أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    محافظ أبو عريش‬⁩ يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثالثة للعام ١٤٤٦ه    وزير المالية: نمو الناتج المحلي 64% و«غير النفطية» تقفز 154%    بلاك هات تنطلق في ملهم بمشاركة 59 رئيس قطاع أمن السيبراني    إسرائيل تقصف وسط بيروت لأول مرة    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة خطية من أمير دولة الكويت    رئيس «اتزان»: 16 جهة مشاركة في ملتقى "التنشئة التربوية بين الواقع والمأمول" في جازان    وزير الشؤون الإسلامية: ميزانية المملكة تعكس حجم نجاحات الإصلاحات الإقتصادية التي نفذتها القيادة الرشيدة    زيارة رسمية لتعزيز التعاون بين رئاسة الإفتاء وتعليم منطقة عسير    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة    نائب وزير الدفاع يرأس وفد المملكة في اجتماع الدورة ال 21    الخريف يبحث تعزيز التعاون المشترك في قطاعي الصناعة والتعدين مع تونس وطاجيكستان    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    نوف بنت عبدالرحمن: "طموحنا كجبل طويق".. وسنأخذ المعاقين للقمة    العراق يشهد اجتماعًا ثلاثيًا حول أهمية الحفاظ على استقرار وتوازن أسواق البترول العالمية    يايسله يطلب تعاقدات شتوية في الأهلي    موعد مباراة النصر القادمة بعد الفوز على الغرافة    تنفيذ 248 زيارة ميدانية على المباني تحت الإنشاء بالظهران    أمانة الشرقية : تطرح فرصة استثمارية لإنشاء مركز صحي لعلاج حالات التوحد والرعاية الفائقة    مسؤول إسرائيلي: سنقبل ب«هدنة» في لبنان وليس إنهاء الحرب    السجن والغرامة ل 6 مواطنين.. استخدموا وروجوا أوراقاً نقدية مقلدة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    ترمب يستعد لإبعاد «المتحولين جنسيا» عن الجيش    مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة يحصد 4 جوائز للتميز في الارتقاء بتجربة المريض من مؤتمر تجربة المريض وورشة عمل مجلس الضمان الصحي    «الإحصاء»: الرياض الأعلى استهلاكاً للطاقة الكهربائية للقطاع السكني بنسبة 28.1 %    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    سجن سعد الصغير 3 سنوات    حرفية سعودية    تحديات تواجه طالبات ذوي الإعاقة    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    حكايات تُروى لإرث يبقى    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    ألوان الطيف    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    خسارة الهلال وانتعاش الدوري    866 % نمو الامتياز التجاري خلال 3 سنوات    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    القتال على عدة جبهات    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي المقرى في "طعم أسود ... رائحة سوداء" . رواية القاع اليمني تراهن على الفن الحكائي
نشر في الحياة يوم 22 - 12 - 2008

يفتتح ربّاش العبد رواية اليمني علي المقرى"طعم أسود... رائحة سوداء"بمخاطبته القاضي الذي يحاكمه في مدينة تعزّ:" كلنا خونة يا حضرة القاضي. الإنسان كائن خائن، لكنه يفقد ذاته وصفته في اللحظة التي يتم فيها إثبات خيانته. عندما يبدأ بممارسة خيانة جديدة يسترجع وجوده وصفته في الحال ... ولا يكفي أن تقول: أنا خائن إذن أنا موجود، بل تقول: أنا أخون إذاً أنا موجود".
هذا الذي يفلسف الخيانة قادم من القاع الاجتماعي المتمثل بالمحوى، أي بالعشش الصفيحية والكرتونية التي يعيش فيها"الأخدام". وسوف يجلو فصل قادم من الرواية المراجع والمصادر التي عاد إليها الروائي بحثاً عن أصول هؤلاء الأخدام الذين يسوّرون المدينة كما تسوّر سواها أحياء القصدير.
