مع ثورة الاتصالات، غدا الإعلام أحدى أهم الوسائل القتاليَّة في الحروب الحديثة، لجهة ودعم فرص النصر على أرض المعركة وتعزيزها، عبر ضخَّ المعلومة والصورة، الذي يدخل في آليات صناعة الحرب النفسيَّة وإدارتها. وذلك، من خلال ملء العيون والأذهان بالصور، وقصف العقول بالإخبار، التي غالباً ما تكون مختلقة أو مغايرة لمعطيات الحرب الفعليَّة ومجرياتها على الأرض، توخياً لزيادة منسوب الطاقة المعنوية لجهة ما، ونسفها أو تجفيفها لدى خصمها في الصراع أو القتال الناشب بينهما. فالجانب المعنوي مهم للغاية في الجبهات الأماميَّة لدى الجنود، والجبهات الخلفيَّة، والرأي العام المحلِّي والعالمي. انطلاقاً من ذلك نلاحظ كيف حدث خلال الحرب الضارية، الدائرة في جبال كردستان العراق بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، أن تسرَّب قبل أيام شريط فيديو الى الإعلام التركي، يصوِّر حديثاً دائراً بين قائد الأركان التركي ياشار بيوكآنط وقائد دائرة الحرب الإلكترونيَّة في هيئة الأركان، الجنرال منير آرتان، يذكر فيه الأخير ان حصيلة ضحايا"الكردستاني"في الهجوم الجوَّي الذي شنته 52 طائرة"أف 16"على جبال قنديل في 16 كانون الثاني يناير 2008، كانت 5 قتلى و8 جرحى، الحصيلة ذاتها التي أعلنها الكردستاني، في حين، أن هيئة الأركان كانت صرَّحت للرأي العام وقتها، بأن خسائر"الكردستاني"في ذلك الهجوم كانت 175 قتيلاً! وهذا ما تناقله الإعلام التركي. وعلَّق بيوكآنط على تسريب شريط الفيديو قائلاً:"إن من نشره، يودُّ المسَّ بهيبة الدولة والجيش التركي"! ثم أصدر أوامره بعدم نشر أي خبر أو صورة متعلِّقة بالمعارك الدائرة، إن لم يكن مصدرها هيئة الأركان. وفعلاً، شطبت الصحف والفضائيات التركيَّة ملف الفيديو ذاك من على مواقعها الالكترونيَّة. حتى أن مراسلي بعض القنوات الفضائيَّة والصحف العربيَّة بدأوا يصوغون تقاريرهم وتحليلاتهم بما ينسجم ورأي المؤسَّسة العسكريَّة التركيَّة. ما جرى في ذاك اليوم، قد ينطبق عليه وصف"مكمن إعلامي فضائي"، في سياق المكاسرة الإعلاميَّة التي تعكس أحد أوجه الحرب الضروس بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. وكان سيناريو"الكمين"على الشكل الآتي:"ذكرت مصادر حزب العمال إنه اسقط طائرة هيلوكوبتر من نوع كوبرا، في المعارك الدائرة". وتناقلت وسائل الإعلام هذا الخبر، ومنها الفضائيَّة الكرديَّة"روج". لكن، هيئة الأركان نفت الخبر. ثم أعلن"الكردستاني"أسمي الطيارين القتيلين اللذين كانا على متنها، فاضطرت هيئة الأركان التركيَّة إلى الاعتراف، مع ذكر"إن سبب سقوط الطائرة غير معروف". وفي نشرة الظهيرة الإخباريَّة، ذكرت فضائيَّة"روج تي في"، التي يضيّق الخناق عليها، بضغط أميركي - تركي بغية إغلاقها، أن صوراً وصلتها عن إسقاط الطائرة، وستبثها حال تجهيزها. واستمرَّت تكرر هذا الخبر في نشراتها حتى الساعة السادسة مساءً، لخلق حال من الترقُّب والتشويق، فبثَّت صور فيديو وصوراً فوتوغرافيَّة قديمة، لطائرة كان قد أسقطها المقاتلون الكرد عام 1997. فوراً، وبعدها بلحظات، أصدرت هيئة الأركان التركيَّة بياناً ذكرت فيه، ما معناه ان"الطائرة التي أسقطت حديثاً، لم تكن بنيران الكردستاني، بدليل أن الصور التي تمَّ بثُّها، هي قديمة". وبعد صدور البيان التركي، بثَّت الفضائيَّة الكرديَّة"روج تي في"شريط الفيديو الذي يصوِّر، كيف يسقط المقاتلون الكرد الطائرة الجديدة، بقذيفة مضادة للمدرَّعات، وليس بالمضادات الجويَّة، حال اقتراب الطائرة منهم. بدا المشهد وكأنه كمين نصبته الفضائيَّة الكرديَّة، لهيئة الأركان التي تسيّر إمبراطوريَّة إعلاميَّة لخدمة حربها. وسقطت هيئة الأركان في الفخ، وبانت لاصدقيَّة أخبارها وصورها التي تنقلها للأتراك والعالم عن سير المعارك!. وهذه ليست المرَّة الأولى التي تُحرج فيها الفضائيَّة الكرديَّة"روج"، عبر نصب الكمائن، إذ سبق أن نجحت في نصب كمين آخر، حين أسر المقاتلون الكرد ثمانية جنود أتراك. في البداية أنكرت هيئة الأركان ذلك، ثم ذكرت فضائية"روج تي في"أسماءهم، فاعترفت هيئة الأركان بالأمر، لكنها قالت:"إن جنودها تاهوا، وليسوا أسرى". وحين بثَّت"روج"صورهم وأحاديثهم، لاذت هيئة الأركان والإعلام التركي عموماً بالصمت. ترى اليس هذا كله من أسباب الضغوط الحاليَّة على قناة"روج"؟