اقترحت "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، استراتيجية دفاعية للبنان على "النموذج السويسري"القائم على الحياد، مقروناً ب"نموذج حزب الله الناجح"، على أن يطبق"في الأطر الشرعية بما يسقط الجوانب اللاميثاقية واللاشرعية واللاقانونية والبعد الإقليمي". ووزع المكتب الإعلامي لرئيس حزب"القوات اللبنانية"النص الحرفي لمشروع الاستراتيجية الذي قدمه جعجع أمس في جلسة الحوار الوطني، وجاء على النحو الآتي: الباب الأول: في منهجية مقاربة ملف الاستراتيجية الدفاعية. إن أي مقاربة جدية لأي استراتيجيٍة، لا يمكن لها أن تنطلق من"فراغ"، بل يجب أن تنطلق من إطار معين. من هنا، فإن أي مقاربةٍ موضوعيةٍ لاستراتيجية دفاعية للبنان، يجب أن تستند إلى المسلمات الآتية: 1-النظام السياسي اللبناني. 2-التفاهمات الميثاقية بين الطوائف اللبنانية المُعبر عنها في اتفاق الطائف. 3-النصوص الدستورية والقانونية المرعية الإجراء في لبنان. 4-القانون الدولي بمكوناته كافةً ميثاق الأممالمتحدة، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي في شأن لبنان، المعاهدات الدولية التي تلتزم بها الدولة اللبنانية.... 5-إلتزامات لبنان العربية والدولية، وموقعه كعضو فاعل في المجتمعين العربي والدولي. وبما أننا بصدد دراسة الاستراتيجية الدفاعية، لا بد لنا من التوقف بالأخص عند ما ورد في البند الثالث من وثيقة الوفاق الوطني، لجهة"تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي"والذي نص على ما يلي: "استعادة سلطة الدولة حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً تتطلب الآتي: أ-العمل على تنفيذ القرار 425، وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بإزالة الاحتلال الإسرائيلي إزالة شاملة. ب-التمسك باتفاقية الهدنة المُوقعة في 23 آذار مارس 1949. ج-إتخاذ الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المُعترف بها دولياً، والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني، لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ولإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود. الباب الثاني: ملاحظات حول الاستراتيجيات الدفاعية المطروحة من قبل قوى 8 آذار. 1 تعارض جوهر وروح هذه الاستراتيجيات مع المسلمات اللبنانية كافة، خصوصاً لجهة الإقرار بحق مجموعات مسلحة في التواجد على أرض لبنان، إذ يُشكل ذلك خرقاً لاتفاق الطائف، وللنصوص الدستورية والقانونية المرعية الإجراء، وللقانون الدولي ومقررات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان. 2 تجاهلها واقع لبنان الشعبي ذا الولاءات السياسية والمذهبية المتعددة، إذ ان أي محاولة لتسليح الشعب اللبناني، وتحويله مجتمعاً مقاوماً، سوف تؤدي إلى نشوء مراكز قوى مسلحة مُوزعة الانتماءات ومتعددة الولاءات، وبالتالي تدفع إلى انهيار السلطة المركزية للدولة اللبنانية. 3 إن الإقرار بمبدأ مركزية القرار، يعني حكماً حصر سلطة القرار بيد السلطة الشرعية اللبنانية، وهو يحتم على حزب الله المصادقة على ذلك، وهو ما لا يتطابق مع مواقف حزب الله وسلوكه. 4 إن واقع حزب الله الذي يشوبه الكثير من التساؤلات، من وجهة نظر العديد من القوى الدولية الفاعلة، يضع الدولة اللبنانية برمتها، بمواجهة الشرعية الدولية، ويُشكل عائقاً أمام نمو وازدهار لبنان على الصعد كافة. 5 إن اعتماد نظرية"الشعب المقاوم"، لن يعفي الدولة اللبنانية، بمقوماتها كافةً، من تحمل التبعات والتداعيات المباشرة لأي مواجهة مع إسرائيل، في ظل تهديدات العدو الإسرائيلي الصريحة والعلنية باستهداف الشعب اللبناني، وبالتدمير الكلي للبنى التحتية من دون تمييزٍ بين مدني أو مقاوم، وهو ما لا قدرة للبنان واللبنانيين على تحمله. 