج في بابل وتبعثرنا على 72 لساناً آلاف الالسنة هي، وفي كل نهار ينقرض لسان: في احدى الجزر البعيدة لغة يتكلمها انسان واحد واذا مات تنقرض هذه اللغة القديمة. على جزيرة أخرى سبع قرى وكل قرية تتكلم لغة تخصها، وكل قرية مفصولة عن القرى الاخرى بالتلال. اذا ارتفع موج البحر وغمر الجزيرة تختفي من هذا العالم اللانهائي سبع لغات. هذا حقيقي. مكتوب في كتب. يُدرس في جامعات. يُنشر في تقارير الاممالمتحدة. ليس خيالياً. سقط برج بابل وتبعثرنا على 72 لساناً وعلى 72 عالماً. كل لسان عالم. كل لغة عالم. هوميروس الانكليزي ليس هوميروس الاغريقي. أوديسيوس لم يتكلم بألسنة. لم يترجم ولم يعبر لغات من عالم الى آخر. هل ترجم؟ هل قطع الحدود بين لغات وهو يغامر في جزر موزعة على بحار قديمة؟ هل تعلَّم يوماً لغة السيمريين؟ هل دخل يوماً مدينتهم؟ سيمريا أرض الضباب والغيوم، حيث الظلمة شديدة. مدينة شتوية هي؟ ابن فضلان بلغ اقاليم الظلمات لكن تلك بلاد البلغار وليست جزيرة في بحار اليونان القديمة. تبحث عن سيمريا في"معجم البلدان"لياقوت الحموي الرومي معاصر ماركو بولو. تجد سيبان. تجد سيتعور. تجد سيتكين وسيج وسيحاط وسيحان. تجد سيحون. سيداباد، سيديز، سيراف، سيران، سيراوند، سيراة، سيرجان، سيسمراباذ، سيسية. سيلا. سيلان. سيلحون. سيلون. سيلة. سينان. سينا. سينيرين. سيوح. أين سيمريا؟ تجد سيوستان، تجد سيوط، تجد سي، تجد سيهى، تجد سيّة. لا تجد سيمريا. لماذا لم يذكر ياقوت الحموي الرومي هذه المدينة في معجمه؟ لم يعرفها؟ كان يعرفها ووجدها غير واقعية؟ لكنه طالما ذكر مدناً خيالية في كتابه. يعرف ابن فضلان وينقل عنه. يعرف زكريا القزويني؟ كان مولعاً بالكتب، يحمل في ذاكرته لغة يعرفها ولا يعرفها، ويبكي اذا احترقت مكتبة. أُسر ياقوت وهو صغير فصار واحداً منا. منا؟ من نكون؟ الهوية حقيقية؟ أهل سيمريا من هم؟ يعرفون لغتهم؟ يحفظون تراثاً وتقاليد؟ ماذا؟ ياقوت لا يذكرهم. لم يعرفهم؟ لم يرَهم في منام يوماً؟ ماذا تكون سيمريا؟ نعرف مدينة على شط البحر، مدينة لا يهمّنا اسمها. مدينة يراها أهل البحر"جَمَلاً بعده تمتد رمال"ويراها أهل الصحراء"سفينة بعدها تمتد المياه". كالفينو رأى تلك المدينة وسمّاها. هل للمدينة اسم واحد؟ هل عرف ياقوت سيمريا مدينة الضباب والغيوم المعلقة عند حافة الحياة وسماها باسم آخر في كتابه؟ أهل سيمريا عندهم كتب؟ عندهم مؤلفات في الأدب والعلوم والتاريخ والجغرافيا؟ عندهم كهرباء ومياه شفة تصل الى بيوتهم؟ في الظلام يضيئون المصابيح، يشعلون ناراً؟ انقرضوا بمرور الاعوام؟ ما زالوا أحياء؟ هم هنا ونحيا بينهم؟ اين سيمريا؟ نعرف أين تقع التيبت. التيبت هضبة عالية تُسمى سقف العالم. تنتشر فيها شاحنات عسكرية هذه الايام. في زمن ماركو بولو انتشرت فيها صقور تصيد طرائد وغزلان مسك يستخرج المسك من بطونها. كافكا يذكر التيبت مرة واحدة في"سور الصين العظيم": الراوي يقول إنه يأتي من الحدود الجنوبية للصين وان قريته تجاور التيبت. نعرف أين التيبت من دون أن نذهب اليها: نضع اصبعاً على الاطلس ونعرف مكانها. نعرف أين سيمريا؟ الطبعة الحادية عشرة من"البريتانيكا"تدلّنا؟ تبحث في المجلدات المطبوعة سنة 1911 عالم ما قبل الحرب الكبرى، عالم ضاع كما يضيع كل شيء فتجد في الصفحة 368 من المجلد السادس ما تبحث عنه. لا تجد المدينة لكنك تجد السيمريين وتعرف ان هوميروس ذكرهم في الكتاب ال 11 من الأوذيسة وأن هيرودوتس أيضاً ذكرهم في تاريخه ولعلهم من أهالي جنوبروسيا. البريتانيكا القديمة تكتب اسمهم هكذا Cimmerii. وفايغلز يكتبها في ترجمته الصادرة سنة 1996 Cimmerians. البريتانيكا القديمة ادبية اللغة، موادها مشرعة على الحقيقي والخيالي. من أوراقها الصفراء القديمة تفوح رائحة الوقت، قوية وحزينة. تبحث عن سيمريا في الموسوعة ولا تعثر عليها. بلاد الروس المظلمة سيبريا مذكورة في رحلات لا تعد. ابن بطوطة يعرفها. أرض الصقالبة يمكن نقلها على الخريطة من شرق أوروبا الى غربها. رحلات عوليس تنتقل بسهولة من شرق المتوسط الى غربه أيضاً. الجغرافيا خيال. كان الادريسي يضع الشمال أسفل الخريطة والجنوب اعلاها. أهل اليابان يضعون اميركا حتى هذه الساعة في أقصى الشرق. الجغرافيا خيال. لكن أين تقع سيمريا؟ ولماذا ننعس ونحن ننظر الى الطيور تحوم في سمائها؟ هل سيمريا موجودة؟ تُذكر سيمريا في السطر السادس عشر من الكتاب الحادي عشر في"الأوذيسة". هوميروس لا يُسمّي المدينة ولكنه يذكر أهلها: السيمريون. الباحث عن هؤلاء في مؤلفات وأطالس وكتالوجات قديمة قد يعثر عليهم. ربما يعثر عليهم في مكان قريب، ربما في مكان أبعد مما تطاله يدك. هل يعثر أيضاً على مدينة سيمريا؟