الصيف يأخذنا الى البحر. ها هي الشمس تسطع، وتغمر المعمورة بالشعاع الحار. نفرّ الى الماء إذاً. اين كان البحر في الشتاء؟ كان هنا، يصخب وموجه يعلو ويهدر، لكننا لم ننتبه إليه! منذ منتصف القرن العشرين أقفرت دروب البحر. المسافرون مالوا الى استخدام الطائرات. وسفن الركاب تحولت ناقلات بضائع، أو رست في الموانئ فنال منها الصدأ: تحولت بيوتاً للسمك والمرجان وعشب البحر. الصيف يُذكرنا بالبحر. والبحر باب خيال يُشرّع في الأدب والفنون والجغرافيا والتاريخ والرحلات انظر ص 18 و19. ماذا يعطينا البحر؟ بحار الواقع والخيال كيف نراها؟ كيف نحصيها؟ هذه قائمة تحوي بحاراً خيالية وواقعية. سمتان رئيستان تجمعان هذه البحار كلها: أ - أن مادتها الماء. ب - انها موجودة. البحر الأبيض المتوسط هل هو بحر حقيقي، هذا "البحر الجواني" الذي يتوسط ثلاث قارات ويحضر في خرائط ومجلدات ولوحات يصعب أن تُعد؟ قبل ستة ملايين سنة لم يكن هذا البحر موجوداً. كانت افريقيا متصلة بأوروبا. لو وُجد أحدنا في تلك الأزمنة السحيقة لكان تسلى بعبور الجبال والأودية من مصر الى ايطاليا راكباً على حصان لو وُجد حصان. في عشرة أيام يقطع الطريق من الاسكندرية التي لم تُبنَ بعد الى صقلية أو روما او البندقية التي لم يسمع أحد اسمها حتى اللحظة. قبل ستة ملايين سنة ارتفعت مياه بحر أقيانوس اسم قديم للمحيط الأطلسي وفارت في أمواج عملاقة فوق "الزقاق" بين المغرب والأندلس وسقطت في الحوض الهائل الى هذا الجانب، وظلت تفور مئة سنة فملأت كل تلك الأودية والجبال التي قطعناها قبل قليل على حصان الفاصلة بين الاسكندرية وصقلية، ملأتها بماء أبيض يغلي زبداً كأنه رغوة الحليب. ثم هدأ البحر. سكن كصحن زجاج أزرق. وتغير عالمنا الى الأبد. لكن كل شيء موقت. وثمة علماء يتوقعون ان يرتفع منسوب بعض البحار في المستقبل وأن تغرق جزرٌ ومدن. بحر الروم المسعودي ابن القرن العاشر للميلاد يسمي هذا البحر "بحر الروم وطرسوس وأذنة المصيصة وانطاكية واللاذقية وصيدا وصور وغير ذلك من ساحل الشام ومصر والاسكندرية وساحل المغرب... طوله خمسة آلاف ميل وعرضه مختلف فمنه 800 ميل ومنه 700 ميل ومنه 600 ميل على حسب مضايقة البر للبحر... ومبدأ هذا البحر من خليج يخرج جارياً من بحر اقيانوس وأضيق موضع في هذا الخليج بين ساحل طنجةوسبتة من بلاد الغرب وبين ساحل الأندلس... ويُعرف بالزقاق... ويقابل سبتة هذه الجبل المعروف بجبل طارق مولى موسى ابن نصير. ويعبر الناس من سبتة الى ساحل الأندلس من غدوة الى الظهر". البحر الأخضر أعطانا أميركا الزقاق الذي يذكره المسعودي عبره ابن جبير وعبره ابن بطوطة وعبره أبو حامد الأندلسي الغرناطي الذي روى خبر المنارة النحاس والحجارة التي بناها هرقل هناك هوميروس يخبرنا ان هرقل كان يقف في تلك النقطة، والسماء على كتفيه. وكان على صخرة طارق تمثال ذراعه تشير الى بحرنا بحر الروم وعليه كتابة ان "لا طريق