برز خلاف جديد - قديم في الأيام الأخيرة في أوج الحصار الإسرائيلي للشعب الفلسطيني في غزة، وذلك بين إسرائيل وشركة"بي جي"البريطانية، صاحبة الامتياز في المياه الإقليمية الفلسطينية في مقابل ساحل غزة، بالمشاركة مع شركة"اتحاد المقاولين الدولية"والصندوق القومي الفلسطيني. واكتشفت"بي جي"حقل"غزة البحري"في أيلول سبتمبر 2000. وتقدر احتياطات الغاز المكتشفة في المياه الفلسطينية بنحو تريليون قدم مكعبة، وهي كمية معقولة نسبياً، أي ليست محدودة جداً وليست ضخمة جداً، وذلك بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني الذي يفتقر إلى الصناعات الثقيلة ومن ثم الحاجة إلى إمدادات ضخمة من الغاز الطبيعي لتأمين الطاقة. وحصلت شركة"بي جي"على الامتياز الحصري للتنقيب والإنتاج في المياه الفلسطينية من السلطة الوطنية الفلسطينية في تشرين الثاني نوفمبر 1999. ويُذكر ان لدى شركة"بي جي"امتيازات للتنقيب عن الغاز في المياه الإسرائيلية والمصرية، واكتشفت الغاز الطبيعي في كل من البلدين، إضافة إلى امتيازات كثيرة في دول أخرى في مختلف أنحاء العالم. وثمة أسباب كثيرة للخلاف بين"بي جي"وإسرائيل، ولكن الخلاف الرئيس يكمن في كيفية نقل الغاز من الحقل النفطي في المياه الإقليمية الفلسطينية إلى محطة الكهرباء الجديدة في غزة. قدمت شركة"بي جي"خطة تطوير إلى السلطة الفلسطينية عام 2001، وافقت عليها الأخيرة عام 2002، وذلك لإيصال الغاز مباشرة إلى المحطة عبر أنبوب بحري مباشر بين الحقل الذي يبعد نحو 36 كيلومتراً عن شاطئ غزة، بينما أصرت إسرائيل على ان يصل الأنبوب إلى محطة الكهرباء في عسقلان أولاً، ومن ثم يمتد ليصل إلى غزة راجع مجلة"الدراسات الفلسطينية"التي تصدرها مؤسسة الدراسات الفلسطينية - بيروت، عدد 72، خريف 2007، ص 31 لخريطة حول مسار الخط التفصيلي. ويتمثل السبب الآخر في ان إسرائيل تريد معرفة الكميات الفعلية من الغاز التي ستصل الأراضي الفلسطينية، ومن ثم معرفة العائدات التي ستحصل عليه السلطات الفلسطينية، وكمية الأموال الممكن تحويلها"للإرهاب". وتقدر العائدات المالية التي ستحصل عليها الخزينة الفلسطينية سنوياً بنحو مئة مليون دولار. وتمسكت إسرائيل بهذه الحجة على رغم الخلاف بين حركتي فتح وحماس. وثمة أسباب كثيرة للشروط الإسرائيلية. ورفضت شركة"بي جي"مختلف هذه الشروط، وأصرت على تزويد غزة مباشرة، كما هو مرسوم في خطة التطوير الأولى التي رُفعت إلى السلطة الفلسطينية، من دون ان يمر الخط في الأراضي الإسرائيلية. وصرح مسؤول في شركة"بي جي"بهذا الأمر للدورية الأسبوعية المتخصصة"ميس"أخيراً قائلاً"ان الشركة أنهت المفاوضات مع إسرائيل بعد 18 شهراً من بدئها، ويتمثل السبب في عدم التوصل إلى تفاهم حول سعر الغاز، وكيفية توزيع العائدات كمية الأموال التي ستحصل عليها حركة حماس، وتأمين حاجات غزة من الغاز الطبيعي أي وقف سياسة العقاب الجماعي بوقف إمدادات الغاز لمحطة كهرباء غزة في حال مرور خط الأنابيب بالأراضي الإسرائيلية أولاً". ولدى الشركة البريطانية خيارات كثيرة في حال استمرار إخفاق مفاوضاتها مع إسرائيل، منها تصدير بعض إمدادات الغاز إلى مشروعها للغاز المسيل في مصر، إذ تحتاج إلى كميات إضافية من الغاز لتكملة مشروعها الضخم هناك. يذكر ان إسرائيل اعترضت في الماضي على تصدير الغاز الفلسطيني إلى مصر على أساس ان الحقل هو"ضمن منطقة نفوذها"ما يوجب تصدير إمدادات الغاز إلى مصانعها. ووضعت خططاً لتغيير محطاتها الكهربائية للاعتماد أكثر فأكثر على الغاز الطبيعي، طامحة في العثور على كميات أكبر منه في مياهها الإقليمية أو في المياه الفلسطينية، إلا ان هذه الطموحات لم تتحقق حتى الآن، فالاكتشافات لا تزال محدودة نسبياً، ولا تلبي طموحات الخطط الإسرائيلية في اعتماد أوسع لتحويل محطاتها الكهربائية للاعتماد على الغاز الطبيعي، أو الاعتماد على الوقود المزدوج لتغذية محطاتها الكهربائية الجديدة. وتكمن أهمية حقل"غزة البحري"في كون هذا الاكتشاف هو الأول من نوعه في الأراضي الفلسطينية من جهة، وأول محاولة من قبل إسرائيل في التحكم بإمدادات نفطية من حقل عربي مجاور لحدودها من جهة أخرى. وكان مقرراً ان يبدأ الإنتاج من الحقل نهاية عام 2011. لكن مع توقف المفاوضات مع إسرائيل، يتوقع الآن تأخر تطويره. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة