تحت عنوان"موراندي وهولان يعبران الى عالم الصمت"تقام سلسلة معارض توأمية في فرنسا، انتهى الأول في أواخر أيلول سبتمبر في غالوري ميرابيللا ثم بدأ الثاني في الغالوري الباريسية المعروفة"فيي دو تامبيل"مستمراً حتى العام المقبل، اضافة الى معارض في عدد من الصالات الأقل شهرة. يهمنا في هذا العرض الثنائي المتنقل الفنان"الأول"، ملك تصوير الطبيعة الصامتة في القرن العشرين، أكثر من نظيره"الثاني"رغم ما خلفته ثقافته من أصداء نقدية من خلال دراساته وحواراته في الكثير من المجلات المختصة حول المعرض وخصائص جيورجيو موراندي معلمه الأول. وعلى رغم تقمص هولان الموهوب لحالة المعلم بخاصة في لوحاته المصورة بالمائيات على ورق"الكرافت"فلا يمكن مقارنته بالروح التصوفية المذهلة التي يختزل بها موراندي كائناته الصامتة من الأواني المعفرة بالغبار، والتي تقع في هامش النشاط الإنساني. ناهيك عن أن الفرق بينهما يقترب من مسافة نصف قرن."الأول"مولود عام 1890 في بولونياايطاليا وتوفي فيها عام 1964 والثاني في بودابست عام 1933م قبل استقراره في باريس، ثم ذهب الى مدينة موراندي متعقباً فن المعلم، يدرس لوحاته وپ"فلسفة الصمت"لديه ويقتني أعماله ويؤلف كتباً عنه، حتى ليبدو نشاط الثاني في الكتابة التشكيلية من خلال عدد من الكتب أبرز من تجربته التشكيلية. الى درجة انه يملك بعض آثار المعلم من الفراشي وأنابيب الألوان والأواني مما رسخ هالته. يذكر في دراساته ان المعلم موراندي لم يتوصّل الى أسلوبه إلا بعد احتكاكه وشراكته مع معارض مجموعة"المستقبليين"الطليان في بداية القرن، ثم احتكاكه ومعارضه المشتركة مع الميتافيزيقي الأول شيريكو، ويبدو تأثير الثاني أكبر، لأن موراندي متناقض بالنتيجة مع ضجيج وحرية المستقبليين معتمداً على الصمت والزهد التأملي، والاختزال القريب من اختصاصه في فن الحفر والطباعة الذي كان يعلّم مادته في مدرسة اليوزار أكاديمية بولونيا - ايطاليا، ولم يخرج من هذه المدينة إلا مع الحرب العالمية الثانية، ثم يبدأ في حصاد الجوائز التي انتهت بجائزة التصوير في بينالي فينيسيا عام 1948، وخصص إثر ذلك المتحف الألماني"كاسيل"أول معرض استعادي له عام 1955 قبل وفاته. أعاد موراندي الاعتبار لموضوع"الطبيعة الصامتة"للمرة الأولى في تاريخ الفن، فقد كان موضوعاً هامشياً ملتبساً في القرن التاسع عشر في فرنسا وخلال عصر الكلاسيكية المحدثة والواقعية والرومانسية عصر آنفر وكوربيه ودولاكروا وكان من سوء حظ فنان بحجم شاردان أن تلقى لوحات الطبيعة الصامتة لديه الإهمال والتعسف، هو الذي استمر حتى عصر الانطباعيين، وهو ما لحق من اجحاف بتفاحات سيزان سر عبقريته التي هدت التيار التكعيبي لبيكاسو وبراك. وهنا بدأ هذا الموضوع الحيادي الأقرب الى التجريد يأخذ حقه، مع جياكو ميتي تفاحته الوجودية العزلوية وسوتين تراجيدية المهملات وزوج حذاء فان غوغ وملصقات بيكاسو وزجاجات دو ستائيل وغيرها. ابتدأ هذا الاحترام أيضاً مع أواني موراندي، هي التي كان لتبسيطها الحلمي التأثير على كبار فناني المعاصرة في الولاياتالمتحدة منذ بداية"المخالية"مع روتكو ومستهلكات البوب آرت. وإذا اتفق الجميع اليوم حول فضل أوانيه فلأنه استمر مع الواقعية الجديدة للنحات سيزار وسواه، وبقيت منزلة لوحاته في المستوى الأعلى مما جعل ايطاليا تفخر بتراثه ولوحاته، تتهافت على اقتنائها المتاحف وكذلك أصحاب المجموعات. قد يكون فضل هولان في العرض شرحه العميق والمختص بفلسفة الصمت التي أسسها موراندي فتحولت بذلك الطبيعة الصامتة الى بلاغة تشكيلية.