6 على رغم إيجابيات التزود بنظام دفاع جوي، إلا أن الخلل الكبير في موازين القوى المالية والعسكرية بين لبنان وإسرائيل، لن يسمح بتحقيق الغاية المتوخاة منه. فسورية التي تبنت مقولة"التوازن الاستراتيجي"وبذلت مجهوداً عسكرياً ضخماً على امتداد عقودٍ طويلة لتطوير منظومة دفاعها الجوي، عجزت عن رصد أو صد الغارات الإسرائيلية المتعاقبة التي استهدفت أراضيها. فعلى سبيل المثال لا الحصر: في أيلول سبتمبر من العام 2001 أسقطت طائرتا أف 16 إسرائيليتان مقاتلتين سوريتين من أحدث طراز بمحاذاة الشاطئ السوري على البحر المتوسط. في آب أغسطس من العام 2003 حلقت مقاتلات إسرائيلية على علو منخفض فوق القصر الرئاسي السوري في اللاذقية وفُسر ذلك بأنه تهديدٌ مباشر للرئيس السوري بشار الأسد من دون أي عقبات أعاقت تحليقها في العمق السوري. في تشرين الأول أكتوبر من العام 2003 استهدفت طائرات حربية إسرائيلية موقع عين الصاحب التابع للجهاد الإسلامي قرب دمشق. في حزيران يونيو من العام 2006 أعادت الطائرات الإسرائيلية تحليقها المنخفض فوق القصر الرئاسي السوري ومحيطه المزود بأنظمة دفاع متطورة. في أيلول من العام 2007 قامت طائرات حربية إسرائيلية باستهداف موقع عسكري سوري في دير الزور. 7 إن أعتى الدول المعادية لإسرائيل وأقدرها امتلاكاً لموارد مالية، وعلى رأسها إيران، عجزت عن الدخول في سباق تسلح تقليدي مع إسرائيل، وتطوير نظام دفاع جوي يُبعد عنها شبح الضربات الجوية الإسرائيلية، فكيف بالحري لبنان الذي لم يتجاوز دخله القومي 25 بليون دولار للعام 2008، مقارنةً بإسرائيل التي بلغ دخلها القومي للعام نفسه حوالي 170 بليون دولار، في حين أن لا مقارنة فعلية تصح بين الموازنة العسكرية للبلدين، والتي تصل إلى حوالي 13،5 بليون دولار للعام 2008 بالنسبة لإسرائيل، بينما لا تتعدى حوالي ثمانمئة مليون دولار أميركي للبنان؟ 8 إن أي قرارٍ إسرائيلي بشن هجوم عسكري شامل على لبنان، سيُمهد له باستهداف أنظمة الدفاع الجوي في شكلٍ أولي، وهو ما سبق أن حصل في هجوماتٍ عسكرية شاملة، منها الاجتياح الأميركي للعراق حيث قامت القوات الأميركية بتعطيل قدرة الدفاع الجوي للعراق خلال ساعاتٍ معدودة، بالإضافة إلى اعتمادها تقنيات الكترونية متطورة، قادرة على وضع هذه الأنظمة الدفاعية خارج الخدمة من دون اضطرارها حتى لاستهدافها مباشرةً. 9 إن التقنيات العسكرية المتطورة التي تملكها إسرائيل مقارنةً بالدول العربية، تمكنها من استهداف أي موقعٍ في العمق اللبناني من مجالاتٍ شاسعة، من دون أن يقتصر الأمر على سلاح الجو، ذلك أن البوارج الحربية والمنصات الصاروخية باستطاعتها إطلاق قنابل موجهة قادرة على تعطيل أي هدفٍ في العمق اللبناني بدقةٍ لامتناهية. 10 إن التزود بأنظمة دفاع جوي، لا يتم بمعزلٍ عن تطوير وشراء أنظمة دفاع بحرية وبرية وجوية متطورة، بالإضافة الى أعتدةٍ أخرى باهظة التكاليف، ترتب على الخزينة أعباءً مالية ضخمة، تعجز الدولة اللبنانية والمواطنون اللبنانيون عن تحملها. 11 وبالخلاصة، إن أي سباق تسلح جزئي هو مضيعة للوقت وهدر للمال. فإما سباق تسلح كامل وشامل، وهذا لا طاقة للشعب اللبناني عليه على الإطلاق، وإما مقاربة أخرى باتجاه آخر، وهذا ما سنعرضه في الباب الثالث من هذه الورقة. الباب الثالث: اقتراح القوات اللبنانية للاستراتيجية الدفاعية. أولاً: العقيدة الأساسية: 1 إن الغاية الأساسية والنهائية للاستراتيجية الدفاعية، ليست في أن تُخيم أجواء الحرب من خلال"عسكرة"المجتمع وشل الحياة المدنية في لبنان، وإنما في تأمين سلامة الأراضي اللبنانية وأمن المواطنين وحماية الدولة ومؤسساتها وبناها التحتية. 