من الجيد أن نتمكّن أخيراً من القول إنّه أصبح للمملكة المتحدة وزير دفاع يريد تولّي هذه الحقيبة، ويبدو لي أنه على قدر هذه المسؤولية. فقد اطّلع الوزير جون هاتون على التقارير الأولى المفصّلة عن وضع العراق كما زار هذا البلد، وأصبح يدرك بالتالي أنّه سيمضي العام المقبل وهو يسير في حقل ألغام سياسي. أما سلف هاتون، ديز براون، فكان محامياً اسكتلندياً وصديقاً مقرّباً من رئيس الوزراء غوردون براون لا قرابة بينهما، وقد أوكِلت إليه أيضاً، وبشكل غير حكيم، الحقيبة الموكلة بها شؤون مقاطعة اسكتلندا، وهذه حقيبة ذات مغزى سياسي كبير لحزب العمال. والحقيقة ان ديز براون لم تكن له خبرة في وزارة الدفاع، ناهيك عن أنّه عانى كثيراً من الصعوبات، وكان يبدو بائساً في معظم الأيام. في المقابل، جون هاتون تكنوقراطي اعتاد التعبير عن آرائه امام الآخرين بغض النظر عن رأيهم فيها. كما يظهر على شاشة التلفزيون كسياسي بارز يتميّز بالودّ والحكم الصائب. فالمقابلات التي بدأت تُجرى معه كوزير للدفاع، تعطي فكرةً عما سيكون عليه نمط عمله. كان هاتون صريحاً في ما يتعلّق بالنزاع في أفغانستان. ففي حين أنّ الدور البريطاني في العراق يتراجع، تكبر مشكلة أفغانستان، وتسير"في الاتجاه الخاطئ"كما قال الجنرال ديفيد بترايوس. وفي مقابلة تناولت مواضيع عدة أجرتها صحيفة"صانداي تايمز"في 26 تشرين الأول/أكتوبر الماضي مع هاتون الذي سبق أن نشر كتاباً عن التاريخ العسكري، أبدى تشاؤماً حيال افغانستان وقال:"المشاكل جوهرية: 30 عاماً من الحرب الأهلية، وتعاقب حكومات فاشلة، وتطرّف إسلامي وتمرّد دائم، أضف إلى ذلك جرائم المخدرات، وتجار المخدّرات. فلا يمكن أن نتصوّر مزيجاً أكثر خطورةً من هذا المزيج". ومع تقديره ان التورط في افغانستان لا يلقى شعبية في بريطانيا قال هاتون:"إنها مسألة تتعلّق أولاً وأخيراً بالأمن القومي في المملكة المتحدة. إذا أصبحت أفغانستان دولةً يسرح فيها الإرهابيون ويمرحون، فسيصدّر هذا الإرهاب نفسه إلى ديارنا". للمملكة المتحدة 8 آلاف جندي حالياً في أفغانستان، ويرى هاتون أنّه"ما من خيار"آخر إلا النجاح، مشيراً إلى أنّ القوات البريطانية قد تبقى في تلك البلاد الجبلية لعقود. كما تطرّق إلى أحد المشاكل قائلاً:"نحن نتحمّل عبئاً أثقل مما نستطيع تحملّه. فلا بدّ من أن تتشاطر دول حلف شمال الأطلسي العبء بطريقة عادلة وملائمة". والمعروف عنه انه يريد رؤية جديدة للوضع في أفغانستان. فضلاً عن ذلك، سبق لهاتون أن أجرى محادثات مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في بغداد. وأوضح المالكي إنّ القوات البريطانية المتمركزة في مطار البصرة يمكن أن تغادر إذا أرادت، علماً أنّ عديد هذه القوات سيخفّض من 4100 جندي إلى بضع مئات من الجنود في العام المقبل. يعتقد السياسيون العراقيون أنّ الدعم الشعبي الذي يحظى به الأميركيون ضعيف. لكن من الضروري بقاء بعض القوات الأميركية في العراق لبعض الوقت في هذه المرحلة، وذلك لتنهي تدريب القوات العراقية. وتعتمد المملكة المتحدة في الواقع على الولاياتالمتحدة في توجيه الدفة. يعرف جون هاتون تمام المعرفة أنّ ميزانية الدفاع البريطانية هي اقل من أن تلبّي حاجات القوات المسلّحة الثلاث. ويرى بالتالي أنّ"علينا التقشّف"، كما لا بد من إجراء تخفيضات في شراء السلاح. والمتوقع أن يتمّ إلغاء مشروع كبير، اذ قد لا يحصل سلاح البحرية البريطاني على حاملتي الطائرات الجديدتين اللتين تبلغ كلفتهما 4 بلايين جنيه، أو لا يحصل سلاح الجو على طائرات النقل الخمس والعشرين الجديدة. جدير بالذكر أنّه قبل عام، أجبر غوردون براون وزيرَ خارجيته ديفيد ميليباند، على أن يحذف من خطاب له اي اشارة الى"قدرات الاتحاد الأوروبي العسكرية". وقد تدخّل هاتون بجرأة للدفاع عن مفهوم البنى العسكرية الأوروبية. وفي هذا السياق قال هاتون:"علينا أن نكون واقعيين في ما يتعلّق بهذه المسائل. ففرنسا تعَدّ أحد أقرب حلفائنا، والفرنسيون يؤمنون بشدّة بهذا الدور. إذا كان باستطاعتنا دعمهم، فعلينا ان نفعل ذلك". واقترح هاتون خططاً لمهمة يقودها الاتحاد الأوروبي، وتهدف إلى القضاء على القرصنة في الصومال"كخير مثال"على نجاح هذا الدور. * سياسي بريطاني ونائب سابق عن حزب المحافظين نشر في العدد: 16663 ت.م: 17-11-2008 ص: 17 ط: الرياض