هكذا تعدد الرواية مقالة الوزير السابق عبده علي عثمان في مجلة"دراسات يمنية"، ومقالة عبدالرحمن الحضرمي في مجلة"الحكمة"، وقصاصة صحفية لسيف علي المقبل. ويضاف إلى ذلك ما يجده راوي الرواية عبد الرحمن في دفتر صديقه عبدالله عن التاريخ اليمني، وحيث تأتي إشارة ثانية إلى بناء الرواية، بعد إشارة البحث في المراجع والمصادر. فعبدالله يأخذ الراوي إلى المركز الثقافي، وهناك - يقول - إن القراءة"كشفت لي أشياء كثيرة بما فيها حياتي أنا، التي صرت أرويها هنا، ربما، بتأثير من هذه الكتب".
وفي هذا السياق تبرز شخصية أخرى من الخدم الذي يعملون في كنس الشوارع وتنظيف المساجد والتسوّل وما شابه، هي شخصية سرور الذي يشارك ربّاش العبد في امتيازه كمثقف يهدر في وجه المجتمع:"الخادم عندنا يعني الحر، وعليهم هم تغيير معنى الخادم في لغتهم، لا نحن"، كما يصيح:"لماذا لا نصبح أحراراً بأسمائنا وصفتنا؟ لماذا نتبع هؤلاء الأمبو حتى حين نريد أن نتحرر؟ أليس من حقنا أن نختار شكل حريتنا؟". والأمبو هو الاسم الذي يسمّي الخدم به المدينة، وقد سمّوا به الراوي عبد الرحمن عندما حلّ بين ظهرانيهم.
بنى علي المقري روايته على هيئة فصول، عنوان كل منها هو سنة ما، ابتداءً من 1981. غير أن الاسترجاع سيبدأ في الفصل الثاني منذ عام 1975 حتى 1980، حيث تأتي الخاتمة في الفصل الأخير 1982. أما البداية فكانت مع ربّاش الذي جرّم قبل عشر سنوات بخيانة الوطن، بسبب عضويته في الحزب، وپ"خيانة"الأسرة التي عمل عندها إذ أحب ابنتها. ولأن اليمن كانت على شفا الوحدة، فقد أعيدت محاكمة ربّاش وأمثاله من المحكومين سياسياًً، وإن بتهم جنائية، ليتم الإفراج عنهم. لكن ذلك ما زاد ربّاش إلا غضباًً، ففلسف الخيانة كما رأينا، واتهم القاضي بالخيانة:"أنت خائن لأنك تخون الناس كل يوم. خائن وإن لم تعرف ذلك". كما وصم رباش بالخيانة المجتمع والطبقة والأحزاب والعائلة والزواج والقوانين والحدود والتقاليد والتربية الوطنية والوطن نفسه، ولم يبرئ أحداً:"كلنا نمارس خيانة الوطن في شكل من الأشكال، ما دام يسمى وطناً، كما يقوم هو بخيانتنا".
أُفرج عن رباش بحجة أنه مختل عقلياً. وكان الراوي عبدالرحمن قد حضر محاكمة رباش، ثم التقاه ليلاً واستجاب لطلبه أن يقصّ عليه قصته ورفيقته الدغلو، ففعل الراوي، وكانت الرواية، ابتداءً من عودة الراوي إلى طفولته وحكاية أمه عن الملك شمسان والمزين مرجان، وتحول الملك إلى دود لأنه تزوج بنت المزين. ومثل ذلك في الدلالة الطبقية الفاقعة هي حكاية بنت السلطان التي هربت مع الولد الفقير، وما سيلي من الأمثال التي تتعلق بالخدام، ومنها:"من صاحب الخادم أصبح نادم"و"الخادم أنجس من اليهودي"...
في قرية الراوي، في يفاعته، وليلة عرس السلالة التي سميت بهذا الاسم لأنها مولودة كالراوي عام 1962 ينقاد عبدالرحمن إلى جسد جمالة بنت شماس المزين، رائحتها الطافحة مع العرق الحار، فتحمل البنت. وحين يفتضح حملها تعاقب بالرجم حتى الموت. وكانت جمالة قد روت لعبدالرحمن الحكاية التي تجعل الإنس والجن يعدون المزينيين ناقصين، أي من القاع، شأن الخدم.