ورائي" فالأطلسي كان يسمى "بحر الظلمات"، وكان "بحراً لا تجري فيه جارية ولا عمارة فيه ولا حيوان ناطق يسكنه ولا يحاط بمقداره ولا تُدرى غايته ولا يُعلم منتهاه. وهو بحر الظلمات والأخضر المحيط" المسعودي. وهو في الأوذيسة "بحر الضباب" الواقع الى غرب ايثاكا، يخشى البحارة ان تدفعهم الى متاهته رياح غادرة. وهو بحر المخلوقات العجيبة القزويني والجزر المسحورة المسعودي، وما لا يتصوره خيال الغرناطي. ان علاقة تضاد قوية تربط بين البحر الأبيض المتوسط وبين البحر الأخضر أو البحر المحيط الأطلسي. فإلى هذه الجهة يقع العالم الذي يعرفه أسلافنا، ببحر يعرفونه ويعرفون أسماكه وحيواناته وجزره وسواحله، ولو كانت هذه المعرفة ناقصة. أما الى تلك الجهة - وراء "الزقاق"، وراء مضيق جبل طارق - فيقع المجهول. هناك تقع بحار لا يعود منها داخل اليها: من ضرب في ذلك السهل المائي الشاسع المضطرب ضاع الى الأبد، لا يرجع بعد ذلك الى بيته، لا يعرفه أهله، لا يجد نفسه. أما هنا، في بحر الروم الذي هو بحر مصر وبحر الشام وبحر المغرب أيضاً، فالعواصف مهما اشتدت - حتى ولو كسرت المراكب وأعدمت البحارة الحياة - تبقى عواصف أليفة: لأن هذا البحر ملعبنا: على حافته نحيا، في مياهه نطرح الشباك ونصيد السمك، وعلى صفحته نرسل المراكب محملة بالبضائع. في حرّ الصيف نبترد بين أمواجه، ونسبح مع الدلافين. هذا بحرٌ يعطينا الحياة. ماذا يعطينا "بحر الظلمات" في المقابل؟ هناك يحيا الليفياثون الحوت العظيم الذي يبتلع سفناً. هناك القصور الزجاج التي تخلب الألباب وتُفقد الكائن ذاكرته أوديسيوس أخذته الريح المنتقمة الى تلك البقاع فينسى أهله. هناك عرائس البحر. وهناك - بعد 1492 وسفن كولومبوس - قارة شاسعة مملوءة بالبوفالو والهنود الحمر ومناجم الذهب وسهول الحبوب. إيجه والأدرياتيكي والتيراني هل يكون "بحر الظلمات" جزءاً من "البحر الجوّاني"؟ هل يكون الأطلسي الامتداد الغامض الخيالي للبحر المتوسط الذي خبره أسلافنا؟ المتوسط بحر غريب: يمد ذراعاً طويلة بين بر الأناضول وبر اليونان فيظهر بحر إيجه بأرخبيل جزر لا تُعد، جزر متقاربة حتى أن ادوارد لير رسم عند انتصاف القرن التاسع عشر رجلاً بساقين طويلتين يخطو بين هذه الجزر، ثم بخطوة أخرى واسعة يبلغ اسطنبول. والمتوسط يمد ساعداً آخر بين بلاد البلقان وايطاليا فنرى البحر الأدرياتيكي الذي سُمي في عصور النهضة الأوروبية بحر البندقية، والذي أُخذ منه ماركو بولو - ذات يوم بعيد من القرن الثالث عشر - أسيراً الى جنوا، فكتب سجيناً رحلاته الصينية. والى الغرب من ايطاليا، شمال جزيرة صقلية، يقع البحر التيراني. حدوده الغربية جزيرة سردينيا، وبعد سردينيا ندخل قسماً آخر من هذا الأزرق الشاسع: ها هي جزر البليار تظهر، وها هو الساحل الاسباني يلوح، وها هي برشلونة: مدينة أخرى صنعها هذا البحر. بحر يصنع مدناً بحر يصنع مدناً: طنجة والاسكندرية ودمياط ويافا وصور وصيدا وبيروت وطرابلس واللاذقية وازمير ونابولي و... كيف نحصي المدن التي أعطاها المتوسط للتاريخ عبر القرون؟ هوميروس بدأ "الإلياذة" عند حافة البحر وأنهاها عند حافة البحر. لا تبحر السفن في هذه الملحمة. نراها راسية منذ الكتاب الأول على حافة إيجه الى الجانب التركي حيث ترتفع أسوار طروادة ونعلم انها أتت من الجانب الآخر الإغريقي. تستمر المعارك كرّاً وفراً تحت أسوار طروادة الى الكتاب الأخير، الكتاب الرابع والعشرين، ولا تسقط طروادة: بل ان أهل طروادة أوشكوا في هجوم مضاد ان يقضوا على اليونان وأن يحرقوا الأسطول الراسي عند الشط، حيث آخيل الممتنع عن القتال - نكاية بأغاممنون - يقعد ويسمع الربابة ويأكل شواء ويشرب ويتأمل أمواج البحر. لا أحد يقرأ الإلياذة هذه الأيام. تنتهي الإلياذة بصورتين: صورة بطل طروادة تُحرق جثته داخل أسوار مدينته بعد أن قتله آخيل وشنع به. وصورة آخيل - رجل الغضب - قاعداً عند حافة البحر ينظر الى الموج حزيناً وكئيباً، يبكي على صاحبه بتروكلوس الذي مات لابساً ثيابه. تنتهي "الإلياذة" وهي تشير الى ما سيأتي. ولا نعرف ماذا حدث فعلاً إلا في ملاحم أخرى كتبها هوميروس وآخرون. لكننا في "الأوذيسة" نرى أخيراً سفناً تحرث صفحة البحر. السفن التي سمعنا عنها الحكايات في الالياذة نراها الآن مبحرة كل الوقت. نرى البحر، قاتماً كالخمر، ونرى الموج يعلو أبيض في مقدمة السفينة، والشراع المنفوخ ريحاً يشدنا الى أمام. الأوذيسة ملحمة بحار. حتى ولو قطع تليماكوس - في كتبها الأولى - بعض براري اليونان راكباً عربة برونز بعجلة تجرها الخيول هوميروس يشق في المخيلة دروباً صالحة للعجلات في بر اليونان الوعر. نقاده لا يعجبهم هذا. بعد 26 قرناً يرتكب تولستوي خطأ مشابهاً في الجزء الأول من "الحرب والسلم": نرى ضابطاً يركب عربة خيل طرازها لن يظهر إلا بعد عقود. جزيرة الكنز القراصنة عطايا البحر. وروبرت لويس ستيفنسون أيضاً. من يذكر اسم السفينة في "جزيرة الكنز"؟ هسبانيولا. من أي ميناء أبحرت الى مغامرتها التي نكرر قراءتها الى هذا اليوم؟ من ميناء بريستول. ما اسم السفينة في "المخطوف"؟ والى أي جزيرة يسبح الرجل المسكين عند انكسار المركب؟ يسبح وينجو بحياته مثلما فعل أوديسيوس من قبله، ومثلما فعل روبنسون كروزو، ومثلما فعل جلفر. جوناثان سويفت ليس دانيال ديفو لكن الاثنين يبدآن الرواية من كارثة بحرية. البحر باب الخيال. لويس كارول يأخذ أليس الى بلاد العجائب عبر مرآة. لكن قبل أن تدخل أليس المرآة المعلقة فوق الموقدة يرتعش سطح المرآة ويبدو الزجاج كأنه يسيل. كيف يبدأ "العهد القديم"؟ الروح ترف على وجه الماء، ومن الماء نعبر الى الحياة. بلا البحر كيف تمطر السماء، كيف ينبت العشب والزهر والشجر؟ بحر كريت يبحر عوليس بين جزر إيجه وينحدر الى بحر كريت ويريد أن يدور ويطلع صوب ايثاكا في خرائط الإدريسي الذي يضع الشمال أسفل الخريطة علينا أن نقلب الكلمات. لكن الريح تجري بما لا يشتهي. المتنبي، مثل سلف اسمه امرؤ القيس، يستدعي عبارات البحر الى حياته الصحراوية: يتكلم عن السفن، بينما امرؤ القيس ينظر الى "ليل كموج البحر أرخى سدوله". يقعد آخيل على الشط حزيناً، كأن ادوارد مونخ سيأتي الآن ويرسمه في لوحة يغلب عليها الأخضر والأسود والرمادي. ويطارد المتنبي خيالاً في الصحراء وهو يتخيل كثبان الرمل موجاً أزرق. الصحراء مالحة، والبحر مالح. وفي اللجة المالحة تحيا مخلوقات لا تحصى: ليس السمك والدلفين والقريدس والسلطعون والكركند فقط، بل القرش وأم الحيّات أيضاً. وأم الحيّات سمكة غريبة بأذرع كثيرة، وصفها الغرناطي في رحلته، ووصف كيف تُطبق على رجل فتمتصه وتبتلعه. هذاالمخلوق الذي وصفه ابن القرن الثاني عشر، هذا الاخطبوط، هو رعب البحر الجوّاني القديم، لكنه ليس الرعب الوحيد. هل ننسى العواصف التي أغرقت عائلة ابن خلدون، وكسرت مركب ابن بطوطة؟ وهل ننسى الحوت؟ الحوت موبي ديك الساعي من البحار الجنوبية أسفل المحيط الهادئ الى بحر اليابان في الجانب الآخر من كوكبنا الأزرق، وحوت النبي يونس عليه السلام، وليس حوت ابن بطوطة الذي يسمي السمك حوتاً. بحر طبرية البحر طريق صعبة. والبحر الذي يسير على وجهه ابن الناصرة في الأناجيل ليس البحر الأبيض المتوسط وهذا يُذكر عند ذكر يافا بل بحر طبرية، أو بحيرة طبرية أسفل جبل الجليل. فجزء كبير من الأناجيل تجري أحداثه هنا، حول بحيرة طبرية، وعلى مراكب تعبر صفحتها. بطرس سمعان وأخوه صادا سمكاً هنا. وابن الناصرة ملأ شباكهما. لكن بحيرة طبرية ليست البحر. في "ألف ليلة وليلة" بحيرة بين أربعة جبال مملوءة سمكاً ملوناً. بحر القُلزم قبل ذلك، في "العهد القديم"، نرى البحر. ليس البحر الأحمر فقط ينشق أمام موسى وأصحابه العرب القدامى يسمونه بحر القُلزم وهو لسان من البحر الحبشي أو الهندي ثم يسقط كجبلين هائلين على رجال فرعون. بل بحار أخرى كثيرة أيضاً. بحر النيل مثلاً. الجغرافيون العرب يسمون دجلة "بحر دجلة"، وهو بحر شهير في "ألف ليلة وليلة"، مع ان شهريار لم يسكن بغداد بل جزائر الهند والصين. وهناك البحر الذي غرق فيه يونان يونس، فالتفت برأسه أعشاب البحر، قبل أن يجيء اليه الحوت. جلّ البحر "سفر يونان" قصير. يحاول أن يفرّ بسفينة من يافا الى ترشيش. يحدث "نوء عظيم". يبلعه الحوت ثم يلفظه. ونرى غيمة كاليقطينة تظلل رأسه. عنده مهمة في نينوى وينفذ المهمة. لا نذهب معه في رحلة طويلة، لكن نزوله الى جوف الحوت يحرك الخيال. هرمان ملفل يعلم هذا. يرسل البحر حوتاً فيقطع ساق القبطان، وتغدو حياة القبطان - أهاب الشبيه بملك خارج من رأس شكسبير - معلقة بالحوت الأبيض حتى النهاية. يعطينا البحر أشياء كثيرة. مرة يعطينا سمكاً، ومرة يعطينا أميركا "أميرقة البلاد الجديدة" بحسب الطهطاوي. مرة يعطينا بيروت مزدهرة بيروت بعد ابراهيم باشا وبناء الكرنتينا سنة 1834، ومرة