2 تعتمد الاستراتيجية الدفاعية على نظرة موضوعية لواقع لبنان الديموغرافي، الاقتصادي، ولتركيبته الطائفية والمذهبية، ولموقعه السياسي والجغرافي، آخذةً في الاعتبار التجارب التاريخية، وطبيعة ومكامن التهديدات المُتوقعة والمُقدر له أن يواجهها. 3 تتوخى الاستراتيجية الدفاعية السبُل غير المباشرة، القادرة على إجهاض أهداف العدوان الخارجي قبل مواجهته، ذلك أن المواجهة العسكرية بالأنماط التقليدية مع الجيوش المحيطة، من شأنها تكبيد لبنان خسائر فادحة، نظراً للتفوق العسكري واللوجستي الذي يميز هذه الجيوش مقارنةً بإمكانات لبنان المتواضعة. 4 إن التجربة التاريخية المُثلى التي وفرت مناعةً قصوى وفريدة لدولتها تجاه الأخطار الخارجية، كانت في النموذج الاستراتيجي السويسري، الذي نجح من جهة في توحيد شرائح مجتمعه التعددي من خلال تبنيه سياسة الحياد الخارجي، ومن جهة أخرى بحفظ سويسرا وشعبها من أي تعديات. إن نجاح سويسرا بتحييد نفسها عن مجمل الصراعات والحروب الدموية التي عصفت بالدول المتاخمة لها، عائدٌ بالدرجة الأولى والأخيرة لالتزامها الحياد، فنأت بنفسها عن تحمل التبعات الكارثية لهذه الحروب. إن لبنان من حيث تركيبته المجتمعية التعددية، ومن حيث موقعه الجيوسياسي في قلب الشرق بين سورية وإسرائيل، ومن حيث إمكاناته الاقتصادية، يُعتبر النموذج الأقرب للتجربة السويسرية. 5 تعمل الاستراتيجية الدفاعية على حصر جميع القرارات العسكرية، التخطيطية، العملانية، التكتيكية، والاستعلامية، بالإضافة إلى مبدأ القيادة والسيطرة في يد القوى العسكرية الشرعية بصفتها الأداة التنفيذية الوحيدة للسلطة الشرعية. 6 إن تبني لبنان سياسة الحياد، لا يعني إطلاقاً تخليه عن القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. إن الحياد لا يُعفي لبنان من مسؤولياته في دعم أي مسعى يُنتج حلاً عادلاً ومُنصفاً للقضية الفلسطينية، ويؤدي إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات إلى ديارهم، وإن الإطار السياسي الأمثل المخول حل هذه القضية، يكمن في جامعة الدول العربية ومقررات الأممالمتحدة. ثانياً: العقيدة التنظيمية: 1 إن إتباع لبنان سياسة محايدة لامتصاص الأخطار الخارجية الداهمة، لا يُغني عن تطوير الجيش اللبناني وتحويله إلى قوة حاسمة -من ضمن الإمكانات المتوافرة- بمقدورها الدفاع عن الشعب اللبناني بحزمٍ وفعالية عند الضرورة القصوى، وبعد أن تكون كل الوسائل الأخرى قد باءت بالفشل. لبلوغ هذا الهدف، يجب الاتجاه إلى القتال النوعي الذي يمكننا من تحقيق الهدف من جهة، ومن دون إنهاك اقتصادنا الوطني من جهة ثانية، وذلك بتفعيل"القوات الخاصة"الموجودة حالياً في الجيش اللبناني: اللواء المجوقل، المغاوير، مغاوير البحر، مغاوير الجبل، المكافحة والقوة الضاربة... والتي أثبتت جدارتها وقدراتها القتالية العالية كلما سنحت لها الفرصة، لجهة زيادة العديد، التحسين في نوعية الأداء، وتطوير العتاد وآليات التدريب، بحيث يقفز عدد هذه القوات من خمسة الآف إلى حوالى 20 ألف عنصر، تُنظم وتُوزع على خمس قيادات مناطق، بما يتوافق وتقسيمات لبنان الإدارية لجهة اعتماد المحافظات الخمس الرئيسية. تشكل عناصر"القوات الخاصة"، رأس الحربة في العمليات العسكرية الهجومية والدفاعية على حدٍ سواء، والتصدي للتحديات الخارجية والداخلية. 