يكرر عبدالرحمن فعلته مع الدغلو شقيقة جمالة، فيهربان إلى المحوى، أي إلى سوار البروليتاريا الرثة لمدينة تعز، حيث يبدأ الهاربان بنسج حكايتهما من صفائح الزنك وأعواد الأشجار وعفن النفايات والأقذار. وقد آوت عيشة الهاربين ريثما وقع عبدالرحمن على عمل في مطعم، وصارت لهما"عشة".
عالم الغرابة
من هنا تبدأ الرواية، وفصلاً بعد فصل، أي سنة بعد سنة، برسم هذا العالم الغريب العجيب، حيث الصراع الدموي والحمّى الجنسية وبلوغ الرواية ما يسمّى بجمالية القبح. أما الأهم فهو ما تمور به الرواية من الشخصيات، مثل عيشة التي طلقت زوجها ورمي شقيقها سرور في السجن، ومثل سرور نفسه الذي ثقفه السجن برفقة السياسيين فقرأ الكتب الماركسية والبعثية والناصرية والإخوانية والأدبية والفكرية. لكن ذلك لم يثقّف حمأته الجسدية كما تبين بعد الإفراج عنه عام 1976 إثر الحركة التصحيحية التي قادها إبراهيم الحمدي. ومن الشخصيات الهامة بهجة التي يتبين أنها مرسلة من قبل سالمين - من يذكر سالم ربيع - إلى الخدام لتنظيمهم. وقد حدثت بهجة الراوي عن دخول الخدام لأول مرة في الجيش والوظائف، وعن محو أميتهم رجالاً ونساءً، وذلك في اليمن الجنوبي الذي كان يقوده سالمين. وقد أقامت بهجة في المحوى العزاء بموت سالمين عندما جرى اغتياله، ودوّى رجع الهتاف القديم: سالمين قدام قدامْ / سالمين ما احناش خدامْ.
راحت تجارة البناء تزحف رويداً رويداً على المحوى، كما أخذت حياة الخدم تزداد اضطراباً، فالشيخ يحضر واعظاً، والمعارضون الملثمون الهاربون يلجأون إلى المحوى، ورجال الأمن يسجنون بهجة ويغتصبون الدغلو.. وهكذا تأتي خاتمة الرواية عام 1982 بظهور ربّاش العبد وسرور والراوي الذي يتساءل عما إذا كانوا سيصبحون لا شيء، ويخص سرور بالقول:"كأنه أنا وكأنني هو، كأنه آخر تخلى عن سرور، أو سرور تخلى عن آخر، كأنه غيره، أو لا شيء ... أنا قرطاس في أرض، حفنة غبار، كومة قش، أنا هو أنا.. أنا لا شيء".
كان جلياًً طوال الرواية مراهنتها على الحكاية. وعبر ذلك كان الرهان على التعدد اللغوي، فللقاضي لغته، ولسرور أو رباش العبد الخادمان المثقفان لغتهما، ولعيشة أو الدغلو لغتهما، وللأطفال لغتهم. ومن تلك اللغات ما جاء في هيئة الأغاني والأشعار والأمثال. وربما أثار القرف ما تراكم من القول المتصل بالحاجات الغذائية، أو ربما أثار الغيظ ما عُدّ من المبالغة في القول المتصل بالحاجات الجنسية، وكذلك ربما أبهظت الرواية المبالغة في وصف لعبة الحجلة 3 صفحات أو سواها، لكن كل ذلك لا يقلل من الإنجاز الفني الذي حققته هذه الرواية، ولا ينال من الخصوصية التي استطاعت تحقيقها، ببساطة غالباً، وبمكر ودهاء دائماً.
نشر في العدد: 16698 ت.م: 22-12-2008 ص: 31 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.