أوحى البيان الصحافي الجازم والخاص الذي صدر عن وزارة الدفاع في لندن أنّ وزير الدفاع الجديد جون هاتون قد وافق على خطط انسحاب القوات البريطانية من البصرة. فالقوات البريطانية موجودة في العراق حاليا بموجب التفويض الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي تنتهي مدته في نهاية العام الحالي. وينبغي على المملكة المتحدة أن توقّع على اتفاقية جديدة حول"وضع القوات"مع الحكومة العراقية. ومن المتوقّع أن يصدر البيان الرسمي الذي يُعلن انسحاب القوات البريطانية بعد التوقيع على الاتفاقية. وقد وقّعت الولاياتالمتحدة على اتفاقية مماثلة في شهر تشرين الثاني نوفمبر ولا شك في أن المملكة المتحدة ستوقّع بالطريقة نفسها على الاتفاقية. ويمكن للعراق الآن أن يحاكم افراد القوات الأميركية اذا ارتكبوا جرائم خطيرة خارج إطار عملهم وبعيدا عن قواعدهم، إلا أن هذه الفكرة لا تحظى بتأييد الكونغرس. وفي إطار مقابلة مع صحيفة"التايمز"البريطانية في 13 تشرين الأول أكتوبر الماضي، بدا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي فظّا وغير ديبلوماسي. فتطرّق إلى الوجود العسكري البريطاني في جنوبالعراق وحدّد بوضوح مشهد رحيل القوات البريطانية في العام 2009 بالقول: "نشكرهم على الدور الذي أدّوه وأنا أظن أنه من غير الضروري أن يبقوا من أجل حفظ الأمن. قد نحتاج إلى خبرتهم في عمليات التدريب وفي المسائل التكنولوجية، إنما لا ضرورة لأن يبقوا كقوّة مقاتلة". وذكّرت هذه المقابلة بأن المالكي قد حظي بالقوة والسلطة بعد أن تمّ التخلص من عناصر"جيش المهدي"التي لا تزال الميليشيا الأكبر في البلد ومن بعض المجموعات الشيعية غير المنضبطة في البصرة ومدينة الصدر في ربيع العام الماضي. وشكلت الطريقة التي دافع بها عن واشنطن في ما يتعلق باتفاقية"وضع القوات"مفاجأة بالنسبة إلى الكثيرين كما أنها ساهمت في إحكام سيطرته على بغداد. وينتشر اليوم 4100 جندي بريطاني في محافظة البصرة التي تضمّ مليونين و600 الف نسمة وحيث التأثير الإيراني قوي. وتنتشر معظم القوات خارج المدينة في مطار البصرة، إلا أن 900 جندي منهم يعيشون مع الفرقة الرابعة عشرة في الجيش العراقي ويتدربون معها وهم يعتبرونها فرقة جيّدة. ومنذ العام 2003، قضى حوالي 175 جندي بريطاني في العراق. ولا يوجد رد سهل على القنابل التي توضع على حافة الطريق القادمة من إيران. وتمّ الاتفاق في لندن على أن يبدأ كل الجنود باستثناء 400 منهم بالانسحاب في شهر آذار مارس المقبل. وسيحل مكانهم مئات من الجنود الأميركيين الذين لن يحبذوا أعباء العمل الإضافية الملقاة على عاتقهم والذين سيتمركزون في القاعدة البريطانية الموجودة في مطار البصرة. كما سيعمد الأميركيون إلى إنشاء مركز قيادة عسكري. ولا شكّ في أن الأميركيين سيولون اهتماما كبيرا بطريق الإمداد نحو الكويت التي سيستخدمونها في الوقت المناسب عند انسحابهم. ومن المتوقع أن تخرج القوات الأميركية من العراق في نهاية شهر كانون الأول ديسمبر 2011. لكن قد يكون في ذهن الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما موعد أقرب لبدء الانسحاب. وقدّمت الحكومة العراقية طلبا خاصا إلى بريطانيا يقضي باستكمال تدريب القوة البحرية العراقية الصغيرة في مرفأ أم قصر. وفيما يتمّ التكتم كالعادة على مواقع سرب الطيران الجوي الخاص وعمله، من المتوقع أن يتخلى عن مهماته في مكافحة الإرهاب في العام الجديد وأن يرحل عن منطقة بغداد. ويتمّ إعطاء وقت قصير لوحدات النخبة كي تنسحب! ويمكنهم أن يتسلقوا الجبال في أفغانستان بعد أن يرحلوا. ومنذ سنة، تمّ تسليم البصرة رسميا إلى محمد الوائلي، حاكم المدينة الذي لا يحظى بشعبية. وكانت هذه آخر محافظة من أصل أربع محافظاتجنوبية، تُسلّم إلى العراقيين. وكان ال1400 جندي في جنوبالعراق بمثابة قوة رمزية. ولكان استلزم الأمر كتيبة أو كتيبتين لتحويل هذه القوة إلى قوة عسكرية فعلية لكن لم تتوافر كتيبة مشاة كافية. كتب زميلي ماتيو باريس، وهو عضو سابق في البرلمان وكاتب عمود في صحيفة"التايمز"، في شهر شباط فبراير 2007، عندما تسلّم الجيش العراقي مهماته من الجيش البريطاني وتزامن ذلك مع عودة الجنود البريطانيين إلى بلادهم: "لقد خسرنا. لم يتمّ إنجاز المهمة. ولا يمكن إنجاز المهمة. ويلوح في الجوّ شعور بالإحباط والهزيمة. لن يفكّر معظم الناخبين للحظة واحدة في أن السياسة العراقية كانت ناجحة أو أن الجنود يعودون إلى ديارهم لأنهم أنجزوا مهمتهم". وأقرّ توني بلير عندما كان لا يزال رئيسا للوزراء بأن البصرة ليست"كما أردناها أن تكون". ومن المتوقع أن تجري الانتخابات في المحافظة في نهاية شهر كانون الثاني يناير، وهي ستحدّد ما إذا كانت ثاني أهمّ مدينة في العراق تستعيد استقرارها. * سياسي بريطاني ونائب سابق عن حزب المحافظين. نشر في العدد: 16701 ت.م: 25-12-2008 ص: 15 ط: الرياض