تزايدت المساعي التركية للضغط على الحكومة البلجيكية ودفعها إلى إغلاق استوديوات الفضائية الكردية "روج تي في"، الكائنة في العاصمة بروكسيل. وتأتي هذه المحاولات، بعد أن رفضت الدنمارك الخضوع للاملاءات التركيَّة، في ما يخصُّ سحب الترخيص الذي يسمح ببث الفضائيَّة الكرديَّة"روج"من على أراضيها. وذكرت مصادر مطلعة أن استهداف"روج تي في"، كان من بين الإجراءات المعادية لحقوق الكُرد، التي بحثها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأميركي جورج بوش، خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض في أيلول سبتمبر الماضي، في إطار صفقة متكاملة لمحاصرة حزب العمال الكردستاني، داخل تركيا وخارجها. وكشفت المصادر ذاتها، إن السلطات البلجيكية، تدرس الآن قراراً بإغلاق الاستوديو المركزي لپ"روج تي في"الموجود في بروكسيل، وإن هذا الإجراء، المفاجئ، يأتي بعد زيارات المدّعي العام البلجيكي لتركيا. وكان مسؤول في دائرة مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجيَّة الأميركيَّة، قد صرَّح لصحيفة"حرييت"التركيَّة بالقول:"روج تي في"، هي الجبهة الأماميَّة للإرهاب، قاصداً الكردستاني. وزار المسؤول الأميركي نفسه، بروكسيلوأنقرة في الآونة الأخيرة، في سياق الحملة التركية - الأميركية على الإعلام الكردي في أوروبا. مطاردة فضائيَّة والجدير بالذكر أن الأكراد كانوا أدركوا منذ زمن أن حراكهم السياسي والعسكري في تركيا، لنيل حقوقهم المشروعة، ينبغي أن يكون مصحوباً بتغطية إعلاميَّة، تضع الرأي العام الكردي والتركي والعالمي في صلب المشهد وحيثيات أحداثه، بعيداً من التعتيم والتشويش والتشويه التركي، فكانت فضائيَّة"ميد تي في"الكردية، التي بدأت بثها في ربيع 1995 من لندن. لكن، نتيجة الضغوط التركية - الأميركية، سحبت لندن ترخيص البثّ من الفضائيَّة الكرديَّة"ميد". وبذا، اسودَّت الشاشة الفضائيَّة الكرديَّة الأولى في التاريخ، في ربيع 1999. فاتَّجه الأكراد لخيار فضائي آخر، وكانت فضائيَّة"ميديا تي في"التي راحت تبث من باريس. ولكن، هنا أيضاً ونتيجة الضغوط ذاتها، رضخت باريس، وسحبت ترخيص البثّ من هذه الفضائيَّة الكرديَّة أيضاً، في شباط 2004، بحجَّة أن"ميديا تي في"هي تتمَّة أو امتداد لپ"ميد تي في"! وهنا سرعان ما دخل الأكراد المرحلة الثالثة من ماراثون المطاردة التركيَّة لهم فضائيَّاً، حيث بدأت فضائيَّة"روج تي في"، بثَّها التجريبي في 21 شباط فبراير 2004، وبثَّها الفعلي في الأول من آذار مارس 2004. ومنذ ذلك الحين، والضغوط التركيَّة مستمرَّة لإغلاق هذا المنبر الفضائي الكردي، عبر القيام برزمة إجراءات، منها: مطالبة مملكة الدنمارك، بسحب ترخيص البثّ من القناة الكرديَّة، ومنع أهالي القرى الكرديَّة جنوب شرق تركيا من وضع الأطباق اللاقطة لبثِّها، والتشويش على إشارة البث الكردي، وحجب الموقع الالكتروني لپ"روج تي في"! الحديقة التي تقصف وپ"روج تي في"التي بدأت بثَّها بعشر ساعات، لتصل إلى 19 ساعة يومياً، مهددة إذاً بأن تشطب من الفضاء، بفعل الضغط التركي المدعوم من جهات أميركية وأوروبية. وتبثُّ القناة الأخبار والبرامج السياسيَّة والثقافية والفنيَّة بلهجات اللغة الكرديَّة الكرمانجيَّة والصورانيَّة والزازاكيَّة، وباللغة التركيَّة والعربيَّة والفارسيَّة والسريانيَّة، لتعطي الأنموذج للموزاييك الثقافي الشرق أوسطي. وقال بنياد جزيزي، أحد مذيعي القسم العربي في الفضائيَّة، تعليقاً على مساعي إقفالها:"إن ما تتعرَّض له فضائيتنا حاليَّاً، يندرج ضمن الحملة الموتورة على المسعى التحرري الكردي. وكخطوة احترازيَّة استباقيَّة، في سياق التمهيد للغزو التركي لكردستان العراق، بدعم ومساندة أميركيَّة - إسرائيليَّة، كي تبقى فظائع الحرب التركيَّة والدور الأميركي - الإسرائيلي مستورة عن الرأي العام، لأننا نفضح هذا الدور". أياً يكن الأمر، اعتاد الأكراد خوض ماراثون الملاحقات التركيَّة لهم في المنفى الأوروبي، من هنا سيكون لهم خيارهم الفضائي الجديد، إن تمَّ إطفاء قناة"روج"تعني الشمس بالكرديَّة. لكن السؤال المطروح هنا: إذا كان دور واشنطن وتل أبيب معروفاً ومشهوداً في معاداة حقوق الكُرد في تركيا، فإلى متى سترضخ باريسولندن وبلجيكا، لمنطق السياسة والمصالح مع تركيا، وتشترك في قمعها للحقوق الكرديَّة؟ حينئذ، ما عسى الأكراد أن يقولوا بحقّ أنقرة، إن كانت أهم عواصم أوروبا مناهضة لهم؟