2 تنشأ بإشراف قيادات"القوات الخاصة"في المحافظات مجموعات من"الحرس الوطني"، يكون ارتباطها العسكري والإداري بقيادة المحافظة في"القوات الخاصة"مباشرةً، على أن يخضع هؤلاء للتدريبات الأساسية وتُناط بهم المهمات العملانية المختلفة، ويُعتبرون بمثابة قوات دعمٍ ومؤازرة"للقوات الخاصة". 3 تكون مراكز قيادات المحافظات للقوات الخاصة، كما كل بناها التحتية، مُحاطة بسريةٍ تامة، خارج طريقة التعاطي الحالي، وعلى غرار طريقة عمل حزب الله في الوقت الراهن. 4 تستمر الوحدات الأخرى في الجيش اللبناني على وضعها الحالي وتتابع تأدية مهماتها كالمعتاد. 5 وبالخلاصة، الاعتماد على نموذج حزب الله الناجح، ولكن بتطبيقه في الأطر الشرعية ذات الصفة، وتعميمه على كل المناطق اللبنانية تبعاً لما ورد في سياق هذا البحث. فنكون قد استفدنا من حسنات تجربة حزب الله، وأسقطنا كل الجوانب الأخرى اللاميثاقية، اللاشرعية، اللاقانونية، البعد الإقليمي... ثالثاً: قضية مزارع شبعا: إن اعتماد الخيار العسكري وسيلةً لحل قضية مزارع شبعا، لم يعد متاحاً راهناً في ظل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 وانتشار قوات الطوارئ الدولية على طول الخط الأزرق، ولمجمل الاعتبارات التي ذكرناها آنفاً. وبالتالي فإن اعتماد الخيار الديبلوماسي، يبقى الوحيد والأنجح والأضمن، ولا سيما أن ملف مزارع شبعا بات مطروحاً بقوة على مستوى دول القرار ومجلس الأمن الدولي. يَكمُن الخيار الدببلوماسي، باتفاق اللبنانيين وبصوتٍ واحد، على مطالبة سورية بتوقيع وثيقة مُشتركة مع السلطات اللبنانية تؤكد لبنانية مزارع شبعا، من دون الحاجة إلى ترسيمها مادياً على الأرض في الوقت الحاضر. إن هذه الوثيقة المشتركة من شأنها وضع المزارع تحت مظلة القرار 425 وبالتالي تُصبح إسرائيل مُلزمة بالانسحاب منها لأنه سبق واتخذت قراراً أمام المجتمع الدولي بتطبيق القرار 425. وفيما لو تعذر الاستحصال على هذه الوثيقة من السلطات السورية، يكون البديل تضافر جهود اللبنانيين جميعاً عبر السلطة السياسية الشرعية في السعي لدى مجلس الأمن الدولي، ومطالبته بترسيم الحدود من جهةٍ واحدة، ولو من دون رضى سورية، بغية وضع مزارع شبعا تحت أحكام القرار 425، علماً أن إجراءً كهذا سبق أن تم اعتماده لدى ترسيم الحدود بين العراق والكويت. الخلاصة: إن الطريقة الفُضلى لتلافي خسارة أي مواجهة عسكرية، تكمن في الحؤول دون وقوعها من الأساس، على ألا يتناقض ذلك مع الكرامة الوطنية. إن السبيل الوحيد لتجنب الصراعات والتجاذبات الخارجية وانعكاساتها المأسوية على الداخل اللبناني، هو في انتشال لبنان من حلبة الصراع تلك وإعلان الحياد، مع الالتزام التام بالقضايا الإنسانية العادلة، وفي طليعتها قضية فلسطين والتمسك بالقرارات الدولية التي تؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم. إن تبني الاستراتيجية الدفاعية المُقدمة من قبل القوات اللبنانية، من شأنه تقليل مستوى الأخطار الخارجية إلى أدنى درجاتها، بالإضافة إلى تأمينها خطة احتياط بديلة لمواجهة أي احتمالات أو تطورات داخلية وخارجية غير متوقعة. يبقى أن هذه الاستراتيجية الدفاعية، توفر المناخ الملائم لتلاحم اللبنانيين ووحدتهم، في ظل بيرقهم الوطني وضمن القرار الواحد والوحيد للدولة اللبنانية ممثلةً بالسلطة السياسية، كما تدفع باتجاه إحلال السلم والاستقرار، ليكون لبنان على قدر طموحات أبنائه. نشر في العدد: 16699 ت.م: 23-12-2008 ص: 15 ط: الرياض