تواصل الدولة التركية ضغوطاتها على الإعلام الكردي، داخل تركيا وخارجها، وتحديداً الإعلام غير الخاضع لأجندة حزب العدالة والتنمية وذهنية الدولة التركية. ومن ذلك، الدعوى المرفوعة بحق فضائية «روج تي في» امام المحاكم الدنماركية، التي بدأت أولى جلساتها في الخامس عشر من الشهر الجاري. ويشير مراقبون الى إن هذه الدعوى هي امتحان لقيم العدالة والديموقراطية ومبادئ حرية الرأي والتعبير في أوروبا. وكشف مدير دائر البث في قناة «روج» الكردية، آمد دجلة ل «الحياة»، أن السلطات التركية قدّمت للمدعي العام الدنماركي 25 ملفاً تتضمن آلاف الصفحات من (الاتهامات والادلة)، تطالب فيها بإغلاق الفضائية ووضع اليد على كل أرصدتها وإستوديوهاتها. وقال دجلة: «الدولة التركية لا تكتفي بالمطالبة بأن يطغى اللون الأسود على شاشة فضائيتنا، وخنق الرئة الكردية الإعلامية الوحيدة للشعب الكردي في الفضاء الاوروبي، بل تريد سدّ الطريق أمام أي محاولة كردية أخرى لإطلاق بديل عن روج إذا تكللت مساعي تركيا بالنجاح في الدعوى المرفوعة ضدنا في الدنمارك». وأضاف دجلة: «بدلاً من أن تسعى الحكومة التركية، إلى حلّ القضية الكردية بشكل سلمي وعادل ومنصف، وتفسح لنا المجال لبث برامجنا من ديار بكر (كبرى المدن الكردية جنوب شرق تركيا)، فإنها تلاحق بثّنا حتى لو كان في أميركا اللاتينية!». بينما تحدث فايق عمر، مقدّم برنامج «روج نامة» الذي تبثه «روج تي في» باللغة العربيّة، ل «الحياة» قائلاً: «الضغوط التي تمارَس على فضائيتنا لا تقتصر على النظام التركي، بل تشمل ضغوطات النظامين السوري والإيراني أيضاً، وذلك على خلفية متابعتنا للجرائم التي ترتكب بحق الشعب الكردي في البلدين، ورصدنا لأحداث الانتفاضة السورية ومجرياتها». وتابع عمر حديثه: «الحجج التي بنت عليها السلطات التركية الدعوى المرفوعة ضد فضائيتنا، إذا اسقطناها على أداء قنوات «الجزيرة» و «العربية» و «بي بي سي العربية» و «فرانس 24»، حيال تغطيتها أحداث الثورات والانتفاضات العربية، فإنه يجب أن تُغلق هذه القنوات كلها». وتساءل عمر: «إذا كان هذا هو حال الإعلام الكردي في أوروبا، ملاحَقاً من قبل تركيا، فما حال الإعلام الكردي داخل تركيا إذن؟!»، مؤكِّداً ان الدعوى المرفوعة ضد روج «سياسية بامتياز، وتفتقد لأدنى درجات المهنية والحقوقية». وقال: «نحن الآن بانتظار دعم كل المؤسسات الاعلاميّة العربية والعالمية ومساندتها، لكون الكلمة الحرة والرأي الحر هما المُستهدفين من قبل السلطات التركية، لا قناة كردية تكافح من أجل إيصال المعلومة والخبر للمشاهد الكردي والتركي والعربي والفارسي، بعيداً من ذهنية الأنظمة التي تقمع وتضطهد الكرد». واتجه الآلاف من الكرد المقيمين في ألمانيا والسويد والدانمارك يوم أمس الإثنين، الى العاصمة الدنماركية كوبنهاعن، ونصبوا خيمة أمام المحكمة التي تنظر في الدعوى المرفوعة ضد «روج تي في»، تعبيراً عن احتجاجهم على المحاكمة وتضامنهم مع القناة الكردية. كما حضر الجلسة العشرات من الساسة والأكاديميين والمثقفين الكرد والأوروبيين، وثلاثةُ برلمانيين كرد عن حزب السلام والديموقراطية في تركيا، وبرلمانيون أوروبيون، تعبيراً عن دعمهم للقناة الكردية واستنكارهم لهذه المحاكمة، وأصدروا بياناً صحافياً مشتركاً قبل جلسة المحاكمة. هذا وتستمر المحاكمة لغاية التاسع مع شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الجاري، إلاّ ان مراقبين توقعوا أن تأخذ وقتاً أكثر. وخلال هذه الفترة، سيتم توسيع نطاق حملة التعريف ب «روج تي في» والتضامن معها. وكانت فضائية «روج» عُرْضَةً للهجمات التركية منذ البدء ببثها سنة 2004 وحتّى الآن. وفي هذا الاطار، قامت السلطات التركية بمراجعة الهيئة العامة للبث التلفزيوني في الدنمارك ثلاث مرات، وتم رفض مطالب الاتراك بإغلاق «روج تي في». ومطلع العام الجاري، تم ترشيح هذه القناة لنيل جائزة نوبل للسلام، عبر بيان أصدره نحو 150 شخصية علمية وثقافية وحقوقية عالمية، بينهم داعية السلام القس ديزموند توتو، والمفكر الاميركي نعوم تشومسكي، وبرلمانيون أوروبيون وألمان وبلجيك. وتجدر الإشارة الى ان «روج تي في»، حصلت على ترخيص البث من الدانمارك سنة 2003، وبدأت بالبث في نيسان 2004. وحصلت هذه القناة من البلد الذي تحاكم فيه الآن على جائزة حرية الرأي والتعبير في شباط الماضي.