- كم يبلغ سعره؟ - عشرة. - لا، سأدفع ثمانية فقط. عملية فصال مشروعة عند شراء سلعة ما، والسلعة هي شيء يُباع ويُشترى، قابل للفصال والاستبدال والرد. فهل تحصل مماحكات مماثلة إذا كانت السلعة... إنساناً؟ بحسب المجلس القومي للطفولة والأمومة ووزارة العدل، يستحق هذا الأمر وقفة وروّية، ثم حملة توعية، وقانوناً صارماً، وعقوبة مشددة، من أجل وقف الاتجار بالبشر. ويسود اعتقاد بين المصريين أن هذه الظاهرة بعيدة عن مجتمعهم، ومنهم من يعتبر أنها غير موجودة. إلاّ أن الاتجار في البشر ظاهرة متعددة الجوانب، ولا تقتصر على مفهوم العبودية أو الرق أو الدعارة المنظمة. وتشمل ظواهر أخرى لطالما اعتقدنا بأنها"عادية"مثل الأطفال خدم في المنازل، وعمالة الصغار، وزواج القاصرات، والزواج القسري، وأطفال الشوارع، وغير ذلك. منتدى فيينا لمكافحة الاتجار بالبشر، الذي عُقد قبل أسبوعين، شهد إشارة مصرية إلى تحوّل نوعي في التعاطي مع هذه الظاهرة. رئيسة"حركة سوزان مبارك الدولية للمرأة من أجل السلام"، ومؤسِّستها السيدة مبارك، أعلنت أن مصر تتجه إلى"تطوير هياكل حماية، وتعزيز نظامنا القضائي، من خلال تشريعات خاصة لمواجهة أبعاد ظاهرة عبور الأفراد إلى دول الجوار". وتشير الأمينة العامة للمجلس القومي للطفولة والأمومة، السفيرة مشيرة خطاب، إلى أن مصر لا تقع في"المنطقة الحمراء"، في ما يتعلق بالاتجار بالأطفال، مقارنة بدول أخرى من العالم. فهي لا تصدّر هذه الظاهرة أو تستوردها. لكن التغيرات السريعة التي يشهدها العالم في حركة البشر واللاجئين، استدعت إنشاء وحدة لمكافحة الاتجار بالأطفال والأمهات، من أجل التشديد على الخطورة التي تنطوي عليها الظاهرة، واقتراح السياسات والبرامج المناسبة، ووضع إطار قانوني حاكم، يحمي الأطفال والأمهات، خصوصاً من بين فقراء الحال". وعلى رغم غياب تعريف محدد، تعتبر الأممالمتحدة الاتجار بالبشر"تجنيداً لأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواءهم أو استقبالهم بالقوة، أو بأي شكل من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو بسوء استعمال السلطة أو استغلال حالة ضعف، أو بالأموال أو المغريات لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض استغلاله. ويشمل الاستغلال كحد أدنى استغلال دعارة الغير، وسائر أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الخدمة قسراً أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء". الوضع الرسمي في مصر يشير إلى أن البلد"دولة معبر"، أي أن كثيرين من جنسيات إفريقية، في دول جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، لا سيما مولدافيا وروسيا البيضاء وأزوبكستان، وشرق أوروبا والنساء يشكلن أعلى نسبة من"العابرين"، يمرون عبر مصر في طريقهم إما إلى أوروبا وإما إلى إسرائيل عبر صحراء سيناء، بمساعدة البدو، بغرض ممارسة البغاء. وتُعتَبر قناة السويس معبراً أساسياً تستغله العصابات الإجرامية للاتجار بالأفراد، إضافة إلى تهريب المهاجرين بشكل غير شرعي، عبر السفن التي تعبر القناة. وكان التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية في عام 2006 - ويتناول ظاهرة الاتجار بالأفراد في العالم- أشار في الجزء الخاص بمصر إلى"قيام البدو بشكل روتيني باستغلال ضحايا عمليات التهريب واغتصابهن على مدى فترات تمتد إلى شهرين". ولاحظ مشكلة العمالة القسرية للأطفال، إذ يتّجر ببعضهم، لا سيما بأولئك القادمين من مناطق ريفية، لاستغلالهم للعمل كخدم في المنازل أو في أنشطة زراعية. محمود حسين، من إدارة حقوق الإنسان في وزارة العدل المصرية، يشير إلى تنويه التقرير بضرورة تبني مصر إجراءات فاعلة لملاحقة قضايا الاتجار بالبشر والتحقيق فيها وتقديم مرتكبيها للمحاكمة الجنائية، بالإضافة الى تطوير اتصالاتها وتعاونها مع دول المنشأ والمقصد في هذا الشأن. وبالنظر إلى الوضع التشريعي في مصر والخاص بالظاهرة، فإنه أكثر من وافٍ، وذلك بدءاً من صدور قانون مكافحة الدعارة لعام 1961، ومكافحة غسيل تبييض الأموال عام 2002، مروراً بقانون الطفل الموحد رقم 12 لعام 1996، الذي يؤكد على حق الطفل في الحصول على كل حقوقه وتمتعه بالحماية اللازمة، وانتهاء بالموافقة على بروتوكول منع الاتجار بالأشخاص، لا سيما النساء والأطفال، وقمع مرتكبيه ومعاقبتهم، وهو يكمّل اتفاق الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر السلطات المحلية، وصدر عام 2004. هذا بالإضافة إلى حزمة من الاتفاقات الدولية والإقليمية التي انضمت إليها مصر، وتعتبرها بمثابة قانون محلي وطني. ويبدو أن الحاجة أصبحت ملحة لجمع هذه الجزيئات القانونية والتشريعية في باقة واحدة، من شأنها إحكام القبضة وتوحيد الجهود الرامية إلى تطويق الظاهرة ومنع تفاقمها، بحسب مساعد وزير العدل لشؤون المتابعة والإنجاز، أسامة عطاوية. ويوضّح عطاوية أن الهدف الحالي هو وضع قواعد وعلامات استرشادية لمكافحة الظاهرة، والحيلولة دون أن تصبح مصر دولة تصدّر هذا النوع من الجرائم أو تستوردها. ولعل ذلك هو الغرض من إقامة وحدة متخصصة في مناهضة الاتجار بالأطفال، في المجلس القومي للطفولة والأمومة. وقد بدأ المجلس القومي للطفولة والأمومة، قبل سنوات، تبني قضايا ذات صلة، مثل عمالة الأطفال، وأطفال الشوارع، والزواج المبكر والقسري، وهذه تندرج حالياً تحت بند"الاتجار بالبشر". وجذبت الظاهرة اهتماماً رسمياً كبيراً، ونظر فيها عدد من أهل الاختصاص والمراكز البحثية الحقوقية في مصر. ويهتم مركز"القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"بقضية العنف والاستغلال الجنسي لفتيات الشوارع. وهن يتعرضن لكثير من صور العنف والانتهاك، منها إلقاء القبض العشوائي عليهن من قبل الشرطة، ووضعهن في أماكن الاحتجاز مع البالغات، مما يعرضهن لشتى أشكال العنف، لا سيما الاغتصاب، إضافة إلى إجبارهن أو جذبهن نحو الدعارة.