يعطينا اليأس ممتزجاً بأمل. علي العود من "جلّ البحر" - رأس بيروت - عنده حكاية عن عرائس بحر أبصرهن جدّه الصياد في النقطة الأعمق من خليج عين المريسة: 180 متراً تحت سطح الماء. سمكة همنغواي عجوز همنغواي يعطيه البحر سمكة كبيرة ثم يرسل اليه القرش ليأكل السمكة التي صادها وعلقها بمؤخرة المركب. يخسر العجوز ولا يخسر. لكن "الشيخ والبحر" تُنشر في مجلة "لايف" عدد خاص، تبيع مليون نسخة بين ليلة وضحاها، وتحمل نوبل الآداب الى همنغواي. هل أعطى البحر همنغواي مطلبه الصياد في قصة شهرزاد خرج له مارد شرير من القمقم؟ قتل همنغواي نفسه بعد زمن قصير. البحر كالعالم يُعطي ويأخذ في اللحظة ذاتها. ماذا أعطى البحر رجلاً مثل جوزف كونراد؟ حوَّله من بولندي الى انكليزي ثم منحه حفنة روايات. نرى البحر في "قلب الظلام" يتهادى في الظلمة، له صوت وصدى، والسفن تخرج من التايمز - من لندن مخزن الامبراطورية - وتنتشر على صفحة الكوكب. نرى البحر مربوطاً بأنهار تخترق قارات منيرة ومظلمة، لكن لونه ليس أزرق. الليل يغلب على عينيّ كونراد. ابن جبير رأى البحر ساكناً كصحن زجاج بعد هبوب عاصفة. القزويني رأى سمكاً عجيباً يخرج منه ويطير فوق صفحة الماء. برفروك، صاحب ت. س اليوت، تمنى أن يكون زوجاً من مخالب ترعى أراضي المحيطات الصامتة. قبله رأى كولريدج القنال الانكليزي يفور، بحر المانش يفور ويغلي، والنورماندي أيضاً: ارتفعت البحار وغمرت الجزيرة. غمرت لندن كلها. السفن غرقت في التايمز، ورفاق كونراد الذين "يتبعون البحر" ولا يخشون "الموت الكامن في الهواء والماء والحشائش" يشبعون الآن موتاً. دي كوينسي، صديق كولريدج ومدخن الأفيون مثله ومثل بطل "بوابة المئة تنهيدة" كبلنغ، رأى السمك يدخل نوافذ البرلمان الانكليزي ويقع في طناجر على النار. الصورة ذاتها تتكرر وراء "بحر الظلمات" في روايات وأشعار. غابرييلا ميسترال تمشي على ساحل تشيلي وترى سمكة تخرج من البحر، لونها أحمر لامع كالنحاس. في الصفحات الأولى من "ألف ليلة وليلة" يطرح صياد شبكاً في بحر دجلة فيصيد حماراً! صياد آخر يخرج صندوقاً مقفلاً فيه قماش ثمين وتحت القماش امرأة مذبوحة. ما الذي يخرج من البحر؟ عند انتصاف القرن التاسع عشر غيّر البحر بيروت من قرية صغيرة مسورة بسور فيه خمسة أبواب، الى مدينة تجارية بلا سور، صاخبة كبرج بابل، تعجّ ببضائع تأتي من وراء البحر وتذهب من هنا في قوافل الى الشام. قبل ذلك، في القرنين السادس عشر والسابع عشر، أعطى البحر صيدا المذكورة في هوميروس ارتباطاً تجارياً بدمياط، جعل نصارى المدينة يتحولون من الارثوذكسية الى الكاثوليكية طلباً لحماية البابا في روما: وحده البابا كان يستطيع أن يحمي بحارة صيدا من غزوات القراصنة المستوطنين مالطة منذ أيام ريكاردوس قلب الأسد. البحر رفع دمياط، والبحر حطها. بعد ذلك رفع الاسكندرية. وعند شق السويس في 1869 رفع بور سعيد. مدن يخترعها البحر ثم ينساها.