تبعث الأفلام السينمائية الفرح والمتعة في صدور المشاهدين، وتحملهم على الاعتقاد بأن معرفة شخصية تربطهم بالممثلين الذين يرونهم على الشاشة. ولا يغير تعدد الشخصيات التي يؤديها الممثل، وتنوعها، الصورة التي نكونها عنه. ومنذ أشهر قليلة حلت ذكرى مئة عام على ولادة ممثل أفلام الپ"وسترن"الغرب الأميركي الهوليوودية. وعلى رغم أن الجمهور يحب واين، لا يزال هذا الممثل أيقونة غامضة وملتبسة. فنحن نشعر أننا نعرف عدداً من الممثلين من أمثال غريتا غاربو، وهامفري بوغارت، وجورج كلوني، وجوليا روبرتس. فأدوارهم تخيل إلينا أن صلة شخصية تربطنا بهم. ولكن رأي اليساريين بجون واين تجاهل، الى وقت قريب، أدواره في الشاشة الكبيرة. فبحسب اليسار الأميركي واين هو نسخة كوميدية كرتونية عن القوة الأميركية الفظة والاستعراضية. فهو حارس السهول الذكوري الذي لا يقهر، ويوجه الأوامر الى الهنود والنساء، ويزعم تطبيق مشيئة الخالق. ولا شك في أن الصورة النمطية هذه عن جون واين تتماشى مع بعض أدواره في عدد من الأفلام مثل"ستيجكوش"المثابر وپ"ريد ريفر"النهر الأحمر وپ"سيشرشز"الباحثون وپ"الدورادو"، ولكنها لا تختزلها. ففي هذه الأفلام يبدو واين يحامي عن التجربة الأميركية وليس عن القوة الأميركية، أي عن احتمال أن تجري الأمور على ما لم تشته السفن. ولعب واين مئتي دور في مئتي فيلم. وقد تعزز مواقف واين السياسية المحافظة صورة اليسار عن دوره في السينما الهوليوودية. فهو أيد حرب فيتنام، وأخرج فيلم"القبعات الخضر"المنحاز الى هذه الحرب، وشارك في إنتاجه. ولكن واين، الممثل وصاحب الحضور القوي والمؤثر، لا يروج للسلطان الأميركي والحقوق الأميركية. وتهمته هذه مجحفة. وهو أدى أبرز أدواره في تحفة المخرج هاورد هوك الفنية"ريو برافو". وينقل الفيلم صورة أمينة عن شخصية واين السينمائية. وهو يدور على ملاحقة عمدة البلدة، جون شانس، ويؤدي دوره واين، جو بوردت، وهو شقيق رجل أعمال نافذ، ارتكب جريمة قتل. ويطلب بوردت الثري من رجاله السيطرة على أهالي البلدة، ومنعهم من المطالبة بإنزال حكم القانون بشقيقه، ويوكل إليهم قتل من يعترض طريقهم. ويواجه واين هؤلاء المجرمين، ويسانده في مهمته معاونون. ففي"ريو برافو"، رد هوك على فْرِد زينمان، مخرج فيلم"هاي نون"وقت الظهيرة، الذي انتقد تراخي الأميركيين في الاعتراض على سياسة"صيد الساحرات"الماكارثية في حق المثقفين اليساريين. ففي"هاي نون"يدعو عمدة البلدة الشريف المواطنين الى مساعدته للقبض على المجرمين. ويتبين في نهاية الفيلم أن الشريف لم يحتج الى مساعدتهم بل أساء توسل دالته عليهم. وفي"ريو برافو"، احتفى هوك بروح الجماعة، وروى قصة أفراد يتضامنون في أوقات الحرج، وتنشأ بينهم علاقات شخصية قوية. فتختلط العلاقات المهنية بالعلاقات الشخصية. فقوة"ريو برافو"الدرامية تظهر في أوقات تمتحن ثقة الشخصيات ببعضها، وثقة الواحد بنفسه. فعند مطاردة القاتل في منزل بوردت، تدور الحبكة على قدرة معاون تشانس واين السكير على استعادة تماسكه ليؤدي عمله، عوض دورانها على النجاح في القبض على القاتل أو الفشل فيه. ويستوقف أن هوك اختار واين، بطل أفلام الپ"وسترن"الغرب الأميركي، المنعزل والمنكفئ على نفسه، ليؤدي دور البطولة في فيلم يحتفي بلحمة الجماعة. ولكن تشانس هو بطل كفوء، ولا ينفرد بملاحقة المجرمين، بل يدعو الآخرين الى التغلب على ضعفهم والإسهام في القبض على المجرم. ويحترم تشانس الآخرين، ويعتد بمساعدتهم. وأحسب أن الرئيس السابق بيل كلينتون حاكى تشانس في حملته الانتخابية، وقال لا نستطيع فقدان أي شخص. فپ"ريو برافو"يحتفي بدفء الناس وتضامنهم، ويدحض فكرة وجود أشخاص غير مهمين يجوز التخلص منهم. وعلى هذا، فهو يبرر دواعي وجود أميركا. عن تشارلز تايلور معلق في"نيوارك ستار ليدجر"،"ديسنت"الأميركية، شتاء 2008